Translate

Translate ترجم الصفحة لاي لغة تريد

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 27 فبراير 2024

جريج العابد و قصة خشبة المقترض و قصة صاحب الحديقة و قصة عائشة رضي الله عنها وقبر البقيع و قصة مسجد أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه



جريج العابد و قصة خشبة المقترض و  قصة صاحب الحديقة  و قصة عائشة رضي الله عنها وقبر البقيع و  قصة مسجد أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه

 سلسلة القصص المنجد

1.قصة جريج العابد

هو رجل صالح من بني إسرائيل، قيل: إنه ان يشتغل بالتجارة، وأنه كان ينقص مرة ويزيد أخرى، أي: يربح ويخسر، فقال: ليس في هذه التجارة خير؛ لألتمسن تجارة هي خير من هذه، فبنى صومعة وترهب فيها، فجاء ذكر قصته على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم، لما فيها من العظة والعبرة، وقد ذكر الشيخ الحديث بنصه ثم شرحه شرحاً موسعاً.

حديث جريج

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فهذه القصة التي بين أيدينا هي قصة مِن أنباء مَن قد سبق، قصها علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى، وهي قصة جريج الراهب، {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} النجم:4]، التي حدثنا بها النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء عنه في الحديث الصحيح.

وهذه القصة رواها البخاري رحمه الله، ورواها الإمام مسلم رحمه الله تعالى، وكذلك رواها الإمام أحمد رحمه الله.

ورواية الإمام مسلم رحمه الله تعالى، يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلاً عابداً، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج! فقال: يا رب! أمي وصلاتي -أيهما أقدم؟ - فأقبل على صلاته، فانصرفت -أي: أمه- فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج! فقال: أي ربِّ، أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج! فقال: أي ربِّ! أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات.

فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته، وكانت امرأة بغي يُتَمَثَّل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفْتِنَنَّه، فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها، فوقع عليها -الراعي- فحملت.

فلما ولدت قالت: هو من جريج -الولد ولد الزنا من جريج - فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيتَ بهذه البغي، فولدت منك، قال: أين الصبي؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى فلما انصرف أتى الصبيَّ فطعن في بطنه وقال: يا غلام! من أبوك؟ قال: فلان الراعي، فأقبلوا على جريج يقبِّلونه ويتمسحون به وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا.

أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا).

وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لنا قصة المرأة التي كان معها الرضيع في هؤلاء الثلاثة؛ ولكن سنقتصر على قصة جريج؛ لأنها هي موضوعنا في هذه الليلة.

شرح حديث جريج

قوله عليه الصلاة والسلام: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة): لقد نُقِل أن عدداً من الناس قد تكلموا في المهد، مثل: صاحب الأخدود، وغيره؛ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بحسب ما يعلم، وبحسب ما أوحي إليه في ذلك الوقت، هذا إذا صحت الروايات برابع أو خامس أو ما زاد عن هؤلاء الثلاثة المذكورين في الحديث: عيسى، والولد في قصة جريج، وكذلك ولد المرأة الذي كان يرتضع، ثم تكلم عندما تمنت أن يكون مثل فلان، ودعت ألا يكون مثل فلان.

فـ جريج رحمه الله كان في بني إسرائيل، وقيل: إنه كان رجلاً تاجراً في بني إسرائيل، وكان ينقُص مرة ويزيد أخرى، يعني: تجارته ترتفع وتنخفض، تربح وتخسر، فقال: ليس في هذه التجارة خير، لألتمسن تجارة هي خير من هذه، فبنى صومعةً وترهَّب فيها، وهذا يدل على أن جريجاً كان بعد عيسى عليه السلام، وأنه كان من أتباعه؛ لأن أتباعه هم الذين ترهبنوا وحبسوا أنفسهم في الصوامع.

والصومعة: بناء مرتفع محدد الأعلى، رأسه دقيق، كان رهبان بني إسرائيل يعتكفون فيها -في الصوامع- يعبدون الله.

وبينما كان جريج يتعبد في صومعته جاءته أمه، وفي العادة كانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها فأتته يوماً وهو في صلاته، فنادته، ثم المرة التي بعدها صادف أن كان في الصلاة، فنادته، والمرة الثالثة نادته وكان في صلاة فقالت: أيْ جريج! أشرف علي أكلمك، أنا أمك، فكان يختار الإقبال على صلاته، احتار في البداية، أبى أن يجيبها، وقال في نفسه: (رب أمي وصلاتي) أي: اجتمع عليَّ واجبان، اجتمع علي إجابة أمي وإتمام صلاتي، فوفقني لأفضلهما، وفي رواية: (فصادفته يصلي فوضعت يدها على حاجبها فقالت: يا جريج! فقال: يا رب أمي وصلاتي، فاختار صلاته -اجتهد واجتهاده أن يقبل على صلاته- فرجعت ثم أتته فصادفته يصلي فقالت: يا جريج! أنا أمك فكلمني، فقال مثل ذلك) ثلاث مرات تناديه في كل مرة وهو يؤثر صلاته على أمه.

هو قال ذلك في نفسه؛ لأنه لا يتكلم في الصلاة، قال في نفسه: أمي أو صلاتي؟! ويحتمل أنه يكون نطق بذلك لأن الكلام عندهم كان مباحاً في العبادة، وكذلك كان في صدر الإسلام، ثم لما نزل قول الله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] امتنع الكلام في الصلاة، في ديننا كان الكلام في الصلاة مباحاً، فكان الرجل إذا جاء إلى الجماعة وجدهم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ النبي عليه الصلاة والسلام آية، فيقول لمن بجانبه: متى نزلت هذه؟ أو هذه من أي سورة؟ ونحو ذلك، فيجيبه، فلما نزل قول الله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] امتنعوا عن الكلام في الصلاة، وحرم الكلام في الصلاة.

ويقول: وجاء في بعض الروايات: (لو كان جريجٌ عالماً لعلم أن إجابة أمه أولى من صلاته) لما صادف ثلاث مرات أن جريجاً لا يطيع أمه لما نادته ولا يكلمها لاشتغاله بالصلاة وترجيحه الصلاة على إجابة أمه، تضايقت الأم ودعت الله، فقالت: (اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات) وفي رواية: (حتى ينظر في وجوه المياميس).

وفي رواية: (حتى تريه المومسة).

وفي رواية: (فغضبت فقالت: اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات) المومسات: جمع مومسة، والمومسة هي: الزانية، وتُجمع على مواميس أيضاً.

ووقع في رواية: (قالت: أبيتَ أن تطَّلِع، لا أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة).

بعد ذلك حدث أن بني إسرائيل الذين كانوا في بلده ومعه تناقشوا في عبادة جريج، وذكروا كيف كان يعبد ويطيل العبادة ويتفرغ للعبادة، وينقطع للعبادة، فقالت بغي منهم: (إن شئتم لأفتننه، قالوا: قد شئنا -وكانوا قومَ بُهْت، كانوا قوماً فَسَقَة فَجَرَة، ما عندهم مانع أن تتعرض الزانية للعابد- قالوا: قد شئنا، فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأمكنت نفسها من راعٍ -راعي غنم- كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج) الراعي كان يؤوي الغنم إلى أصل صومعة جريج في الأسفل، فهذه المرأة لما لم يلتفت إليها جريج ولا تعرض لها، أمكنت نفسها من هذا الراعي، فزنى بها، ووقع عليها، وكانت تعمل الفساد، وظنت أنها تستطيع أن تفتن جريجاً، ولكن لم يتعرض لها ولم يلتفت إليها.

لما وقع عليها الراعي حملت فولدت غلاماً: (فأتت بني إسرائيل فقيل لها: ممن هذا؟ -ممن هذا الغلام؟ - قالت: من صاحب الصومعة -نزل إلي من صومعته-.

وفي رواية: فقيل لها: مَن صاحبك؟ -أي: الزاني؟ - قالت: جريج الراهب، نزل إلي فأصابني.

وفي رواية: فذهبوا إلى الملك فأخبروه، قال: أدركوه فأتوني به، فأتوه، فكسروا صومعته، وأنزلوه.

وفي رواية: فأقبلوا بفئوسهم ومساحيهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم فأقبلوا يهدمون ديره فما شعر حتى سمع بالفئوس في أصل صومعته فجعل يسألهم: ويلكم! ما لكم؟ فلم يجيبوه، فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى، أخذوه وضربوه وسبوه، قال: ما شأنكم؟ قالوا: إنك زنيت بهذه.

وفي رواية: فقالوا: أي جريج انزل، فأبى، يقبل على صلاته -مشتغلٌ بالصلاة- فأخذوا في هدم صومعته، فلما رأى ذلك نزل فجعلوا في عنقه وعنقها حبلاً وجعلوا يطوفون بهما في الناس، فقال له الملك: ويحك يا جريج! كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه، اذهبوا به فاصلبوه.

وفي رواية: فجعلوا يضربونه ويقولون: مُراءٍ، تخادع الناس بعملك، قال: دعوني حتى أصلي، فتوضأ -وهذا دليل على أن الوضوء كان في الأمم مِن قبلِنا، وصلى ودعا الله تعالى -صلى ركعتين، ودعا الله تعالى- ثم أتى الغلام فطعنه بأصبعه في بطنه - جريج طعن الغلام بأصبعه في بطنه لكي ينتبه الغلام مع أن الغلام رضيع لا يفقه شيئاً- فقال: بالله يا غلام من أبوك؟ قال الغلام: أنا ابن الراعي.

وفي رواية: ثم مسح رأس الصبي، فقال: من أبوك؟ فقال: راعي الضأن.

وفي رواية: فأُتي بالمرأة والصبي وفمه في ثديها، فقال له جريج: يا غلام! من أبوك؟ فنزع الغلام فاه من الثدي وقال: أبي راعي الضأن -فيُحمل هذا على أنه مسح برأس الصبي أولاً، ووضع إصبعه، طعن بإصبعه في بطنه، وسأله بعد ذلك- فنطق الغلام فأبرأ الله جريجاً، وأعظم الناس أمر جريج، فسبح الناس وعجبوا، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا.

إلا من طين، ابنوها طيناً كما كانت.

وفي رواية: قالوا: نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة، قال: لا.

ولكن أعيدوه كما كان.

وفي رواية: فقال له الملك: نبنيها من ذهب؟ قال: لا.

قالوا: من فضة؟ قال: لا.

إلا من طين.

وفي رواية: فردوها كما هي فرجع في صومعته، فقالوا له: بالله مِمَّ ضحكت؟ فقال: ما ضحكت إلا من دعوة دعتها أمي).

فوائد حديث جريج

في هذا الحديث:

إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع

إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع إذا نادته أمه: الواحد منا إذا نادته أمه أو ناداه أبوه، وهو يصلي صلاة نافلة، فإن كان يعلم أن أمه ستغضب إذا لم يجبها فإنه يقطع الصلاة ويجيبها، وإذا علم أنها تتحمل لو أتمها خفيفة، أتم النافلة خفيفة وأجاب أمه وأباه وإذا كانت صلاةَ فريضة خَفِّفْ الفريضة، قَصِّر القراءة والركوع والسجود ثم سلم وأجب أمك أو أباك.

إذاً: يؤخذ من هذا الحديث: - تقديم إجابة الأم على صلاة النافلة، وإذا أمكن التخفيف فليخفف ثم يُجب.

- الفرض يخففه ويجيب أمه.

تقدير شعور الأم

ثانياً: أن الأم تشتاق إلى ولدها فتزوره وتقتنع برؤيته وتكليمه وأن مناها في رؤية ولدها هو الكلام والحديث إليه: ولذلك فينبغي على الابن أن يقدر شعور الأم، ولا يقول: وماذا يفيدها النظر إلى وجهي؟! وماذا يفيدها الكلام معي؟! فنقول: هذا قلب أم والأم تشتاق إلى ولدها، وتحن إليه، وهي متعلقة به، ورؤياه عندها تساوي الدنيا وما فيها، وحديثها إلى ولدها جد مهم بالنسبة لها، ولذلك ينبغي على الإنسان أن يقدر شعور أمه.

وبعض الناس إذا كبروا وانشغلوا بالحياة والوظائف والسفر من بلد إلى بلد، أصبحوا لا يقدرون شعور الأم، وربما لا يقدر إلا إذا صار أباً أو صارت البنت أماً في المستقبل، فتتذكر وتقول: رحمة الله على أمي، أو رحم الله أمي، كانت تقنع بنظرة وتريد الرؤيا واللقيا والكلمة، فعند ذلك يحس الإنسان بشعور الأب أو الأم إذا صار هو أباًَ أو صارت هي أماً.

ولذلك ينبغي أن ينتبه قبل فوات الأوان، وأن الإنسان لو طلبَت منه أمه أن يأتي إليها، كأن تتصل به من بلدها وهو -مثلاً- من الجنوب ويسكن في الشرقية، أو كانت أمه في مصر وهو يعمل هنا، فطلبت منه أن يأتي لرؤيتها، فلا يقل: أنا أين وهي أين! أنا في شغل وأشغال مهمة وهي تريد رؤيتي! وماذا تستفيد من رؤيتي؟! فنقول: الأم هكذا قلبها، معلق بولدها، تريد رؤيته والحديث إليه، وتقر عينها عندما يكون ولدها عندها، ولذلك لا يقول الإنسان: أسافر الآن من أجل أمي؟! فنقول: إذا كان السفر ممكناً ولا يضرك فسافر من أجلها والقَها وانزل إليها ومُرَّ بها فإن في ذلك البركة.

ولذلك فإن الإنسان إذا كان عند والديه في البلد لا أقل من أن يمر بهما يومياً من الباب ويسلم عليهما، وأن يحييهما في المساء، أو في الصباح تحية، والرؤيا فيها فائدة عظيمة للأم، فلا يصح أن تُفَوَّت عليها بحال.

كراهية دعاء الأم على ولدها بشر

الفائدة الثالثة من فوائد الحديث: أن الأم لا ينبغي أن تدعو على ولدها بشر: لأن دعاء الأم مستجاب، ولو دعت عليه بشر ربما وقع ذلك فتتأسف وتقول: يا ليتني لم أدعُ عليه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس:11] من رحمة الله أنه لا يستجيب لنا كل دعاء دعونا به على أنفسنا أو على أولادنا، ولو أن الله يستجيب لنا كل دعاء ندعو به على أنفسنا أو أولادنا لهلكنا وهلك أولادنا منذ زمن بعيد، ولكن قد توافِق الدعوة وقت استجابةٍ وسماءٍ مفتوحةٍ فيقع المكروه بسبب الغضب والاستعجال.

ولذلك فإنه لا ينبغي للأب أو الأم الدعاء على الولد، إنما يدعو للولد بالهداية والصلاح.

ثم إن أم جريج كان دعاؤها أن يجري على ولدها ما يؤدبه، دعت دعاء خاصاً، ما دعت عليه بأن يقع في الفاحشة، وما دعت عليه بأن يقتل ويموت، دعت عليه بأن يريه الله وجوه المومسات، حتى ينتبه ويعي ويرجع ويعرف قدر الأم ودعوة الأم إلى أين تصل.

دعوة الوالدة على ولدها مستجابة

والفائدة الرابعة: أن دعوة الوالدة مستجابة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوة الوالد لولده ودعوة الوالد على ولده كلاهما مستجاب).

صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن

والفائدة الخامسة: أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن: فنلاحظ أن جريجاً لما كان متفرغاً للعبادة مقبلاً على الله كان صاحب قلب قوي، وإيمان سوي، ولذلك ما ضرته المرأة لما تعرضت له، والإنسان لو كان إيمانه ضعيفاً، فدعته امرأة وهي ذات جمال ربما يقع، لكن عندما يكون الإنسان صاحب دين وصاحب عبادة، ليس فقط لا يقع، وإنما لا يلتفت أصلاً، ولذلك جاء في القصة أن جريجاً رحمه الله تعالى لم يلتفت إليها، قال في الحديث: (وكانت امرأة بغي يُتَمَثَّل بحسنها فقالت: إن شئتم لأفتننه، فتعرضت له فلم يلتفت إليها) فلم يلتفت، فالإنسان إذا كان صاحب دين قوي عصمه الله من الفتن.

سد الذرائع

سادساً: سد الذرائع: لا يكفي أن الإنسان ينظر بعينه ويقول: لا.

أنا أخاف الله رب العالمين، وإنما لا يلتفت أصلاً.

فيستفاد من القصة: غض البصر، وأن الدفع أسهل من الرفع، يعني: إذا دفعتَ عنك المنكر من أوله، فقد قطعت الطريق من أوله، وذلك أسهل من أن تتمادى فيه ثم تريد أن تخرج، نضرب مثالاً: لو أن إنساناً معه فرس، فأراد الفرس أن يدخل في دهليز ضيق، لو أنه منع الفرس من دخول هذا الدهليز الضيق لسهل عليه توجيه الفرس إلى أي جهة يريد؛ لأنه لم يدخل بعد، لكن إذا دخل الفرس في الدهليز الذي لا يكاد يتسع لدخول فرس واحد فما رأيكم بسهولة إخراجه؟! يصعب على الفرس أن يلتفت يميناً، وشمالاًَ؛ لأن رأسه صار إلى الداخل، وكذلك إذا توجه الشخص فالخروج صعب، وكلما أوغل في هذا الدهليز، يصعب إخراجه أكثر وأكثر.

ولذلك إذا منعه من الدخول كان توجيهه أسهل ما يكون، أما إذا دخل فإن توجيهه من أصعب ما يكون.

ولذلك ينبغي قطع الطريق عن الوقوع في المعصية من أولها بمسألة غض البصر.

فإن قال لك قائل: هذه الشهوات طرائق وسبل، على كل سبيل شيطان، يدعونا للدخول في هذه الشهوات.

ما هي الطريقة لكي ننقذ أنفسنا من الشهوات، فلا نستجيب للشهوات، ولا نتأثر بها، ولا نجري وراءها، ولا تستقر في نفوسنا وقلوبنا، ولا تتشرب قلوبنا هذه الشهوات؟ نقول: أسهل طريقة أن تغض بصرك، ولذلك الأعمى من منة الله عليه في كثير من الأحيان أنه لا يرى، يعني: لا يُفْتَن بالنظر؛ لأنه لا يرى، والمبصر مبتلى بالنظر، ولذلك كلما قوي الإيمان كان حجز النفس عن المعصية أقوى، ولذلك جريج لم يلتفت إليها أصلاً.

الفزع إلى الصلاة عند حدوث المكروه

الفائدة السابعة: الفزع إلى الصلاة عند حدوث المكروه: فإن جريجاً لما ضربوه وسبوه وشتموه واتهموه بأنه هو الذي زنى بالمرأة قال: (دعوني أصلي) فصلى حتى تقوى الصلة بالله، ويكون الدعاء أحرى بالإجابة، ثم دعا الله.

وهذا فيه تأكيد وإعادة لما سبق استخراجه من أحاديث متقدمة وقصص: أن الفزع إلى الصلاة عند الملمات من الأمور المهمة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:153]، (كان إذا حزبه أمر صلى)

(11/11)

قوة اليقين والرجاء بالله تعالى

الفائدة الثامنة: قوة اليقين والرجاء بالله تعالى، وأن الإنسان إذا كان يقينه بالله قوياً خرق الله له العادة: وقد انخرقت العادة من قوة يقين جريج قال: (يا غلام! من أبوك؟) ما أنزل عليه وحي بأن الغلام سينطق: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} [البقرة:60]! {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء:63]! لا.

هو أقبل عليه وقال: (يا غلام! من أبوك؟) بكامل اليقين بالله والتوكل على الله، فأنطق الله الولد، وانخرقت العادة بقوة إيمان جريج ويقينه بالله تعالى، ولولا صحة رجاء جريج بالله وتعلقه به ورجائه من الله أن ينقذه ما نطق الغلام، ولكن لصحة رجاء جريج نطق الغلام.

(11/12)

إثبات كرامات الأولياء

تاسعاً: إثبات كرامات الأولياء: وقد مر معنا هذا سابقاً، إثبات كرامات الأولياء، وجريج من أولياء الله، ومن كرامات جريج نُطْق الغلام ببراءته.

(11/13)

بعد كل شدة مخرج

عاشراً: أن الله يجعل لأوليائه عند الابتلاء مخارج:-

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرِجت وكنت أظنها لا تُفْرَجُ

ولرُبَّ نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرجُ

فإذا استحكمت حلقاتها وضاقت يأتي الفرج، متى يأتي الفرج؟ حين يظن الشخص أنه لا حيلة، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف:110] فيأتي الفرج عندما تضيق الأمور وتصل إلى القمة في الشدة، وعند ذلك يأتي الفرج، ضربوه وشتموه وسبوه وكسروا صومعته واتهموه وبعدها جاء الفرج.

(11/14)

إذا تعارض أمران بدئ بأهمهما

والحادي عشر: إذا تعارض أمران بُدِئ بأهمهما: إذا تعارض عندك أمران ولا تستطيع أن توفق بينهما، تبدأ بالأهم.

تؤخذ هذه القاعدة من قول جريج في الحديث: (أمي أو الصلاة).

قلنا: إن الإنسان إذا كان في فريضة خففها.

وإذا كان في نافلة: فإن كان تخفيفها لا يغضب أمه خففها وأتمها وأجاب.

وإن كانت تغضب أمه قطعها.

فإذا علم تأذي الوالد وجب عليه الترك وإجابة الوالد، وإلا فالأصل إتمام الصلاة، يقول الله: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33] فالإنسان لا يقطع الصلاة لأي سبب ويمشي، وإنما إذا وُجِد سبب قوي قطع الصلاة، وإذا لم يجد سبباً أقوى من الصلاة فيستمر في الصلاة، ولا يبطل عمله؛ لأن الصلاة تلزم بالشروع، يعني: إذا كبرت تكبيرة الإحرام وجب عليك إتمامها، مثل الحج والعمرة إذا أحرم الإنسان وجب عليه الإتمام لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] حتى لو كان نفلاً يجب عليه أن يتمه، فالصلاة إذا دخل الإنسان فيها ولو كانت نافلة فإنه يجب إتمامها؛ لأن قطعها فيه دلالة على اللامبالاة بالدين وبأمره، ولو كانت نافلة، ما دام أحرم بها يجب عليه أن يتمها، ولذلك قال العلماء: تلزم بالشروع.

هل هذا الحكم -كما قلنا- يختص بالأم؟ ذهب إلى ذلك بعضهم، ولكن الصحيح أن الأب والأم في هذا الحكم سواء.

فإذاً: نرجع إلى القاعدة وهي: إذا تعارض عندك أمران فإنك تبدأ بالأهم.

مثال آخر: إذا شرعت في نافلة اللحظة وأقيمت صلاة الفرض: هذا تعارض ولا يمكن أن تتم الفرض وتتم النافلة وقد أقيمت الفريضة، فعند ذلك ماذا تفعل؟ تقطع النافلة بالنية، بدون تسليم، وتدخل مع الإمام في الفريضة؟ مثال آخر: حلول الدين والحج: فإذا صار الإنسان مطالباً بالدين يقدم الدين على الحج؛ لأن الحج يجب عند الاستطاعة، وحيث أنه مطالبٌ فلا استطاعة.

وإذا تعارض الزواج والحج فأيهما يقدم؟ فيها تفصيل: إذا كان يخشى العنت، ويخشى الوقوع في الإثم، أو في الحرام، ففي هذه الحالة يقدم الزواج.

أما إذا علم من نفسه أنه يستطيع أن يصبر فيقدم الحج.

مثال آخر على التقديم إذا تعارض أمران: الجهاد وبر الوالدين: يقدم بر الوالدين، ولا يذهب للجهاد إلا بإذنهما، لكن إذا دهم العدو بَلَدَه وجب عليه الخروج للجهاد ولو ما أذن الوالدان؛ لأن هذا أهم، في الحالة الأولى كان بر الوالدين أهم، وفي الحالة الثانية أصبح الجهاد أهم.

إذاً: هناك حالات تتغير الأمور فيها، في نفس القضية الحكم يتغير بحسب الحال.

مثال آخر على تعارض أمرين، وتقديم الأوجب! لكن كيف نتصور التعارض؟ مثال: امرأة عليها من رمضان عشرة أيام، وولدت في العشرين من رمضان، وطهرت في العشرين من شوال، ولو أنها أرادت أن تقضي الصيام لا يتوفر لها ستة أيام من شوال؛ لأن القضاء سيأتي على بقية الشهر، ولو قدمت صيام ستة أيام من شوال لقدمت النفل على الفريضة.

في هذه الحالة ماذا تقدم؟ تقدم الفريضة؛ لأن الوقت لو كان مُتَّسِعاً لقلنا لها: صومي عشرة أيام قضاء أولاً، ثم صومي ستاً من شوال.

لكن الشهر لم يبق منه إلا عشرة أيام فتقدم إذاً صوم رمضان.

ثم إن الأجر في الحديث مقيد: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) فلا بد أن يستوفي أول شيءٍ عدة رمضان كاملة، ثم يصوم ستاً من شوال، وليس: (مَن صام عشرين يوماً من رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال)! فيشترط استيفاء رمضان كله.

مثالٌ آخر! الصلاة ومدافعة الأخبثين، وكذلك إذا حضر العِشاء والعَشاء: إذا حضر العِشاء والعَشاء فيقدم العَشاء وليس هذا دليلاً على أن الأكل أهم من الصلاة، لا.

لكن الخشوع أولى من عدم الخشوع.

فإذاً: صلاة بخشوع مقدمة على صلاة بغير خشوع.

وكذلك يقدم قضاء الحاجة على الصلاة.

مثال آخر: رجل اكْتُتِب في غزوة وامرأته قد ذهبت للحج بغير محرم فكيف يصنع؟ عليه أن يلحق بامرأته؛ لأن هذا أهم وأوجب وأولى من ذاك، وقد يغزو غيرُه؛ ولكن زوجته هو المحرم الوحيد لها.

وكذلك لو تعارض -مثلاً- إنقاذ نفس معصومة مع الصيام: فيقدم إنقاذ النفس المعصومة، ويقضي بعد ذلك هذا اليوم.

المهم أن هناك أمثلة عديدة يتعارض فيها واجبان مع بعضهما البعض، فيقدم الإنسان الأهم، لكن هذا يعتمد على ماذا؟ على الفقه؛ كيف يعرف الأهم؟ هنا السؤال، إدراك التعارض ممكن، يعني: قد يدرك بعض الناس التعارض، لكن ما هو الأهم؟ وكيف تعينه؟ هذا يحتاج إلى علم، ويحتاج إلى فقه.

(11/15)

جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه القدرة على ذلك

الفائدة الثانية عشرة: جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه القدرة على ذلك: فمثلاً الانقطاع للعبادة إذا كان الإنسان سيصبر ولا يسأل الناس، ويكتفي بالقليل ويقنع بما عنده، وما عنده يكفيه لو أن إنساناً تصدق بماله كله في سبيل الله، ما هو الحكم؟ جائز، وكيف لا يجوز وقد فعله أبو بكر الصديق؟!.

نقول: إذا كان يطيق ويصبر، يتصدق بماله كله، أما أن يتصدق بماله كله اليوم، وغداً نلقاه عند باب الجامع، فهذا لا يمكن، ولم يفعل الشيء المستحب ولا الأفضل.

فإذا كان سيصبر ويقينه بالله قوي، وأن الله يرزقه غداً أو بعد غدٍ، وأنه لو جاع اليوم ستنفرج غداً، فيتصدق بماله كله لا مانع، قال أبو بكر: [أبقيت لهم الله ورسوله] هو نفسه قال: [أبقيت لهم الله ورسوله] فالنبي صلى الله عليه وسلم سكت، وأقر على ذلك؛ ولكن قال لـ كعب بن مالك: (أمسك عليك بعض مالك) لما نذر أن يتصدق بماله كله اكتفى منه بالثلث.

(11/16)

مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة

الثالثة عشرة: أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة: ولذلك ضربوه وسبوه وشتموه وكسروا صومعته، ولكن كان بريئاً، لكن لو عُثِر عليه وهو يرتكب الفاحشة فيشتم ويُسَب ويُضْرَب ويُهان ويُذَل؛ لأنه ارتكب فاحشة.

(11/17)

ابن الزنا ينسب لأمه

الرابعة عشرة: أن ابن الزنا في شريعتنا ينسب لأمه، وفي شريعتهم الله أعلم ماذا كان الأمر: هو قال أنه ابن الراعي، قال: (يا غلام! من أبوك؟ قال: الراعي).

ويُحتمل أن يكون تجري بينهم أحكام الأبوة والبنوة، ولكن في شريعتنا لا يُنسب الولد للزاني وإنما يُنسب للزانية.

(11/18)

اتخاذ مكان للعبادة

الفائدة الخامسة عشرة: اتخاذ المكان للعبادة: لو أن إنساناً جعل في بيته مكاناً نظيفاً هادئاً طاهراً يصلي فيه، فهذا أمر طيب، ولا بأس بذلك.

(11/19)

جواز التفكير أثناء الصلاة في أمرٍ مشروع

الفائدة السادسة عشرة: أن الإنسان قد تتنازعه مسألة علمية وهو في الصلاة، قال: (يا ربِّ! أمي وصلاتي)، (أيْ ربِّ! أمي وصلاتي) فلا بأس أن يفكر بجوابها إذا كان لا بد أن يخرج بقرار الآن وهو في الصلاة، مثل أن يتردد هل يسجد للسهو أو لا، وجلس يفكر في الصلاة، هل يسجد قبل السلام أو بعده؟ وظل يتذكر أقوال العلماء ونحو ذلك، فهذا لا يضر بالصلاة؛ لأنه من مصلحة الصلاة.

(11/20)

دعاء الله بالتوفيق والصواب

الفائدة السابعة عشرة: أن الإنسان المسلم يحتاج أن يدعو ربه بالتوفيق للصواب؛ لأن جريجاً قال: (أيْ ربِّ! أمي وصلاتي) فالإنسان إذا تعارضت عنده مسألتان أو قولان أو رأيان ولم يدر أيهما أصوب، ماذا عليه أن يفعل بالإضافة إلى البحث والسؤال؟ أن يسأل الله أن يوفقه للقول الصواب، (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) هذا الدعاء قاله النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل، يدعو الله عز وجل، وهو النبي الذي يوحى إليه وهو أرجح الأمة عقلاً، وأعلمها بما علمه الله ومع ذلك يقول: (اهدني لما اختلف فيه) لاحظ! سبحان الله! النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك) نحن أولى؛ لأن الأمور تختلف علينا أكثر بكثير، فأولى أن نسأل الله إصابة الصواب.

وكان شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي رحمه الله تعالى إذا استشكل عليه الأمر، وصَعُب عليه يقول: يا معلم إبراهيم! علمني، ويا مفهم! سليمان فهمني، ولا زال يلح على الله ويدعو الله عز وجل حتى تنجلي له المسألة.

فأحياناً لا تكفي قضية البحث والتمعُّن وإمعان النظر، فإذا لم يأت من الله عون لا يمكن للإنسان أن يدرك الراجح.

(11/21)

وجود الحسدة في كل زمان ومكان

الفائدة الثامنة عشرة: أن هناك حَسَدَة.

بنو إسرائيل لما تذاكروا جريجاً وعبادته حسدوه، والبَغِيُّ لما قالت: (إن شئتم لأفْتِنَنَّه! قالوا: شئنا) {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] فحسد الصالحين على صلاحهم شيء موجود، وبعض الناس يُحْسَدون على أموالهم، ويُحْسَدون على ثيابهم، وعلى سياراتهم وبيوتهم، يعني: حسد على الدنيا، وبعض الناس يُحْسَدون على دينهم، فإن كان حسداً بمعنى الغبطة، يعني: أن يتمنى الإنسان أن يكون عنده إيمان قوي وعبادة مثل ما عند فلان من العباد، أما إن كان حسداً كأن يتمنى أن هذا الصالح يُفْتَن ويَضِل، كما قال بنو إسرائيل للبغي: (شئنا) يعني: تعرضي له، فهذه من المصائب، وهي موجودة، وقد يُبْتَلى بها بعض عباد الله الصابرين، يبتلون بمن يريد أن تزول عنهم الهداية، أن تزول عن هذا العابد الهداية وعن طالب العلم العلم، والعياذ بالله، فليس إلا الصبر والاعتصام بالله عز وجل.

(11/22)

وجود من يستغل إمكانياته في إضرار الناس

الفائدة التاسعة عشرة: أن بعض الفجرة يستعملون إمكاناتهم في إضرار الناس: انظر إلى المرأة هذه، فهي تستطيع أن تفجر مع أي إنسان، يعني: الباب مفتوح، تذهب إلى الراعي مباشرة من غير شيء؛ لكن قد يستجريها الشيطان ويجعلها تتفنن وتريد إضلال الإنسان التقي، يعني: هناك بعض الفاجرات يمكن أن تتخصص وتوجه جهودها لفتنة الصالحين، فالمسألة عندها ليست فقط مسألة قضاء وطر وشهوة مع فاجر مثلها وتنتهي القضية وإنما قضية كيد أيضاً.

(11/23)

كيد النسوة عظيم

الفائدة العشرون: أن كيد النسوة عظيم: والدليل على هذا أن هذه البغي خططت وذهبت إلى راعٍ يأوي إلى صومعة جريج، ما ذهبت إلى شخص بعيد، لا.

بل إلى راعٍ عند صومعة جريج، وأمكنته من نفسها، وأتت بالغلام بعد ولادته، ومرت به عند بني إسرائيل وقالوا: من أبوه؟ قالت: ذاك الرجل الذي في الصومعة، يعني: كأنها لا تعرف اسمه، فهذا من كيدهن، (إن كيدهن عظيم) وإذا استخدمت المرأة كيدها في الشر، فإنها تأتي بما لا يستطيعه الرجال طبعاً، مع أنها ضعيفة؛ لكن إذا كادت ابتعد عنها.

فهذه المرأة كادت له لتغويه، وتعرضت له، أول شيء قامت به أنها تزينت وتعطرت وتجملت وكشَفت وتعرضت له، يعني: وقفت في مكان يراها.

ولما لم يلتفت إليها انتقلت إلى الخطة رقم [2] أمكنت نفسها من الراعي، ولما حملت وولدت جاءتهم، ما قالت: أنا أحمل جنيناً، لا.

وإنما انتظرت حتى تلد، وهذا كله من أجل الكيد لهذا الرجل الصالح وتشويه سمعته.

وهذه القضية من القضايا المعاصرة، أن بعض الفاجرات تريد تشويه سمعة داعية أو رجل صالح، أو كذا، فتسارع إلى اتهامه، وتخطط لإيقاعه في حبائل الشر، فعلى الصالحين أن يحذروا، ولا يكون الإنسان مغفلاً.

حكى لي شخص قال: اتصلت بي فتاة، فأغلقت السماعة، ثم اتصلت مرة أخرى فأغلقت السماعة، وفي المرة الثالثة قالت: أيقظنا الفجر، فانظر إلى المداخل، المدخل هو الشيطان: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112] والخطط يعني: مكر الليل والنهار، شيء متواصل، يدخلون من باب العبادة، أيقظني الفجر! وكذلك لو قالت مثلاً: لماذا لا تأتي إلى وتصلح بيني وبين زوجي؟! مَن التي دعته؟ هي التي دعته، إذاً هذا فخ، فالإنسان لا يذهب، ويكون مغفلاً! ويدخل، ويقول: أريد الإصلاح بين المتخاصمَين، ويقول في نفسه: هذه عبادة! انظر! المرأة الصالحة بنت الرجل الصالح، لما جاءت إلى موسى ماذا قالت له؟ هل قالت: تفضل معي، أريدك في موضوع؟ لا.

وإنما قالت: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25] من هو صاحب الدعوة؟ أبوها، ما هو السبب؟ ليجزيك أجر ما سقيت لنا، إذاً جاءت بكل وضوح، لو كان الرجل الصالح قادراً على الإتيان لأتى، لكنه كبير في السن وعاجز، فجاءت البنت، ما قالت له بوقاحة وقلة حياء: تعال معي، أريدك في موضوع، تفضل عندنا في البيت بل قالت: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ} [القصص:25] ولِمَ الدعوة؟! ما هو الهدف؟! حتى يكون كل شيء واضحاً! {لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25] ولذلك قيل: إنه لما مشى وراءها وهبت الريح قال: سيري خلفي وانعتي لي الطريق، أو قال: ارمي بحصاة، يعني: إن كنت تريدين مني أن ألف يميناً ارمي الحصاة يميناً، وإن تريدين أن ألف شمالاً ارمي الحصاة شمالاً، حتى لا يراها ولا يسمع شيئاً.

وينبغي أن أقول: هذا درس مهم جداً؛ لأن هذه سبب مصائب كبيرة، أن الإنسان لا يُسْتَدْرج إلى الفخ الذي تنصبه الفاجرة، ثم تلبسه التهمة فتقول: هو الذي تعرض لي، هو الذي جاءني، مع أنها هي التي جاءته، لكن تقول: هو الذي جاءني.

وكذلك هناك من الشياطين من الرجال من يوقعون النساء بطرق ملتوية، وربما يزينون لهن الفجور، وكما أن المرأة تكيد للرجل فكذلك الرجل أيضاً كما هو مُشْتَهَر الآن، ويُسجل لها مكالمات ويهددها بإرسال الأشرطة إلى أبيها حتى تعطيه مفتاح البيت، وغيرها من القصص التي تسمعونها.

لكن المقصود: أن الإنسان يحذر أن يُسْتَدْرَج، ثم لو أنه وقع في أول الفخ لا يكمل الطريق؛ لأن العودة أسهل من الفضيحة التي ستكون بعد ذلك، سواء كان في الدنيا عندما يستفحل الأمر ويصل إلى الفاحشة والعياذ بالله، أو في الآخرة.

(11/24)

حرمة بناء المساجد من ذهب أو فضة

الفائدة الواحدة والعشرون: أن أماكن العبادة لا يجوز أن تكون من ذهب أو فضة أو أشياء تلهي الناس: يجب أن تكون بسيطة ما فيها تكلف ولا زينة ولا زخرفة ولا نقوشات ولا ألوان ولا كتابات.

فتتعجب من محاريب بعض المساجد مكتوب فيها: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً} [آل عمران:37] من هو الذي في المحراب؟ مريم أم إمام، هذا الرجل الذي في المحراب؟! ما هي علاقة الآية بالمحراب الذي في المسجد؟! أولاً: الكتابة في المساجد وزخرفتها حرام وتضييع الأموال فيها حرام فبعض المساجد لا يحنث الإنسان إذا حلف أن قيمة الزخرفة التي فيها يمكن أن تبني بها عشرة مساجد في بعض دول المسلمين الفقراء.

(11/25)

ابتلاء الله للأولياء

الفائدة الثانية والعشرون: أن أولياء الله يبتلَون: كما ابتلي جريج بالضرب والسب وكسر بيته أو مكان عبادته.

وقد ابتلي بعض العلماء بحرق مكتبته.

وابتلي بعض الصالحين بأشياء كثيرة، أنواع من الابتلاءات يُبتلى بها الصالحون.

وقد كان ابتلاء جريج ابتلاء مادياً ومعنوياً، وذلك بأنهم كسروا صومعته وضربوه وشتموه وسبوه.

(11/26)

الحُسن قد لا يأتي بخير

الفائدة الثالثة والعشرون: أن الحُسْن قد لا يأتي بخير، الجمال يمكن أن يكون نقمة على صاحبه، قال في الحديث: (وكانت امرأة بَغِيٌّ يُتمَثَّل بحسنها) يعني: يُضْرَب المثل بجمالها، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين) والمرأة قد تكون جميلة؛ يمكن أن يوقعها الحسن والجمال في المعصية والفاحشة، وتكون هدفاً تُسْتَهْدَف، وبالتالي تقع، ولذلك الإنسان يكون حكيماً ولا يجري وراء الجمال، لا بد أن يكون الأساس هو الدين، وإن حصل الجمال فالحمد لله نعمة إلى نعمة، لكن إن تعارض الجمال والدين أيهما الأولى؟ تعارض الأولويات، فيقدم الدين بطبيعة الحال.

فالجمال قد يكون نقمة على صاحبه، وربما يكون إنسانٌ معرضاً للوقوع في الفواحش، وربما يستهدف من قبل الآخرين إذا كان عنده جمال، بينما إذا كانت خلقته عادية أو قبيح المنظر لا يتعرض له أي أحد، ولذلك الجمال ربما يكون نقمة وأحياناً قد يكون عدم الجمال نعمة في بعض المواضع.

(11/27)

تمسح الجهلة بالأولياء

وكذلك من فوائد الحديث: أن الجهلة إذا رأوا أمامهم كرامة يتمسحون بصاحبها: فإنه قال في الحديث: (فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به).

فيجب على الإنسان لو حصل منه شيء من ذلك ألا يفتح المجال لقضية التمسح وأن يبعد هؤلاء، ولكن قد يغلبونه بسبب كثرتهم، ولكن ينبغي أن يبين لهم الحكم وأن البركة من الله.

بعض الناس يتمسح بشخص ويقول: بركاتك يا سيدنا الشيخ، والبركة من الله، وليست موجودة في فلان ولا فلان، فمن هو مصدر البركة؟ الله عز وجل.

ثم قد يجعله الله في ماء زمزم؛ فيكون ماءً مباركاً.

وقد يجعله في ماء السماء؛ فيكون ماءً مباركاً.

وقد جعله في البيت الحرام؛ فكان بيتاً مباركاً.

وقد يجعله في بقعة؛ فتكون بقعة مباركة، مثل المسجد الأقصى وما حوله في بلاد الشام.

وقد يجعله في نوع من الطعام؛ {شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور:35].

وكذلك قد يجعل الله البركة في أشياء قليلة فيكون القليل منها يكفي الكثير.

لكن مصدر البركة من الله، الناس ليسوا هم مصدر البركة، وإنما البركة من الله؛ لأن الكثرة والنماء والزيادة من الله، لأنها أشياء غير محسوسة، يعني: أنها لا تحس وإنما ترى نتائجها وآثارها، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (البركة وسط الطعام فكلوا من أطرافه) يأتي رجل ويقول: أنا أريد البركة، فيأكل من وسط الطعام، كل من حوافه؛ فإن البركة تنزل من الوسط على الجوانب؛ فإذا أذهبتَ الوسط ما الذي سينزل؟

(11/28)

تواضع العابد

ومن الفوائد كذلك تواضع العابد: فإنه قال: (أعيدوها من طينٍ كما كانت) ما قال: أريد تعويضاتٍ، وذهباً وفضةً، وأريد أمولاً، وما قال: ردوا اعتباري، قبِّلوا يديَّ، تمسحوا بي، ابنوها ذهباً، ما فعل ذلك، وإنما قال: فقط أنا عندي مطلب: (أعيدوها من طين كما كانت) وهذا يدل على تواضعه رحمه الله تعالى.

(11/29)

التذكر بعد حدوث مصيبة أو كارثة

وكذلك من الفوائد: أن الإنسان قد لا يتعلم إلا إذا نزلت به مصيبة أو كارثة: عند ذلك يتغير، فهو ضحك (قالوا: مِمَّ ضحكت؟ قال: من دعوة دعتها أمي) الآن عرف ما يمكن أن تصل إليه الأمور.

فالإنسان أحياناً لا يتعلم إلا بدرس يتلقنه، وما يعرف الصواب إلا بعد أن يُمْتَحن، وعندها يعلم ما كان ينبغي عليه أن يفعله.

فهذا بعض ما اشتملت عليه هذه القصة من الفوائد.

وننتقل بعد ذلك إلى الأسئلة.

(11/30)

الأسئلة

(11/31)

جواز الوقف قبل إتمام الآية إذا كان هناك عذر

السؤال

ما هو سر وقوفك في منتصف سورة الحمد، هل هناك دليل على ذلك؟

الجواب

ليس عندنا أسرار وإنما قد يحدث ضيق في النفس أو كتمة في الصدر أو في الصوت فأضطر إلى الوقوف، وإلا فلا فيها دليل ولا سنة معينة في الوقوف في موضع معين في الفاتحة، السنة الوقوف عند رءوس الآي فقط.

(11/32)

إعلام فاعل الخير فيما ينفق ماله

السؤال

أتى رجل بمائة ريال وقال للمؤذن: اشترِ بهذه سجادة للإمام، والجامع الحمد لله مفروش ولا يحتاج؟!

الجواب

يعيدها إليه ويقول: يا فلان! لا يُشرع أني أشتري سجادة للإمام؛ لأنها متوفرة ولكن وكلني أتصرف بها في شيء للمسجد أو طعام لمساكين ونحو ذلك.

(11/33)

التحذير من الفتوى بغير علم

السؤال

صلى نساء في مسجد فقرأ الإمام: {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص:24] فسجد الإمام وسجد المأمومون، وركعت امرأة والمأمومون ساجدون، فلما قضيت الصلاة أخذت المرأة تقول: يا أخوات! لماذا سجدتن ولم تركعن؟ ألم تسَمْعَن عن ركوع التلاوة؟!

الجواب

ماذا تعني كلمة خَرَّ؟ تعني: من أعلى إلى أسفل، {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص:24] فالسجود قد يطلق عليه ركوع، والخرور من أعلى إلى أسفل، وليس هناك شيء اسمه ركوع التلاوة، وإنما سجود التلاوة، فهذه المرأة عليها ألا تفتي بغير علم.

(11/34)

جواز قطع الصلاة للحاجة

السؤال

إذا سقط شخص مغشياً عليه أثناء تكبير الإمام تكبيرة الإحرام، هل يخفف الصلاة أحد المأمومين أو يقطعها؟

الجواب

إذا رأى الوضعَ خطيراً يقطع الصلاة لإسعاف الشخص.

(11/35)

(حال حديث: (لا يدخل الجنة ولد الزنا

السؤال

ما صحة حديث: (لا يدخل الجنة ولد زنا)؟

الجواب

حديث: (ولد الزنا شر الثلاثة) محمول على أنه إذا عمل بعمل والدَيه، وإذا صح الحديث؛ فإنه لا يدخل إذا عمل أو وقع في هذه الفاحشة، أما أن ولد الزنا في ذاته لا يدخل الجنة أو محروم من الجنة فهذا كلام باطل؛ لأن الله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ما له ذنب، فهو إنسان آدمي مثله مثل غيره، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10] فإن كان صالحاً تقياً فإنه يدخل الجنة، وإن كان فاجراً شقياً يدخل النار.

(11/36)

كراهية وضع المباخر أمام المصلين

السؤال

هل المباخر في المساجد تشبهٌ بالمجوس؟

الجواب

إذا وضعت أمام المصلين، فإن ذلك يُكره؛ لئلا يكون فيها تشبهٌ بالمجوس أثناء الصلاة.

(11/37)

الواجب على من ترك قضاء أيام رمضان التي أفطر فيها

السؤال

والدتي تقول: إنها كان يمضي عليها شهر رمضان -قبل الزواج- وتأتيها الدورة الشهرية فتفطر، ولكنها لم تكن تعلم بأنها ملزمة بالقضاء، ولذلك لم تقضِ ما فاتها، وسألتها عن عدد الأيام التي أفطرتها فلم تستطع إحصاءها لمرور السنين العديدة!

الجواب

عليها التوبة إلى الله؛ لأنها لم تسأل مع إمكان السؤال، والمرأة المسلمة يجب عليها أن تتفقه في الأحكام الشرعية؛ الطهارة، الصلاة، الصيام، وإذا أرادت أن تحج تسأل عن الحج، وإذا أرادت أن تعتمر سألت عن العمرة، وهكذا، أما أن تبقى هكذا في جهل تنتظر الصدفة التي تتيح لها معرفة شيء، هذا خطأ.

فهذه المرأة عليها أن تقدر ما فاتها وتقضيه، وتطعم مسكيناً عن كل يوم كفارة التأخير.

(11/38)

نهي الوالدين عن المنكر بالتي هي أحسن والصبر على أذاهما

السؤال

إذا غضب علي والداي لإخراج منكر من البيت؟

الجواب

لا يستجاب لهما فيك ما دام أنك اتقيت الله، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، وبالحسنى وبالمعاملة الطيبة وبالكلمة الحسنة لعلك إن شاء الله تستجلب رضاهما.

(11/39)

ثبوت الوضوء في الشرائع السابقة

السؤال

هل الوضوء في الأمم السابقة نفس الوضوء الآن؟

الجواب

لا يشترط؛ لكن كان عندهم وضوء.

(11/40)

دعاء الأم ليس دائماً مستجاباً

السؤال

هل دعاء الأم دائماً مستجاب؟

الجواب

لا.

قد لا يستجاب، لكن في كثير من الأحيان يستجاب، ومظنة استجابة دعاء الأم والأب أكثر من غيرهما في الولد، ولذلك قال: (دعاء الوالد لولده، ودعاء الوالد على ولده) فدعاء الوالد والوالدة للولد وعلى الولد مظنة الاستجابة.

(11/41)

عدم وجوب الغسل عند الميقات

السؤال

هل الغسل عند الميقات واجب؟

الجواب

لا.

(11/42)

جواز الإحرام بدون غسل إذا كان هناك عذر

السؤال

في شدة البرد نحرم بدون غسل؟

الجواب

نعم.

(11/43)

دفع زكاة الفطر قبل وقتها

السؤال

دفعت زكاة الفطر يوم خمسة عشر من رمضان؟

الجواب

إذا دفعتها لشخص وكلته في إخراجها في الوقت الصحيح وهو ثقة فيجزئك ذلك.

(11/44)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

سلسلة القصص المنجد

قصة خشبة المقترض

أيها الأحبة: هذه رسالة تتعلق بعدة أبواب من أبواب الفقه، قد ساق الشيخ حفظه الله فيها حديث خشبة المقترض الذي أخرجه البخاري في صحيحه، وقد ذكر الشيخ الأحكام المستفادة من هذا الحديث، ثم تعرض لذكر طرق الشريعة في توثيق الدَّين، وحفظ الحقوق، وأحكام أخرى تتعلق بالدَّين.

(12/1)

حديث خشبة المقترض

الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فهذه القصة التي سنتحدث عنها الليلة -أيها الإخوة- تتعلق بباب من أبواب الفقه الإسلامي، أو عدة أبواب من أبواب الفقه.

وهذه القصة قد أخرجها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، في كتاب: الكفالة، وكتاب: الزكاة، وكتاب: الاستقراض أو القرض.

وروى هذه القصة أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيداً، قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمى -فدفع إليه الألف دينار على أجل مسمى- فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركباً يركبها ليقدم عليه للأجل الذي أجَّله، فلم يجد مركباً، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفتُ من فلانٍ ألف دينارٍ فسألني كفيلاً فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك، وسألني شهيداً فقلت: كفى بالله شهيداً، فرضي بذلك، وإني جَهَدْتُ أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني استودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك -يعني: مع هذا الإجراء- يلتمس مركباً يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه -على حسب الموعد- ينظر لعل مركباً قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطباً، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قَدِم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار -أخرى- فقال: والله ما زلتُ جاهداً في طلب مركبٍ لآتيك بمالك، فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إليَّ بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئتُ فيه، قال: فإن الله قد أدَّى عنك الذي بعثتَ في الخشبة فانصرف بالألف الدينار راشداً).

هذا الحديث فيه ذكر رجل من بني إسرائيل، جاء في بعض الروايات أن الذي سلفه هو النجاشي، وأنه أُلْحِق ذكره ببني إسرائيل ونُسب إليهم بطريق الاتباع لهم لا أنه من نسلهم، فالله أعلم هل هو النجاشي أم غيره! رجل من بني إسرائيل كان يُسَلِّف الناس إذا أتاه الرجل بكفيل سلفه، جاءه شخص يريد أن يستلف ألف دينار، والألف دينار مبلغ باهظ، وإذا أردنا أن نحسبها الآن، فالدينار أربعة غرامات وربع من الذهب، أي: (1000 × 4.

25) أربعة كيلوات ذهباً وربع كم تكون، إذا حسبنا الكيلو بخمسين ألفاً؟ حوالي ربع مليون (225.

000)، يريد أن يستلف منه ربع مليون، قال: هات كفيلاً، (فأتني بالكفيل) -هذا ما عنده كفيل، رجل صادق لكن ما عنده كفيل- قال: كفى بالله كفيلاً -يعني: جعلت الله كفيلي، كفى بالله كفيلاً بيني وبينكم، لما لمس هذا صدق صاحبه- قال: صدقتَ.

وفي رواية: سبحان الله! نعم، والشهيد؟ قال: كفى بالله شهيداً

(12/2)

طرق توثيق الدَّين في الشريعة الإسلامية

الدَّين يوثَّق في الشريعة بأربعة أشياء هي طرق توثيق الدَّين في الشريعة: أولاً: الكتابة.

ثانياً: الشهود.

ثالثاً: الكفيل.

رابعاً: الرهن.

والأجل مجرد موعد.

وهذا من عِظَم الدَّين في الشريعة وحفظ حقوق الناس.

قال: (فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً.

قال: ائتني بالشهيد، قال: كفى بالله شهيداً، قال: صدقت، فدفعها إليه، فخرج في البحر فقضى حاجته) ركب هذا الرجل المستلف البحر بالمال يتاجر فيه، ويضارب ويتاجر به، فلما قضى حاجته وحل الأجل.

وفي رواية: (أنه لما جاء ليرجع أُرْتِج البحر بينهما) اضطرب البحر ولا يمكن ركوب البحر، أو أنه لم يجد مركباً يوصله إلى صاحبه على حسب الموعد، فالرجل ملتزم بالموعد، حريص على الموعد، رجل مؤمن، ما قال: كفى بالله شهيداً وكفى بالله كفيلاً إلا وهو صادق، فلما جاء ليرجع اضطرب البحر، أو أنه ارتج البحر بينهما، أو أنه لم يجد مركباً.

وفي رواية: (وغدا رب المال إلى الساحل يسأل عنه) على حسب الموعد كان في الشاطئ الآخر من البحر صاحب المال يسأل عنه ويقول: (اللهم أَخْلَفَني وإنما أعطيت لك) أنا أعطيت لك يا الله وهذا صاحبي أخلفني، والرجل الصالح -المستلِف- لم يجد سفينة يركبها، ولا مركباً يوصله، (فأخذ خشبه فنقرها -يعني: حفرها-.

وفي رواية: فنَجر خشبةً، وجعل فيها الألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه.

وفي رواية: وكتب إليه صحيفة: من فلان إلى فلان، إني دفعت مالك إلى وكيلي الذي توكل بي -لاحظ! لا توجد حيلة؛ فأنا وضعتها وعلى الوكيل -أن يؤديها إليك- ثم زجج موضعها) يعني: أصلح موضع النقر والحفر، أصلحه وسده؛ ليحفظ ما فيه، وجعل فيه شيئاً يغلقه ورماه في البحر متوكلاً على الله؛ لأن هذه الطريقة الوحيدة حتى يصل المال في الموعد، مع هذا دعا الله تعالى قائلاً: (اللهم إني تسلفتُ من فلان فسألني الكفيل وسألني الشهيد، ورضي بك وإني جهدت أن أرد إليه ما استطعت، اللهم أدِّ حَمالَتك) ودفعها حتى ولجت في البحر، وعلى الشاطئ الآخر كان الرجل ينتظر حسب الموعد، فلم يجد صاحبه، لكنه في النهاية وجد خشبه تتهادى على سطح الماء حتى ألقاها اليم بالساحل، فبدلاً من أن يعود بخفي حنين أخذ هذه الخشبة حطباً لأهله، فلما نشرها وقطعها بالمنشار وجد المال.

وفي رواية: (وغدا رب المال يسأل عن صاحبه كما كان يسأل، فيجد الخشبه فيحملها إلى أهله فقال: أوقدوا هذه، فكسروها فانتثرت الدنانير منها والصحيفة فقرأها وعرف -قرأ الرسالة ووصلت الأمانة- ثم قدم الذي قد كان أسلفه -وجد مركباً بعد ذلك وجاء- فأتى بالألف دينار، فأتاه رب المال -في رواية- فقال: يا فلان، مالي؟ قد طالت النظرة -الانتظار طال لم تأتِ- فقال: أما مالك فقد دفعته إلى وكيلي -الله - وأما أنتَ فهذا مالك -وأعطاه ألفاً أخرى.

وفي رواية: هذا ألفك، فقال: لا أقبلها منك حتى تخبرني ما صنعتَ، فأخبره بالذي صنع فقال: لقد أدى الله عنك، انصرف بالألف الدينار راشداً) يعني: ألفك هذا أمسكه؛ لأن الألف الأولى وصلت.

وفي رواية: قال أبو هريرة: (ولقد رأيتنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبُر مراؤنا ولغطنا أيهما آمَن) أيهما أكثر أمانة؟ الأول أم الثاني؟! الأول الذي كان حريصاً على دفع المال حسب الموعد أم الثاني الذي قال: ألفك وصلت.

(12/3)

ما يستفاد من الحديث

هذا الحديث فيه فوائد عظيمة للغاية منها: أولاً: مشروعية الاقتراض عند الحاجة.

ثانياً: أن الأجل في القرض جائز.

وكتابة الأجل في القرض جائز، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282].

ثالثاً: وجوب الوفاء بالدين.

أي: وجوب الوفاء بالموعد الذي حدده الإنسان لنفسه فيما بينه وبين صاحبه.

وكثير من الناس الآن الذين يعَدِون بإرجاع المبالغ في الوقت المعين لا يرجعونها في الوقت المعين، فإما أن يؤخروه وإما أنهم لا يعيدوه أصلاً؛ وهذا حال كثير من الناس مع الأسف.

رابعاً: اتخاذ كافة الوسائل والأسباب لإعادة الدَّين إلى صاحبه في الوقت المعين.

ولنا في هذا الرجل مثلٌ وقدوة، كيف أنه لما لم يجد مركباً ولا يريد أن يتأخر عن صاحبه، والمسألة فيها الله شهيداً وكفيلاً، فوضعها في الخشبة، وأرسلها في البحر مع احتمال الوصول وعدمه؛ خشبة في البحر ربما تغرق، أو تذهب إلى شاطئ آخر، ولو وصلت إلى الشاطئ نفسه ربما يظهر عليها شخص آخر ويأخذها.

خامساً: أن الله إذا استودِع شيئاً حفظه.

قال: (اللهم إني أستودعكها) والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله إذا استودِع شيئاً حفظه) قال تعالى: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا ودع رجلاً يقول: (أستودِع اللهَ دينَك وأمانتَك وخواتيمَ عملك) لأن الله إذا استودِع شيئاً حفظه.

سادساً: التوكل على الله، وأن من صح توكله على الله تكفَّل الله بعونه.

ودليل ذلك في الخشبة لأنها وصلت في الوقت السليم؛ ربما تضيع، أو تصل بعد شهر، لكن عناية الله جعلتها تصل في الوقت المعين، والموعد عند الرجل الذي كان ينتظر على الشاطئ.

سابعاً: أن لقطة البحر تؤخذ:- فلقطة البحر طبعاً حكمها حكم اللقطة وهذا الرجل وجد الرسالة وعرف أنه هو المقصود، وأن المال ليس لشخص آخر، وإنما المال له ولذلك أخذها.

ثامناً: مشروعية الكفالة.

وأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث بذلك وقرره.

تاسعاً: فيه التحديث عن أنباء الأمم ممن قبلنا مما كان لديهم من العجائب؛ لتتعظ هذه الأمة وتتأسى.

فنحن ننقل أخبار مَن قبلَنا لكي نتأسى بها، ونستفيد، من هذه الخبرات والتجارب.

عاشراً: فيه أن الكاتب يبدأ بنفسه في الكتابة.

إذا شرع الإنسان بكتابة مكتوب يقول: من فلان؛ يعني: هو الكاتب الآن، من فلان إلى فلان.

والبخاري رحمه الله وضع هذا الحديث في كتاب: الاستئذان في باب: بمن يُبدأ في الكتاب؟ باسم المرسِل أم باسم المرسَل إليه؟! ونحن الآن عادتنا نقول: الأخ فلان الفلاني، السلام وعليكم ورحمة الله.

والطريقة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يكتب بها الرسائل، وكان العلماء يكتبون بها الرسائل: من فلان إلى فلان، فالمرسِل يكتب اسمه أولاً ولعلها قد حصلت بعض الظروف التي جعلت بعض الصحابة يكتبون المسألة بالعكس، مع أن السنة أن يبدأ الكاتب بنفسه، وهو مستحب وليس بواجب أن يبدأ الكاتب بنفسه.

وغالب أحوال ابن عمر أنه كان يفعل ذلك، ولكن جاء بإسناد صحيح أن ابن عمر أراد أن يكتب حاجة إلى معاوية فأراد أن يبدأ بنفسه من عبد الله بن عمر إلى معاوية، فلم يزالوا به حتى كتب: [بسم الله الرحمن الرحيم، إلى معاوية].

وكتب عبد الله بن عمر إلى عبد الملك يبايعه: [بسم الله الرحمن الرحيم، لـ عبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر، سلام عليك] فالأصل والسنة في الكتابة أن يكتب اسمه أولاً.

الحادي عشر: ومن فوائد هذا الحديث: أن ما يلفظه البحر مما نشأ في البحر أو عطب وانقطع ملك صاحبه فإنه يجوز للإنسان أن يأخذه ودليل ذلك أن الرجل الذي وجد الخشبة قد أخذها حطباً.

والبخاري رحمه الله وضع هنا الحديث أيضاً في كتاب: الزكاة في باب: ما يستخرج من البحر، ما يستخرج من البحر من اللؤلؤ والمرجان والياقوت ليس فيها زكاة عند جمهور العلماء.

الثاني عشر: كذلك من فوائد هذا الحديث: أن الإنسان المسلم يتعامل مع الناس بحسب الناس.

فإذا رأى ملامح الصلاح وتفرس في وجه مَن يطلب منه طلباً الصدق هون معه في المعاملة ولان، وإذا رأى في ملامح وجهه أنه يتعامل معه شيء من الغدر أو اللؤم أو الخبث، فإنه يحتاط، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تستجاب دعوتهم: … ذَكَرَ منهم: ورجل آتى سفيهاً مالاً ولم يُشهد عليه) والمقصود لا يستجاب لدعوتهم في خصومهم، فلو أنه أعطى مالاً لفاسق ولم يُشهد عليه، يستحق إذا ضاع ماله.

ولو ادعى عليه فلا يستجاب له لأنه هو المقصر، فكيف يعطيه مالاً ولا يشهد عليه؟! فإذاً إذا كان الإنسان يتعامل مع صاحب دين وأمانة فيمكن أن يخفف معه في الشروط، ويتسامح معه في الشهود والكتابة أما إذا تعامل مع واحد صاحب فسق وفجور وخيانة، أو إنسان مجهول فيحتاط، وإذا لم يأخذ الاحتياطات استحق ما يأتيه بعد ذلك، فبعض الناس يقولون: والله أنا وثقت في فلان وجاءني وأعطيته، ولا يوجد لديه كتابة ولا شهود إذاً بأي وجه تطالب الآن؟! أنت المقصر في كتابة الدين والإشهاد عليه، والشريعة جعلت لك أربعة طرق لتوثيق الدين، ولم تستخدم واحداً منها.

إذاً: الإنسان لا بأس عليه أن يكتب، وبعض الناس يظنون ويعتبرون أن الكتابة عيب؛ وهذه من المشاكل التي تواجه بعض الناس فإذا جئت تستلف منه، ويريد أن يقول لك: اكتب، يستحي، ولو طلب تجد الآخر يقول له: عيب يا أخي، ليس بيننا كتابات، وأوراق.

فنذكرهم بقول الله: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة:282] لأنه سيشهد على نفسه، فالمستلف هو الذي يملي، قال الله: {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة:282].

وهذه الإجراءات شديدة لأجل حفظ حقوق الناس، والحيلولة في وقوع الناس في الشحناء، والبغضاء، والعداوات، والمقاطعات، والهجر.

فلذلك تُكتب الأشياء حفظاً لها من الضياع، ومنعاً للخصومات والكتابة تمنع هذه العداوات وقد يكون كلا الطرفين ثقة لكن لما يأتي يطلب منه يظن أن المبلغ شيء آخر، وكلاهما أمين وصادق، لكن يقول: يا أخي أنا الذي أذكر أنك أعطيتني ثلاثة آلاف، يقول: لا.

يا أخي، ثلاثة آلاف وخمسمائة، فالآن تظهر فائدة الضبط والكتابة وهي ليست فقط قضية أني لا أثق فيه، أو قضية أني خائف أن يخونني، أيضاً هي قضية قطع الخصومات والجدال؛ لأننا إذا كتبنا عَرَفَ كل من الطرفين ما عليه وما له، وإذا لم نكتب فإنه مع الزمن وتوالي الأيام ينسى الإنسان والذهن معرَّض للنسيان.

وما سمي الإنسان إلا لِنَسْيِهِ ولا القلب إلا أنه يتقلبُ

فما دامت المسألة معرضة للنسيان، فالعمل بالكتابة أحوط.

وكثير من الحقوق ضاعت بسبب عدم الكتابة فعندما يأتي إلى الساعة الحرجة، وليس عنده إثبات، ويقول: نحن إخوان، ولقد استحيت أن أطلب منه.

وقالوا الجماعة: عيب أن تكتب.

والله سبحانه وتعالى أمر بالكتابة وهذا يقول: الكتابة عيب، يقولون: عيبٌ الكتابة، والله أمر بالكتابة: {فَلْيَكْتُبْ} [البقرة:282] وبعض العلماء ذهب إلى وجوب كتابة الدَّين، وجمهور العلماء على أن الكتابة مستحبة؛ وهي غير قضية التوثيق والضبط حتى لا يختلفا في المبلغ، وكم أدت هذه إلى مشاحنات ومقاطعات بين الناس!

(12/4)

أحكام القرض في الشريعة

بعد هذا تعالوا نلقي نظرة على الدَّين، وأحكام القرض في الشريعة الإسلامية.

أما الدَّين: فإنه القرض، أَدَنْتُ فلاناً، أي: أَقْرَضْتُهُ، والدَّين لزوم حقٍ في الذمة.

والقرض: القطع؛ لأن المقرض يقطع شيئاً من ماله ليعطيه للمقترض.

وتعريف القرض شرعاً: دفع مالٍ لمن ينتفع به، ويرد بدله.

(12/5)

ألدين أعم أم القرض؟

وهناك مسألة هل الدَّين أعم أم القرض أم كلاهما بنفس المعنى؟ الدَّين أعم.

لأنه يشمل المال والحقوق غير المالية أيضاً؛ كالصلاة الفائتة، والزكاة، والصيام، حتى ديون الله، فلو أن واحداً مثلاً لم يصم لسبب، فيكون عليه دين لله فيقضيه في أيام أخر.

الدين ما ثبت بسبب قرض، أو بيع، أو إجارة، أو إتلاف، أو جناية، ويشمل حقوق الله وحقوق الآدميين، ويشمل الأشياء المالية وغير المالية.

أما القرض فهو خاص بالأشياء المالية؛ سُمِّي القرض قرضاً؛ لأن المقرض يقطع شيئاً من ماله ليعطيه للمقترض.

إذاً القرض هو: دفع مالٍ لمن ينتفع به، ويرد بدله.

لماذا قلنا: يرد بدله؟ لأنه ليس المطلوب أن يرده هو وإنما يرد مثله، وإلا لو كان يرده هو لتحول القرض إلى عاريَّة، لكن القرض أن يأخذ شيئاً فيرد مثله؛ وهو من باب الإرفاق، وهو مستحب وفيه أجر عظيم: (ما من مسلم يُقرِض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة) والقرض يجري مجرى شطر الصدقة، وإذا سلفه وحل الوقت له مثله، وتجاوز الوقت له مثليه من الأجر، وفيه تفريج كربات المسلمين، ومنع لهم من الاستدانة بالربا ونحو ذلك.

ولا يصح القرض إلا من إنسان جائز التصرف.

ولا يجوز الاقتراض من: مجنون: المجنون لا يقرض، لأنه غير مؤهل.

الصغير الذي لا يميز.

وكذلك ولي اليتيم: لا يجوز له أن يُقرض من مال اليتيم.

وكذلك الأمانات: لا يجوز الإقراض منها؛ وهذا خطأ يقع فيه عدد من الناس، يقرضون من الأمانات المودوعة عنده لرجل ثانٍ من غير إذن صاحب الأمانة؛ وهذا حرام، فالأمانة تُحفظ ولا يستلف منها.

وبعض الناس يقرضون من التبرعات مثل: رجل عنده أموال لبناء مسجد، فيذهب يقرض منها، بأي حق؟! هذه لبناء مسجد فلا يجوز الإقراض منها، وما حصل هذا إلا بسبب الجهل الذي جعل بعض الناس يتورطون في مثل هذا.

(12/6)

كل قرض جر نفعاً فهو ربا

كذلك من قواعد القرض: أن (كل قرض جر نفعاً فهو ربا)، هذا ليس حديثاً صحيحاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه قاعدة شرعية صحيحة، (كل قرض جر نفعاً فهو ربا)، فلو شرط القارض على المقترض زيادة، أو شرط عليه فائدة، أو شرط عليه هدية، أو شرط عليه خدمة، قال: أقرضك بشرط أن توصلني إلى كذا، نقول: حرام لا يجوز، اشترط عليه: أن يسكنه داره سنة، قال: أقرضك بشرط أنك تعطيني سيارتك سنة، فهذا حرام؛ (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) لأن القرض عقد إرفاق وإحسان يبتغي فيه المقرض وجه الله، إذا جاء يشترط على الناس ويأخذ مقابلاً، ويأخذ خدمات على ذلك يبتغي به وجه الله، وخرج عن موضوعه الذي هو التقرب إلى الله، وصار يريد استفادات دنيوية، والربا شديد (كل قرض جر نفعاً فهو ربا).

ولو تساءلنا ما هي الزيادة الممنوعة؟ والخدمة الممنوعة المشروطة؟ أما إذا كانت غير مشروطة فلا بأس بأخذها، كأن يكون أقرض الآخر مالاً فلما جاء ليعيده إليه أعاده إليه مع هدية، ولا يوجد شرط سابق أبداً، إذا كانت العادة جرت بينهما على هذا فلا بأس أن يأخذها.

(جرت العادة) هذا متعلق بمسألة أخرى غير هذه المسألة: هل يجوز للمقترض أن يؤدي شيئاً من الخدمات، أو من الهدايا إلى المقرض قبل أداء القرض؟ الآن عرفنا إذا اقترض إنسان منك مبلغاً ثم أعاده إليك زائداً بهدية؛ سواء الهدية مالاً أو غير مال، ولم يكن مشروطاً من قبل، فإنه يجوز لك أن تأخذه، و {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} [الرحمن:60] إنما جزاء السلف: (خياركم أحسنكم قضاءً) وقد استسلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً فرد خيراً منها، (خيركم أحسنكم قضاءً) هذا من مكارم الأخلاق، ما دام أنه لم يكن شرطاً ولم يتواطئوا، وإنما هو تبرع وهدية من المقترض من باب الإحسان والشكر والعرفان، فلا بأس أن تأخذها وليست رباً ولا حراماً.

ما حكم أن يعطيك شيئاً قبل أن يرده؟ يعني: الآن الموعد بعد سنة، وبعد ستة أشهر أعطاك هدية، ما حكمها؟ إن جرت العادة بينك وبينه بأخذ هذه الهدية، أو مثل هذه الهدية، بينك وبينه مثل هذه التعاملات قبل القرض، فلا بأس أن تأخذ هذه الهدية، وإلا فلا.

ويجب على الإنسان أن يلتزم بالموعد الذي حدده بالأجل بينهما، وإلا كان ظالماً، وهذه المماطلات التي يأتي الإنسان يطلب حقه، يقول: ما عندي، فيما بعد، ويكذب، يعد ويُخلف، ونحو ذلك؛ هذا الذي جعل كثيراً من الناس يحجمون عن الإقراض، وبالتالي اضطر أناس آخرون أن يقترضوا بالربا.

(12/7)

الدين بالعملات

من الأحكام المتعلقة بالقرض أيضاًَ: أن الإنسان إذا استلف بعملة فما دامت العملة معمولاً بها ولها قيمة فإنه لا يرد إلا بها طلعت أو نزلت، لا يرد إلا بالعملة التي استلف بها إلا إذا كانت العملة هذه صارت لا تساوي شيئاً، كانت الألف ريال بليرة، صار مثلاً الريال بمليون ليرة، إذاًَ: صارت الليرة هذه تقريباً ما لها قيمة، فإذا كانت العملة ألغيت أو صار لا قيمة لها، فعند ذلك ننظر مثلاً: المبلغ الذي اقترضه كم يساوي من الذهب؟ مثلاً: مائة غرام، نقول: رد عليه مائة غرام ذهباً، أما إذا كان لها قيمة ولا زالت موجودة فإنه لا يرد إلا بالعملة التي اقترض بها طلعت أو نزلت، فكما أنها معرضة للنزول فهي معرضة للصعود.

كذلك فإن الدين -كما تقدم- منه ما هو دَين لله عز وجل؛ كصدقة الفطر، وفدية الصيام، والنذور، والكفارات.

ومنها: ما هو دَين للعباد؛ كأجرة الدار، ومقابل الإتلاف، وأرش الجناية.

وكذلك فإن الدين ينقسم إلى قسمين باعتبار وقت الأداء: فمنه ما هو دين حالٌّ: وهو ما يجب أداؤه عند طلب الدائن ويسمى الدين المعجل.

ومنه ما هو دين مؤجل: وهو الذي لا يجب أداؤه قبل حلول الأجل.

مثل: أن يقول: سلفني، يقول: هذه ألف، ومتى ما طلبتُها منك تعطيني إياها، مفتوحة الأجل وهذا معجل.

والدَّين المؤجل أن يقال: هذا الدين إلى سنة، قبل السنة لا يطالب به صاحب المال، لا حق له بالمطالبة؛ لأنه أعطاه سنة، وأجلاً معيناً.

وكذلك فإن التوثيق بالكتابة المذكور في قوله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] يتأكد فيمن يخشى ضياع الدَّين، أو النسيان، أو الإنكار.

وكذلك: فإن الشهادة تكون بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين ممن ترضون من الشهداء من العدول الثقات.

وكذلك: فإن الإنسان إذا استلف مالاً يجوز له أن يتصرف فيه كما يشاء؛ لأن القاعدة تقول: (الدين عقد تمليك) عقد تمليك يعني: بمجرد ما استدنت أنت ملكت المال، وصار ملكك، ولذلك عليك الزكاة، لو بقي المال في ملكك، سنة فعليك زكاته؛ لأنك ملكت المال، ودار عليه الحول فوجبت فيه الزكاة.

(12/8)

حكم بيع الدين

وكذلك من الأحكام: أن الدَّين لا يجوز بيعه، مثلاً: أقول: أنا مقترض من واحد مثلاًَ مائة ألف، أو أقرضتُ واحداً مائة ألف، فأذهب وأقول لشخص: هات تسعين، واذهب أنت وحصِّل الدَّين، أبيعك المائة المؤجلة هذه بتسعين، هات التسعين، بعتُك الدَّين، الذي لي على فلان بِعْتُكَهُ بتسعين؛ هذا بيع للديون ولا يجوز.

فهذه بعض الأحكام المتعلقة بالدَّين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الأوفياء الذين يوفون بالعهد.

(12/9)

الأسئلة

(12/10)

حكم من أحرم بالعمرة ثم تركها

السؤال

شخص أراد العمرة وعند وصوله إلى مكة هو وزوجته مع ابنه الرضيع خاف على ابنه من الزحام ورجع ولم يعتمر فما الحكم؟

الجواب

كان وضع الابن مثلاً مع الزوجة، وكونه رجع الآن فهو لا زال على إحرامه وعليه أن يعود، ويحرم عليه قربان الزوجة، يجب عليه أن يعود، ولا ينفك الإحرام إلا بالعمرة.

(12/11)

إدراك الصلاة الثلاثية وراء إمام يصلي رباعية

السؤال

هل يمكن أداء صلاة ثلاثية وراء إمام يصلي رباعية؟

الجواب

نعم.

إذا قام إلى الركعة الرابعة، تجلس أنت وتنتظر حتى يسلم وتسلم معه.

(12/12)

حكم ترك الصلاة في المسجد المجاور

السؤال

هل يجوز أن يَتَعَدَّى المسجد الذي في الحي؟

الجواب

نعم، يحوز أن يتعدى المسجد الذي في الحي إلى مسجد آخر لسبب، كأن يحضر درساً، أو أن يكون يرتاح إلى ذلك الإمام أكثر، أو يخشع وراء قراءته أكثر، لكن بشرط ألا يؤدي ذلك إلى مفسدة كعداوة بينه وبين إمام الحي، أو أن يقول له: أنت لا تصلي وراءنا، أنت مثلاً تشك فينا، أنت كذا، أو لا يؤدي إلى هجر مسجد الحي بحيث لا يكاد يصلي فيه أحد، أما إذا كان في مسجد الحي جماعة ولا يُخشى من وجود سوء علاقة بينه وبين الإمام فإن له أن يتخطاه.

(12/13)

حكم استخدام مال فائض جمع لصيانة مسجد

السؤال

جمعنا تبرعاتٍ لصيانة المسجد ثم زاد بعض المال من التبرع، هل نجعله لصالح تحفيظ القرآن؟

الجواب

لا بد من استئذان المتبرع، وإذا لم يأذن، أو لم تجده تُجْعَل وتَبْقَى للصيانة، وربما في المستقبل يحتاج إلى صيانة، أو يُنقل إلى صيانة مسجد آخر مثلاً، إذا تعطل لا يمكن الانتفاع به في صيانة هذا المسجد، أقرب ما يمكن لنية المتبرع.

(12/14)

موقف المأموم من الإمام في الصلاة

السؤال

إذا صلى اثنان جماعة أين يقف المأموم بالضبط؟

الجواب

يقف بمحاذاة الإمام بالضبط، لا يتقدم عنه ولا يتأخر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام في الليل قام ابن عباس بجانبه فتأخر عنه، فالنبي عليه الصلاة والسلام قدمه إلى جانبه، فتأخر، بعد الصلاة قال له عليه الصلاة والسلام: (ما لي أجعلك حذائي في الصلاة فتخنس؟! -لماذا أجعلك بجانبي في الصلاة وأنت ترجع إلى الخلف؟! - فذكر له ابن عباس رضي الله عنه أنه لا يليق به أن يكون بجانب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عند صاحب المقام المعلوم فتأخَّرَ عنه فدعا له النبي عليه الصلاة والسلام بالخير).

والمقصود: أن الإنسان إذا صلى بجانب إمام يصلي بجانبه بالضبط لا يتقدم عنه ولا يتأخر.

(12/15)

جمع الصلاة الفائتة

السؤال

سوف أذهب إلى مكة ثلاثة أيام، هل أجمع في الفندق إذا نمت عن الصلاة؟

الجواب

نعم، إذا لم تصل مع الجماعة وفاتت عليك الصلاة تجمع.

(12/16)

حكم لبس القفازات للمرأة

السؤال

هل لبس القفازات للمرأة واجب؟

الجواب

إذا سترت يديها بأكمام العباءة لا بأس، وإذا لك تستر يديها لا بد أن تلبس شيئاً كالقفاز.

(12/17)

حكم مال الربا للوارث

السؤال

رجل يتعامل بالربا هل ماله للورثة حلال؟

الجواب

إذا علموا منه الربا أخرجوه من ماله.

(12/18)

معنى: (اللهم لا مانع لما أعطيت)

السؤال

ما معنى: (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ)؟

الجواب

يعني: إذا أعطيتَ شيئاً لا يمنع أحدٌ عَطِيَّتَك، ويعني: إذا منعتَ أحداً لا يمكن لشخص أن يعطيه، والجَدُّ هنا معناه: الحظ والنصيب والمال، يعني: صاحب الجاه والمال لا ينفعه جاهه ولا ماله عندك، لا ينفعه إلا عمله الصالح، (ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ) وهذا من أدعية الاستفتاح.

(12/19)

السنة في المضمضة والاستنشاق

السؤال

ما هي السنة في المضمضة والاستنشاق؟

الجواب

أن يأخذ بكفٍ واحدة، جزء للمضمضة وجزء للاستنشاق، ثم يعيد العملية ثلاث مرات.

(12/20)

حكم قراءة سورة (الكافرون والصمد) في صلاة المغرب

السؤال

هل قراءة (الكافرون) و (الصمد) في ركعتي المغرب والفجر ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب

نعم، وكذلك هي ثابتة في ركعتي الطواف، والسنةٌ أن يقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] في الركعة الثانية.

(12/21)

كيفية دفن المرأة الكافرة وبها جنين

السؤال

ما هي كيفية دفن امرأة ماتت على الكفر وبها جنين على الفطرة؟

الجواب

طبعاً الجنين يُلْحَق بوالدَيه، تُدفن في أرض الكفار، لكن إذا كان زوجها مسلماً؛ وهي كتابية محصنة، وعقد الزواج صحيح، وحملت ثم ماتت والجنين في بطنها، فالجنين يتبع أباه؛ لأن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، والجنين تابع للأب؛ وتجري عليه أحكام المسلمين، والأم كافرة يهودية أو نصرانية، قال العلماء: تُدفن في أرض ثالثة، لا هي من مقابر المسلمين، ولا هي من مقابر الكفار، أرض خاصة معدَّة لمثل هذه الحالات، لا تُدفن في أرض المسلمين لأنها كافرة، ولا تدفن في مقبرة الكفار لأن فيها جنيناً لرجل مسلم فتُخَصَّص قطعة في المقبرة خاصة لمثل هذه الحالات تُدفن فيها.

(12/22)

حكم المسابقات التي يكون فيها جوائز

السؤال

ما حكم المسابقات التي يكون فيها جوائز؟

الجواب

سبق الكلام أنه لا يجوز جعل جوائز عن مسابقات إلا إذا كانت مسابقات فيها تدريب على أمور الجهاد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا سبق إلا في نَصْلٍ، أو خُفٍّ، أو حافِر) يعني: الجياد والخيل والإبل، والنصال: السهام، وما يُقاس عليها من الأسلحة الحديثة، وأَلْحَقَ شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم المسابقة في حفظ القرآن والسنة؛ أما المسابقات الأخرى المباحة غير ما يُعِين على نشر الدين فلا يجوز أن تُجعل فيها جوائز؛ وهذا قول جمهور العلماء وإن خالف الملايين في عصرنا!

(12/23)

ترتب الإثم على المماطلة في سداد الدَّين

السؤال

إذا كان شخص عليه دين وفي وقت التسديد لم يحضر لأنه لا يستطيع السداد وظل يعد ويماطل، فهل عليه إثم؟

الجواب

عليه إثم في المماطلة، يقول: يا أخي ليس عندي، لا أستطيع أن أعدك، حالما يتوفر آتي لك بالمال، أما أن يعد ويعلم أنه لا يستطيع فلا يجوز.

(12/24)

حكم استعمال السواك الأخضر في رمضان

السؤال

ما حكم استعمال السواك الأخضر في رمضان؟

الجواب

من المفطرات، ولا يجوز استعمال السواك الأخضر؛ أما السواك العادي الطبيعي المعروف فيجوز استعماله، والسواك الأخضر؛ هو الغصن.

(12/25)

مذهب أهل السنة والجماعة في القدر

السؤال

ما مذهب أهل السنة والجماعة في القَدَر؟

الجواب

نؤمن أن الله سبحانه وتعالى قدَّر الأقدار قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأنه عَلِمَ ما كان وما يكون وما لو كان كيف سيكون، وأنه خلق أفعال العباد سبحانه وتعالى، عِلْمُ الله الأزلي الكامل من جميع الجهات، تقدير الله للمقادير، التقدير الذي قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة أن الله خلق أفعال العباد.

(12/26)

تغيير الرأي بعد الاستخارة

السؤال

هل يجوز للإنسان أن يغير رأيه بعد الاستخارة؟

الجواب

نعم، ممكن، يريد أن يغير رأيه إلى نية أخرى وشيء آخر ويستخير مرة أخرى.

(12/27)

الوقف في القراءة

السؤال

الوقف الذي حصل في الصلاة في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]!

الجواب

هذا تنبيهٌ طيب بلفت النظر إلى موضع الوقف الصحيح، وأي وقف يغير المعنى فإنه وقفٌ خاطئ؛ إلا إذا انقطع النَّفَس فإن الإنسان يرجع إلى موضعٍ مناسب ويبدأ منه، أي: قبل هذا المكان الذي وقف فيه، ويبدأ منه، وأنا قد يحصل معي في الصلاة في سورة الفاتحة بالذات أحياناً شيء من الانحباس في النَّفَس فأقف لا لأجل وجود سنة في هذا الموضع ولا شيء؛ لكن لأجل احتباس النَّفَس فقط، أما السنة فهي الوقوف عند رءوس الآيات، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] تقف، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2] تقف.

(12/28)

حكم من مات وعليه دين

السؤال

إذا استلف رجل من آخر فمات؟

الجواب

على ورثته أن يؤدوا دَينَه من تركته، أو يتحملوها هم؛ يؤدونها مأجورين.

(12/29)

حكم ترجمة الخطبة إلى غير العربية

السؤال

نحن من مسلمي بنغلاديش، وهناك في بعض المخيمات مساجد يصلي فيها بنغلاديشيون، نترجم لهم بالبنغالية قبل الخطبة بالعربية، فما حكم ذلك؟

الجواب

لا بأس بذلك، ولكن لو جَعلتم الترجمة بعد الخطبة أحسن، يعني: تكون البداية في الخطبة بالعربية ثم تترجمون لهم بعد ذلك بالبنغلاديشية بعد الصلاة.

(12/30)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

سلسلة القصص المنجد

قصة صاحب الحديقة

إن أولياء الله عز وجل يعرفون حق الله عليهم؛ فيؤدون أعظم ما طلب الله منهم، ويتنافسون في الخير والقربى إلى الله عز وجل؛ لذلك كانوا يستحقون أن يكونوا أولياء، وأن تقع لهم الكرامات الإلهية؛ جزاء أعمالهم الطيبة، وقد تناول الشيخ حديث صاحب الحديقة، وما له من كرامات، ثم تطرق بعد ذلك لبيان أحكام النفقة، ومن تجب عليهم ومن لا تجب.

(13/1)

نص حديث صاحب الحديقة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فهذه قصة عظيمة تتعلق بالصدقة والنفقة، يرويها أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة يقول: اسقِ حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرَّة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحوِّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال: يا عبد الله! لِمَ تسألني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمَّا إذا قلتَ هذا، فإني أنظر إلى ما يَخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأردُّ فيها ثلثه) هذا حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى وأحمد في مسنده في كرامة وليٍّ من أولياء الله كان مشهوراً بالصدقة، والإنفاق في سبيل الله.

وقد حصل أن رجلاً كان يمشي بفلاةٍ من الأرض فسمع صوتاً في سحابة، ولعل هذا الصوت صوت ملَك من ملائكة الله عز وجل، يقول: (اسقِ حديقة فلان) -يأمر السحاب، فالسحاب تنحَّى إلى حرَّة؛ وهي الأرض الملبسة بالحجارة السوداء، تنحَّى السحاب إليها، وأفرغ ماءه فيها كله- (فإذا شرجة من تلك الشراج) شرجة من تلك الشراج، وهي: مسايل الماء في الحِرار أو الحرَّة، فيها طرق وأخاديد تمشي فيها المياه وتسيل، إحدى الشراج استوعبت الماء الذي أُمطر على الحرَّة كله، فتتبع الماء إلى أين يذهب؛ فإذا الماء يذهب إلى حديقة وبستان معين، وإذا رجل في البستان يحوِّل الماء بمسحاته، صاحب الحديقة يحوِّل الماء بالمسحاة وهي: المجرفة من الحديد.

فالذي سمع الصوت في السحابة يقول: (اسق حديقة فلان) جاء إلى صاحب الحديقة وقال له: (يا عبد الله -وهذا الذي ينادَى به الشخص غير المعروف الاسم، قال له بدل ما يقول: يا فلان قال: يا عبد الله- ما اسمك؟ قال: فلان) سمَّى نفسه، فإذا بالاسم يطابق الاسم الذي سمعه في السحابة، الصوت الذي قال: (اسق حديقة فلان).

ثم إن صاحب البستان استغرب من سؤال هذا الرجل عن اسمه، فسأله: (لماذا تسأل عن اسمي؟) -فأخبره أنه سمع صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه لأنه تتبع المطر الذي نزل من هذه السحابة حتى وصل إلى هذا البستان- (فقال له: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقة فلان باسمك -نفس الاسم، تطابَقَ الاسم- فما تصنع فيها؟) لماذا الماء الذي نزل من السحابة على الحرَّة نَزَل كلُّه في إحدى الشراج التي تؤدي إلى بستانك أنت بالذات؟ ماذا تصنع في هذه الحديقة؟ (قال: أمَّا إذا قلتَ هذا -أمَّا وقد قلتَ ما قلتَ وغُلِبْتُ ولا طريقة لإخفاء عملي- فإني أنظر إلى ما يَخرج منها -ثمار هذا البستان- فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثه، وأرد فيها ثلثه) فقسَّم الغلة ثلاثة أقسام.

(13/2)

فوائد حديث صاحب الحديقة

يؤخذ من هذا الحديث:

(13/3)

إثبات كرامات أولياء الله

أولاً: إثبات كرامات أولياء الله تعالى: وأن الله عز وجل قد يسخر سحاباً لسُقيا حديقة معينة وبستان معين من بين جميع البساتين في المنطقة؛ وذلك لصلاح صاحبه، ونفقته في سبيل الله.

(13/4)

فضل الإنفاق في سبيل الله وعلى الأهل والولد وأن الله يخلفه

ثانياً: فضل الإنفاق في سبيل الله، والإنفاق على الأهل والأولاد.

الفائدة الثالثة: أن الله سبحانه وتعالى يخلف النفقة ولا يضيع أجر المحسنين لا في الدنيا ولا في الآخرة: ولذلك فإنه سبحانه يعوِّض هذا الرجل كلما أنفق بماء يسقي بستانه من غير حفر من صاحبه ولا تعب، ماء يسيل بالذات لأجل إكرام هذا العبد.

(13/5)

إمكان سماع صوت الملائكة

ورابعاً: أنه يمكن شرعاً أن يسمع بعض الناس صوت الملائكة: وقد حدث أن الله سبحانه وتعالى أرسل بعض الملائكة لبعض الناس مثل: الملَك الذي أرسله الله على مدرجة رجل ذهب ليزور أخاً له في الله، فسأله واستوثق منه عن سبب ذهابه إليه، ثم أخبره أن الله يحبه على هذا الفعل.

وكان عمران بن حصين من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم يسمع تسليم الملائكة عليه.

فإذاً: يمكن لبعض الناس البشر أن يسمع صوت الملائكة.

(13/6)

للسحاب ملائكة موكلون

وخامساً: أن الله تعالى قد وكل بالسحاب ملائكة يسوقونها إلى المكان الذي قدر الله عزوجل وشاء أن تمطر فيه فتمطر.

(13/7)

الحكمة في التصرفات المالية

والفائدة السادسة: أهمية الحكمة في التصرفات المالية:- فإن بعض الناس سفهاء، لا يجوز أن يوضع المال في أيديهم أصلاً، قال الله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5]؛ لأنهم لا يحسنون التصرف فيها، ولذلك جُعل على مال السفيه وليٌّ في الشريعة، يشرف على إنفاق ماله وتنميته له: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] فالمال قوام الحياة والعيش.

هذا الرجل يحسن ما لا يحسنه كثير من الناس.

هذا الرجل قد قسم غلة بستانه إلى ثلاثة أقسام: - قسم يتصدق به: وهذا الذي بدأ به في الحديث، قال: (فإني أنظر إلى ما يَخرج منها فأتصدق بثلثه) هذا أولاً.

- (وآكل أنا وعيالي ثلثاً).

- (وأرد فيها ثلثاً).

فانظر إلى حكمة هذا الرجل وحسن تصرفه، كيف قسَّمها أثلاثاً.

إذاً توزيع الدخل إلى نسب معينة هذا من الحكمة وحسن التخطيط؛ أن يعرف الإنسان الراتب الشهري الذي يأخذه مثلاً، العائد الذي يعود عليه، الرزق الذي يُرْزَقَه يقسم أقساماً، فتقسيم الراتب، أو تقسيم العائد ليست عمليةً مبتدَعة جديدة جاء بها الاقتصاديون الجدد أبداً، وإنما هو شيء قديم ومعروف فعله هذا الرجل الصالح من قبلِنا، فعله هذا الرجل الصالح الذي قسَّم دخل بستانه إلى هذه الثلاثة أقسام.

فإذاً تقسيم المدخول إلى أقسام معينة يُصرف كل قسم في مصرف معين لا شك أنه من الحكمة، وبُعد النظر، وحسن التصرف، وهذا شيء مطلوب شرعاً.

(13/8)

لا بد من رعاية المال

الفائدة السابعة: أن الإنسان عليه أن يرعى ماله: ولذلك قال الرجل: (وأرد فيها ثلثاً) فالمزرعة والبستان تحتاج إلى نفقة؛ قيمة بذور، أجرة عمال، ونحو ذلك من الأشياء، وهذه النفقة قد أخذها هذا الرجل من الغلة التي تعود عليه لإصلاح ماله وتنميته والقيام عليه، وهذا من الحكمة أيضاً.

(13/9)

(الشخص الذي لم يعرف اسمه ينادى بـ (عبد الله

وثامناً في هذه القصة: أن الإنسان إذا لم يعرف اسم شخص فإنه يناديه: بعبد الله: إذا أردت أن تنادي شخصاً في الشارع لسبب من الأسباب، أو في محل وأنت لا تعرف اسمه فلا تقل يا بعض الناس يقول: يا بدون شيء؛ وهذا من قلة الأدب، أو يقول: أنت يا هاء؛ وهذا أيضاً ليس من الأدب، فما هو الأدب الشرعي في هذه الحالة؟ الأدب الشرعي كما ورد في عدد من الأحاديث: أن ينادَى بعبد الله، فيقال: يا عبد الله، وهو فعلاً عبدٌ لله، فأنت صادق في إطلاق هذا الاسم عليه لأنه عبدٌ لله، وبعد ذلك يمكن سؤاله عن اسمه: (يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: فلان).

(13/10)

رفع الحرج في سؤال الشخص عن اسمه

وفيه أنه لا حرج شرعاً مطلقاً في سؤال الشخص عن اسمه بهذه الطريقة: (يا عبد الله! ما اسمك؟) فأجابه.

وأنه لا حرج على الإنسان أن يسأل السائل عن اسمه لماذا يسأله عن اسمه، فيقول له: (لِمَ تسألني عن اسمي؟) كما فعل هذا الرجل.

(13/11)

الإخبار بالكرامة مع عدم أمن الفتنة

الفائدة العاشرة: أنه لا بأس بإخبار الشخص عن كرامة الله له إذا كان يؤمن عليه من الفتنة: فمن باب البشارة يقال له: حصل كذا وكذا من الأشياء الصالحة، أو النعم، أو الكرامات التي أكرمه الله بها.

(13/12)

الأصل والأفضل إخفاء الأعمال الصالحة

الفائدة الحادية عشرة: أن على الإنسان أن يخفي عمله الصالح: وألا يجاهر به، وألا يعرضه للبطلان والحبوط بالرياء السمعة.

والفرق بين الرياء والسمعة: أن الإنسان يفعل العمل أمام الناس ليراه الناس، هذا الرياء.

السمعة: أن يتحدث الإنسان عن أعماله الصالحة، العبادات مثلاً ليسمعه الناس؛ كلا هذين الأمرين خطير جداً ويُبطل العمل، والله يقول يوم القيامة للعبد هذا: (اذهب خذ أجرك من الذين راءيتهم، أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك معي فيه أحد غيري تركته وشركه).

فإذاً إخفاء الأعمال مطلوب.

ولكن الإنسان إذا اضطر إلى الإجابة عن شيء معين تطييباً لخاطر شخص، أو أن يُقتدى به فلا بأس أن يُخبِر عن عمله الصالح، ما دام لا يقصد الرياء والسمعة واحتيج إلى ذلك، دعت الحاجة إليه، لا بأس أن يُخبِر بما عمل إذا كان هناك مصلحة شرعية في هذا العمل.

(13/13)

جواز التحديث عن أخبار من قبلنا

وفي هذا الحديث أيضاًَ من الفوائد: التحديث عن أخبار من قبلَنا حتى يكون في ذلك عبرة لنا وقدوة:- وهكذا دائماً دأب الصالحين الاقتداء بمن قبلَهم: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111] {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90].

(13/14)

تعريف النفقة وأحكامها

وبعد هذا نأتي إلى ذكر بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالنفقة وهو أحد الأشياء التي ذكرها هذا الرجل فقال: (وآكل أنا وعيالي ثلثاً).

فما هي أحكام النفقة؟ وعلى من يجب على الإنسان أن ينفق؟ وكم ينفق؟ أما النفقة فهي في اللغة: الدراهم ونحوها من الأموال، هذه تسمى نفقه لأنها تنفَق.

تعريف النفقة شرعاً: كفاية من يمونه بالمعروف قوتاً، وكسوةً، ومسكناً، وتوابعه.

أنت مسئول عن شخص معين؛ زوجة أو ولد؛ كفايته أن تعطيه ما يكفيه بالمعروف من الكسوة والقوت وتوابع ذلك المسكن، هذه هي النفقة الشرعية، النفقة.

وأول ما يجب على الإنسان النفقة بعد نفسه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك) ثانياً: زوجته، فيلزم الزوج نفقة زوجته قوتاً، وكسوةً، وسكنى بما يصلح لمثلها.

(13/15)

الزوجة ومراعاة النفقة عليها

فإذاً يراعي في الإنفاق حال الزوجة، البيت الذي هي منه، كيف كانت تعيش عند أبيها، القوم الذين هي منهم، فإذاً يراعى في الإنفاق على الزوجة ما يصلح لمثلها، قد تكون مثقفة تحتاج إلى نفقة غير الأمية، قد تكون من عائلة غنية غير العائلة الفقيرة، ونحو ذلك.

إذاً لا بد من مراعاة حال الزوجة عند الإنفاق عليها، ما هو الدليل؟ قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7] وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف).

إذاً لو أن أحداً قال: كم أنْفِق عليها؟ أعطيها شيئاً بيدها، هي تصرف على نفسها؟ أو أن أُنْفِق أنا عليها؟ وكم أنفق عليها؟ وكم يجب عليَّ؟ وما هي النسبة؟ وما هو المقدار؟ فالآية أجابت عن ذلك بقول الله تعالى: {بِالْمَعْرُوف} [البقرة:241] ما تعارف عليه الناس بينهم من الأمور المقرَّة بينهم.

فإذاً ينفق عليها بالمعروف، مثلاً: تحتاج إلى طعام لا بد أن يعطيها الطعام، تحتاج إلى شراب لا بد أن يوفر لها الشراب، تحتاج إلى فستان، تحتاج إلى جورب، تحتاج إلى خمار، حجاب، فلا بد أن يعطيها ذلك، فإذاً مرد الإنفاق إلى العرف وليس هناك مقدار معين للنفقة حددته الشريعة، وإنما جعل ذلك إلى العرف وإلى يسار الزوج وإعساره.

إذاً هناك أمران يتحكمان في النفقة على الزوجة: الأول: العرف.

والثاني: حال الزوج من الغنى والفقر، واليسار والإعسار.

هل هو متوسط الحال، هل هو فقير الحال، هل هو غني.

وعند النزاع يقدر القاضي مقداراًَ معيناً يوجب على الزوج أن ينفقه على زوجته عند النزاع، ويُراعي القاضي هذين الأمرين، مثلاً: إذا كان حال الزوج مع العرف ينفق عليها ألفاً في الشهر إذاً ينفق عليها ألفاً، يفرض لها ألفاً، سبعمائة، خمسمائة، فيُفرض للموسرة تحت الموسر من النفقة قدر كفايتها، مما تأكل الموسرة تحت الموسر في محلهما، ويُفرض لها كذلك من الكسوة، والفرش، والأثاث، ما يليق بمثلها في البلد، وكذلك المتوسط مع المتوسطة، والفقير مع الفقيرة، ونحو ذلك.

وعلى الزوج نفقة نظافة زوجته.

وكذلك فإن عليه أن ينفق عليها إذا طلقها طلاقاً رجعياً لأنها ما زالت في عصمته، أما طلاق البينونة الكبرى فلا نفقة لها، ولا سكنى، لحديث فاطمة بنت قيس عندما طلقها زوجها البتة -يعني: بالثلاث انتهت- فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نفقة لها ولا سكنى) إلا إذا كانت حاملاً فإنه لو طلقها الطلقة الأخيرة وهي حامل فلها النفقة لأجل الجنين الذي في بطنها الذي هو ولده وهو مكلف بالإنفاق عليه، ولا يمكن فصل الولد عن الأم؛ لأنه ما زال في بطنها، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] فإذاً لها سكنى ولها نفقة طيلة حملها حتى لو كان الطلاق مبتوتاً بالثلاث.

(13/16)

أسباب تسقط بها نفقة الزوجة

تسقط نفقة الزوجة بأسباب: - منها: إذا امتنعت عن تسليم نفسها له، أو حُبست عنه؛ لأنه لا يمكن أن يستمتع بها، والنفقة واجبة مقابل الاستمتاع.

- كذلك من الأحوال التي تسقط نفقة المرأة فيها: إذا نشزت عنه، نشزت أي: خرجت من البيت ورفضت الرجوع، امتنعت عن الفراش، امتنعت من الانتقال معه من بيت إلى بيت، أو من بلد إلى بلد ما لم يكن هناك شروط، فامتنعت من الانتقال معه فإنها تعتبر ناشزاً، ولا يمكن أن يستمتع بها، ولذلك لا نفقة لها.

- كذلك من الحالات التي لا تجب فيها النفقة على الزوجة: إذا سافرت لحاجتها لا لحاجته، فإذا كان لها حاجة هي وسافرت فلا يجب الإنفاق عليها، إعطاؤها من باب الإكرام، من باب التودد، من باب البر، لكن الوجوب إذا سافرت لحاجتها هي فعند ذلك يسقط الوجوب، ولكن الإحسان والبر والمعاشرة بالمعروف أن يعطيها، أما إذا سافرت لحاجته، هو الذي أرسلها، فإن النفقة باقية عليه.

والمرأة المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها من تركة الزوج؛ لأن المال انتقل من الزوج إلى الورثة، فالنفقة عليها، وكذلك هي من الورثة، فإذا كانت المتوفى عنها حاملاً وجبت النفقة في حصة الحمل من التركة إن كان للمتوفى تركة.

ويجوز تعجيل النفقة كأن يعطيها نفقة سنة مقدماً ويقول: أنفقي على نفسك من هذا المال، وتجب لها الكسوة كل عام من أوله؛ كسوة الشتاء وكسوة الصيف.

ومن غاب عنها زوجها ولم يترك لها نفقة، أو كان حاضراً ولم ينفق عليها لزمته النفقة عما مضى لأنه دين في عنقه، لها أن تطالبه به، وإن أعسر فبعد اليسار يعوضها عما فات.

(13/17)

وقت إيجاب النفقة على الزوجة

متى يجب الإنفاق؟ من حين تسليم الزوجة نفسها له، وليس بمجرد العقد؛ فإذا عقد عليها لا زالت النفقة على أبيها.

مثلاً: فإذا صارت حفلة الزفاف وسلَّمت نفسها له، من تلك اللحظة يجب الإنفاق، ويجوز للمرأة أن تطلب فسخ النكاح إذا امتنع الزوج الإنفاق عليها، أو أعسر، يجوز لها أن تطلب الطلاق وإذا صبرت عليه فهي مأجورة.

وكذلك لها أن تستدين على حسابه في حال غيابه إذا لم يترك لها شيئاً، تأخذ من البقَّال مثلاً الأغراض، أغراض البيت وما تحتاجه على حسابه إذا غاب عنها.

وكذلك يجوز لها أن تأخذ من جيبه خفية إذا بخل عليها بالنفقة لكن بالمعروف، لحديث هند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).

وهذه الأحكام تدل على عدل الشريعة وكمالها.

(13/18)

النفقة على الأقارب غير الزوجة

أما غير الزوجة فعلى من؟ ينفق الإنسان؟ ينفق على أقاربه ومماليكه.

وأقارب الإنسان: كل من يرثه بفرض أو تعصيب.

والمماليك: العبيد، الإماء، ويدخل كذلك البهائم فيجب على الإنسان شرعاً أن ينفق عليها، نحن سبقنا جمعية الرأفة بالحيوان، الذين يحتاجون إلى الرأفة بالإنسان.

ويجب على الإنسان أن ينفق على كل من تحت ملكه من إنسان وبهيمة، بالإضافة إلى الأقرباء كما ذكرنا.

(13/19)

الأقارب الذين ينفق عليهم

ومَن هو القريب الذي يجب الإنفاق عليه؟ الأقرباء كُثر.

ف

الجواب

إذا كان القريب من عمودَي النسب تجب نفقته عليك، إذا احتاج وما عنده ما يسد حاجته.

فعمودا النسب: الآباء والأجداد وإن علَو، والعمود الثاني: الأبناء والأحفاد وإن نزلوا.

فيجب عليك أن تنفق على أبيك إذا احتاج وأمك والجد وأبو الجد إذا احتاج وما عنده، وأنت تستطيع يجب عليك أن تنفق عليه، ابنك، وبنتك، وحفيدك، حفيدتك، إذا كنت قادراً واحتاجوا يجب أن تنفق عليهم.

فإذا كان القريب من عمودَي النسب، وكان المنفق غنياً؛ عنده ما يستطيع أن ينفق على هؤلاء، وكان المنفَق عليه محتاجاً، فقيراً، لا يملك شيئاً، أو لا يملك ما يكفيه، أو لا يقدر على الكسب، وكان على دِين واحد؛ أما إذا كان كافراً لا تجب النفقة، إذا كان ولده كافراً، أبوه كافراً، فالنفقة تجب على الإنسان لقريبه إذا كان على دِين واحد.

والدليل على وجوب النفقة على الوالدين قول الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة:83] والإنفاق عليهما من أعظم الإحسان.

والدليل على وجوب النفقة للأولاد على أبيهم قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] مَن هو المولود له؟ الأب: {رِزْقُهُنَِّ} [البقرة:233] طعام الوالدات: {وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة:233] لباسهن: {بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] بما جرت به العادة: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] يدل على أن المتوارثين من القرابات، هناك حقوق ومنها: النفقة، فإذا كان هناك إنسان أنت ترثه لو مات فيجب عليك أن تنفق عليه إذا كان فقيراً محتاجاً، وقال الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:26] فإذا كان أخوك فقيراً وأنت قادر إذاً يجب أن تنفق عليه، {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:26].

فنفقة الأقارب المحتاجين على قريبهم الغني واجبة إذا كان قادراً، وجاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (مَن أَبَرُّ؟ قال: أمَّك وأباك وأختَك وأخاك) وفي رواية: (وابدأ بمن تعول؛ أمَّك وأباك وأختَك وأخاك، ثم أدناك أدناك) هذا يفسر قول الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:26] ذا القربى عام، وهذا تفصيله في السنة.

والوالد تجب عليه نفقة الولد كاملة ينفرد بها، ما يوزع هذا، يقول: فقط عليَّ الطعام، أكلك عليَّ، لبسك ما لي دخل فيه، سكنك عليَّ، وكذا، يجب عليه أن ينفق على الولد نفقة كاملة.

والفقير الذي له أقارب أغنياء وليس لديهم أب حتى نحمِّل الأب النفقة كاملة، هل يتحملها الأكبر منهم؟ ليس عدلاً، نقول: يشتركون في الإنفاق عليه كلٌّ بقدر إرثه منه، فإذا كان -مثلاً- كل واحد يرث منه الثلث، نقول: ثلث النفقة على كل واحد منهم هذا يرث السدس، نقول: أنت سدس النفقة عليك، وهذا يرث النصف، نقول: نصف النفقة عليك، وهكذا.

وأما نفقة المماليك من الأرقاء والبهائم فإنها تجب بالمعروف أيضاً: (إخوانكم خَوَلُكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه -يعني: العبد- تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم).

وإن طلب الرقيق نكاحاً زوجه سيده أو باعه حتى لا يمنعه من الزواج، وكذلك إن طلبت الأمة خُيِّر سيدُها بين وطئها، أو تزويجها، أو بيعها؛ لئلا يضر بها، وكذلك الدابة؛ العلف والسقْي وكل ما يصلحها لا بد من ذلك: (عُذبت امرأة في هرة) الحديث، فكل حيوان عندك لو كان عندك عصفور يجب عليك الإنفاق عليه، ولا يجوز تعذيب البهيمة، ولا حلبها بما يضر ولدها، ولا لعنها، ولا وسمها في وجهها، فإن عجز عن الإنفاق عليها أُجبر على بيعها، أو تأجيرها، أو ذبحها إذا كانت مما تؤكل؛ لأن بقاءها مع رجل لا ينفق عليها ظلم لها، هذا معلوم من الفقه الإسلامي، والذي قلنا أنه سبق الغربيين في الرأفة بالحيوان منذ قديم الزمان.

هذه بعض الأشياء المتعلقة بالنفقة، وهذا كان له علاقة بحديث اليوم والقصة التي سبق ذكرها.

وأيضاً: فإن من الأشياء المتعلقة: الصدقة؛ والصدقة التي ذكرها الرجل هي: إعطاء الفقراء والمساكين وغير ذلك من وجوه البر لأن أبواب الصدقة كثيرة جداً، ولا يجوز للإنسان أن يرجع في صدقته إذا سلمها للفقير أو للشخص الذي تصدق به عليه، وكذلك لا يشتري صدقته، ويُخفي الصدقة، كما أن هناك آداباً تتعلق بهذا الموضوع، ربما نأتي عليها مرة أخرى إن شاء الله.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

(13/20)

الأسئلة

.

(13/21)

وجوب إخراج الزكاة الماضية

السؤال

رجل لم يُخرج زكاة الفطر العام الماضي، هل تبقى في الذمة؟

الجواب

نعم، تبقى في الذمة ديناً عليه لله تعالى، ويتوب من تأخيرها، وعليه الإخراج.

(13/22)

قضاء صلاة العيد

السؤال

هل صلاة العيد تُقضى؟

الجواب

قال بعض العلماء: إن من فاتته صلاة العيد فإنه يصليها، من الممكن أن يصلوها جماعة مثلاً إذا فاتتهم بعد صلاة الإمام، لا بأس بذلك.

(13/23)

حكم إخراج زكاة الفطر مالاً يشترى به طعاماً

السؤال

في بعض المساجد هناك إعلان عن قبول قيمة عشرة ريالات زكاة الفطر يقومون هم بشراء الأرز أو التمر!

الجواب

لا بأس بذلك، ما دام أن الشخص هذا ثقة أو هذه اللجنة موثوق بها تُعطَى المال لتشتري به الطعام.

(13/24)

حكم الصلاة في مسجد بجواره قبور

السؤال

يوجد في بلدتنا مسجد، ومجاورٌ لهذا المسجد قبور أهل البلدة التي يَدفنون بها!

الجواب

ما دام خارج المسجد فلا بأس من الصلاة في المسجد، الأحسن أن يُجعل بينهما وبين المسجد طريق لكي يتم الفصل التام بين المقبرة والمسجد، وجداران؛ جدار للمقبرة، وجدار للمسجد.

(13/25)

حكم ملاعبة الزوجة دون الإيلاج

السؤال

صائم عمل كل شيء مع زوجته ما عدا الإيلاج والإنزال!

الجواب

عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وهو قد جرح هذا الصيام، ونقص منه بقدر ما وَلَغَ في هذا الأمر المحرم.

(13/26)

مقدار نصاب زكاة المال

السؤال

كم هو النصاب الواجب في المال اليوم، في الزكاة؟

الجواب

إذا كانت العملة مقوَّمة أصلاً بالذهب فهو نصاب الذهب، وإذا كان العملة مقوَّمة بالفضة فهو نصاب الفضة.

(13/27)

حكم صلاة المرأة إذا زاد حيضها على عادتها

السؤال

امرأة دورتها الشهرية سبعة أيام وعندما ظهر لها علامة الطهر بين قوسَين (الكُدْرة) -وهذا خطأ، علامة الطهر ليست الكُدْره، علامة الطهر هي السائل الأبيض النقي الذي يدفعه الرحم بعد العادة- الذي يخرج وارء العادة، تطهرت وصامت، وفي اليوم الثامن رأت الدم ثم الكُدْرة فقالت: ربما لم تنتظر فتطهرت وصامت، تكرر ذلك في التاسع والعاشر والحادي عشر!

الجواب

إذا رأت الطهر فلا يضرها ما خرج بعد ذلك من الكُدْره، وأما إذا لم تر الطهر فالكُدْره المتصلة بدم الحيض من الحيض، ولو استمر الدم لا تصلِّي ما لم يبلغ خمسة عشر يوماً فإذا بلغ خمسة عشر يوماً اعتبرناها مستحاضة وقلنا لها: اعتدي بعادتك الأصلية إذا كانت سبعة أيام، أو ستة أيام، أو ثمانية أيام، واقضي ما مضى من الصلاة والصيام.

(13/28)

حكم سفر الخادمة مع العائلة

السؤال

سفر الخادمة مع العائلة بَراً؟

الجواب

لا يجوز سفر الخادمة بغير محرم لأنها امرأة، امرأة تدخل في الأحاديث، وعليهم أن يبحثوا عن مكانٍ آمن يضعوها فيه عائلة مأمونة، إذا ما وجدوا فإن أخذها في هذه الحالة يكون من باب الحاجة الشرعية، أو الضرورة الشرعية، إذا خُشي عليها أو خشي منها، إذا تُركت وحدها تؤخذ من باب الضرورة، ولكن ليس هذا هو الأصل.

(13/29)

حكم الخروج بالأهل إلى السوق

السؤال

هل يجوز للرجل أن يذهب بأهله إلى السوق مع ما فيه من الفجور والفساد العظيم؟

الجواب

هو لا بد من الذهاب إلى السوق، لأنه لا يمكن للواحد كيف يوفر الأغراض؟ لكن ماذا يفعل؟ ينتقي أولاً: الأسواق التي لا يغلب عليها، أو التي هي أقل سوءاً من غيرها، هناك بعض الأسواق أقل سوءاً من غيرها، حتى المجمعات التجارية تختلف؛ بعض المجمعات بالتجربة وبالخبرة تعرف أنها فيها نوع من المحافظة، وفيها نوع من الحراسة مثلاً، فالذهاب إليها أولى من الذهاب إلى غيرها ولا شك.

ثانياً: انتقِ الوقت المناسب، فمثلاً: في هذه الأيام الذهاب بعد الظهر وبعد العصر وفي الصباح أحسن من الذهاب في الليل بآلاف المرات، ولذلك الذهاب في هذه الأوقات مناسب.

ثم بعد ذلك ثالثاً: التزام الشروط الشرعية: غض البصر، الحجاب الكامل للأهل.

ثم الإنسان يتجنب مضايق الزحام الشديد، الأماكن المكتظة، الأماكن المليئة بالنساء أو التبرج، ربما يدخل المكان وبعد قليل تغيِّر وضع المكان، وهكذا.

(13/30)

حكم زواج الشاب بدون علم أبيه وأمه

السؤال

شخص يريد أن يتزوج دون علم والدته ووالده، ويريد أن يبقى الزواج سراً؟

الجواب

لا.

ما يمكن أن يبقى الزواج سراً عاجلاً أم آجلاً، فهو لا بد أن يعلنه ويشهره، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وعليه أن يرضي والديه، يسترضيهما قدر الإمكان، وإذا كانا يرضيان بفتاة دون فتاة ينتقي الفتاة التي يرتضيانها إذا كان ليس بها عيبٌ من دين أو خلق، وأما إذا احتاج للزواج وهو طالب وهما يرفضان زواجه فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والحال حاله يعرفها، فإذاً يتزوج مع الإحسان إليهما.

(13/31)

حكم إعطاء العطية مع مقابلتها بمكافأة أكبر

السؤال

هل يجوز لي أن أعطي لشخص لعلمي أنه سيعطيني هدية أكبر منها؟

الجواب

هذا من الطمع في الدنيا ولا شك، وليس من باب (تهادوا تحابوا) وليس من الأخوة، لكن هل نقول له: يحرم؟ إذا كان الشخص الآخر لا يُحرج، ولا يَشق عليه، أو لا يستدين من أجلك، فلا يَحرم؛ لكنه ليس من العبادات والطاعات أن الإنسان ينوي بأن يعطي بهذه النية.

(13/32)

حكم وطء العبد سيدته

السؤال

إذا كان الرجل عنده أمَة من حقه أن يطأها شرعاً، فإذا كانت الحرة عندها عبدٌ فهل تمكنه من نفسها؟

الجواب

لا يجوز حتى بالفطرة، فهي تتصرف فيه، وعليه الخدمة والزراعة والبيع والشراء وكل شيء من الأشياء يقوم بها، ولها أن تبيعه أو تؤجره؛ ولكن الوطء لا، بل عليها أن تحتجب منه ما تكشف عليه كمَحْرَم، لا.

(13/33)

حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في القرآن

السؤال

أقرأ القرآن، فذُكِر النبي صلى الله عليه وسلم، هل أصلي عليه؟

الجواب

نعم.

لا بأس بذلك، صلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم.

(13/34)

هل تقطع المرأة الصلاة في الحرم؟

السؤال

حديث: (أن المرأة تَقْطَع الصلاة) كيف يطبَّق في الحرم؟

الجواب

في حالات الزحام الشديد التي لا يمكن فيها تجنب مرور الناس أمام بعضهم بعضاً عند ذلك يسقط الحكم لتعذر تطبيقه لأنك كلما مرت بين يديك امرأة كبرت للإحرام فلن تصلي إلا بعد خروج الوقت في بعض الحالات، الزحام الشديد، ولذلك {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] فأولاً: إذا كنت وراء إمام فلا يضرك من مر بين يديك، لكن إذا كنت تصلي وحدك، فأنت ترد المرأة التي تمر، فإذا كان الزحام شديداً جداً، تمنع من؟ وتُبْقِي من؟ فعند ذلك صلاتك صحيحة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] مثل الزحام هذا في ليلة السابعة والعشرين، في الحرم، وليلة ختم القرآن، هذا قد لا يتيسر مطلقاً، بل ربما ما يجد الواحد مكاناً يصلي فيه أصلاً.

(13/35)

المقصود بالنفقة على الزوجة

السؤال

بعض النساء لا يفهمن النفقة بمعناها الشامل ويقصدن بها النفقة الخاصة مثل: الملابس وما شابهها، ويقولون: أعطنا نفقتنا الشهرية؟

الجواب

إذا لم ترد الطعام فهذا شأنها، وإذا كانت تريد ملابس، فتزيد في الطلب لأجل التفاخر أو المباهاة أو المغالاة، فتريد الشيء المرتفع الثمن الذي يقصم ظهر الزوج ويأتي على راتبه؛ فهذا طبعاً ليس من حقها أن تشق على زوجها وإنما ينفق عليها بالمعروف، فلا إفراط ولا تفريط.

وبعض النساء عاقلات يعني: تدرك أن هناك أشياء مهمة يحتاج مثلاً الزوج إلى بيت وهو الآن يستأجر بيتاً وهو يريد أن يبني بيتاً فهي تقتصد معه من أجل البيت لأن البيت بيتهما، لأن هذا البيت سيكون بيتاً لهما جميعاً فهي تساعد زوجها.

وبعض النساء ليست بعاقلة جداً فهي تريد أن تبذر وتسرف في الأموال ولو كان على حساب الأشياء المهمة والضرورية للبيت وللأولاد أو للزوج والأولاد، وهذا ليس من الحكمة في شيء.

فإذاً ينبغي أن تنظر، وفي نفس الوقت ليس معنى هذا أنه كلما طلبت منه لباساً قال: نريد أن نبني بيتاً، كلما جاءت تطلب منه شيئاً، قال: نريد أن نبني بيتاً، هذا الشيء لا ينتهي، فلا يجعل هذا حجة لرد كل طلباتها، وفي نفس الوقت هي لا تتمادى في الطلبات بحيث تشق على الزوج.

(13/36)

كيفية كفارة اليمين

السؤال

في كفارة اليمين هل يجزئ أن يطعم خمسة مساكين مرتين بدلاً عن عشرة؟

الجواب

لا، لا بد من عشرة مختلفين.

(13/37)

جواز صلاة القيام في أكثر من مسجد

السؤال

هل يجوز أن يصلي في مسجد القيام ثم يذهب إلى مسجد آخر يصلي معهم؟

الجواب

نعم.

لا بأس بذلك، لكن لا يعيد الوتر: (لا وتران في ليلة).

(13/38)

حالات الجمع والقصر في السفر

السؤال

في صلاة المسافر أيهما أولى: الجمع، أم القصر؟

الجواب

إذا كان متحركاً في سفره في السفر في الطريق يجمع ويقصر، إذا نزل بلداً يوماً أو يومين أو ثلاثة يعني: لا زال مسافراً فهو يقصر من غير جمع؛ هذه هي السنة، في مكة أو في غير مكة.

(13/39)

أجر من صلى صلاة القيام كلها مع الإمام

السؤال

كيف يطبَّق أجر حديث: (إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف)؟

الجواب

يعني: من كل الصلاة، سواء كانت الصلاة جزءاً واحداً أو جزأين، إذا صلى معهم حتى ينصرف من كل الصلاة، كذلك لو كان في المسجد به أكثر من إمام، حتى ينصرف يعني: حتى تنقضي كل الصلاة.

هذا والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

(13/40)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

سلسلة القصص المنجد

قصة عائشة رضي الله عنها وقبر البقيع

زيارة القبور تذكر بالآخرة، وترقق القلب، وتزكي النفس، ولكن قد طال على المسلمين الأمد كما طال على الذين من قبلهم، فقست قلوبهم فلم يعودوا ليتعضوا إلا مَنْ رحم الله، وحل الابتداع محل التذكر والاتباع، وقد وضح الشيخ ذلك من خلال شرحه لحديث عائشة في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقد، وذكر بعض أحكام المقابر.

(14/1)

حديث زيارة البقيع وشرحه

الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فالقصة التي سنتحدث عنها هي من القصص التي لها علاقة بما يزيد الإيمان، وهو زيارة المقابر.

وسنتعرض إن شاء الله بعد هذه القصة لبعض أحكام وآداب زيارة المقابر.

والقصة: قصة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي رواها الإمام أحمد ومسلم وغيرهما: عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوماً: (ألا أحدثكم عني وعن أمي؟ فظننا أنه يريد أمه التي ولدته، قال: قالت عائشة -وهي أمه لأنها أم المؤمنين، وهي كذلك أمنا جميعاً- قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: بلى، قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب فوَضَع رداءه) انقلب، أي: رجع إلى بيته من صلاة العشاء، وكان عادتهم النوم بعد صلاة العشاء مباشرة، فلا سمر عندهم إلا في حالات خاصة، وكانوا يؤخرون العشاء كما هي السنة، ثم ينامون بعدها استعداداً لقيام الليل؛ هكذا كان المجتمع الأول في استعداده لقيام الليل.

(انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه -صلى الله عليه وسلم- وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رَقَدْتُ -في رواية أحمد، أي: لبث عليه الصلاة والسلام على فراشه فترة ظن أن عائشة قد نامت واستغرقت في النوم- فأخذ رداءه رويداً -أي: برفق لئلا يزعجها- وانتعل رويداً، وفتح الباب رويداً، فخرج، ثم أجافه رويداً -أي: أغلقه وراءه- فجعلتُ درعي في رأسي واختمرتُ، وتقنعتُ إزاري -لبِسَتْ إزارها واستترت- ثم انطلقتُ على إثره) أي: تَبِعْتُه، خرجت من باب البيت وتَبِعَتْه خفية وهو لا يدري صلى الله عليه وسلم، (حتى جاء البقيع)، وهو: بقيع الغرقد؛ مقبرة المسلمين بـ المدينة، سُمِّي بـ بقيع الغرقد لغرقد كان فيه، وهو ما عَظُمَ من نبات العوسج.

(فقام عليه الصلاة والسلام عند المقبرة فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفتُ، وأسرع فأسرعتُ، فهرول فهرولتُ، فأحضر فأحضرتُ، فسبقته فدخلتُ).

ومعنى الإسراع والهرولة واضح.

وأما أحضر: فمن الإحضار، وهو العدو، فكأنه أسرع ثم زاد سرعته؛ ولكن عائشة سبقته في الظلام، فدخلت الحجرة قبل أن يدخلها عليه الصلاة والسلام.

(فأَحْضَر فأحضرتُ، فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعتُ، فدخل صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لكِ يا عائش حشيا رابية؟!) رأى النبي صلى الله عليه وسلم صدر عائشة متهيجاً، يسرع في الارتفاع والانخفاض، والنفس متزايد عندها، فسألها قال: (ما لكِ يا عائش حشياً رابيةً) ما لكِ حشيا، الحشا، وهو: الربو والتهيج الذي يحدث للمسرع في مشيه من ارتفاع النفَس وتواتره، رابية: مرتفعة البطن؛ يعني: هذا الذي يحدث لمن أسرع، أو هرول، أو جرى.

قالت: (قلت: لا شيء يا رسول الله! قال: لَتُخْبِرِنِّي أو لَيُخْبِرَنِّي اللطيف الخبير قالت: قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، فأخبرته الخبر، قال: فأنت السواد الذي رأيته أمامي؟ قلت: نعم فلهزني في صدري لهزةً أوجعتني) -واللهز هو: الضرب بجمع الكف في الصدر- (وقال عليه الصلاة والسلام: أظَنَنْتِ أن يحيف عليكِ الله ورسوله؟!) هذه اللهزة الشديدة كانت تأديباً من النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة من سوء الظن.

وذلك أنها أساءت الظن، وخافت أن يكون قد ذهب في ليلتها إلى زوجةٍ أخرى، ولذلك خرجت وراءه، وكانت عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم شديدة الغيرة جداً، فلما رأته خرج من بيتها في ليلتها خشيَت أن سيذهب إلى زوجة أخرى في ليلتها، فلَهَزَها في صدرها لهزةً أوجعتها، وقال: (أظننتِ أن يحيف عليكِ الله ورسوله؟!) أظننت أن الرسول صلى الله عليه وسلم يظلمك ويذهب في ليلتك إلى امرأة أخرى من زوجاته، وهو أعدل الناس؟! الإنسان إذا كان عند زوجة في ليلة فلا يذهب إلى غيرها، لأن لكل واحدة قسماً.

فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يفعل ذلك دون أمر من الله، لا يمكن أن يذهب إلى امرأة أخرى في ليلة واحدة، إلا بأمر من الله، قالت عائشة رضي الله عنها: (مهما يكتم الناس يعلمه الله، نعم).

فـ النووي رحمه الله ذكر في شرح الحديث: أنها قالت هذا وقررته: (مهما يكتم الناس يعلمه الله، نعم) يعني: نعم كذلك، أنه مهما كتم الواحد شيئاً فالله يعلمه.

قال: (نعم.

وفي رواية: قال: نعم، فإن جبريل عليه السلام أتاني حين رأيتِ فناداني، فأخفاه منكِ، فأجبتُه فأخفيتُه منكِ، ولم يكن ليدخل عليكِ وقد وضعتِ ثيابك، وظننتُ أنكِ قد رقدتِ، فكرهتُ أن أوقظكِ، وخشيتُ أن تستوحشي) -يعني: إذا تركتُ البيت وأنتِ مستيقظة؛ وخرجتُ بقيت في وحشة في الظلمة، فما أحببت أن أوقظكِ لئلا تبقي في وحشة، وظننتُ أنكِ قد نمتِ فخرجتُ.

ماذا قال جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام؟ قال له: (إن ربك جلَّ وعز يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت عائشة رضي الله عنها: كيف أقول لهم يا رسول الله لو أنا ذهبتُ؟ فقال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله لَلاحقون).

(14/2)

من فوائد حديث زيارة البقيع

هذا الحديث فيه فوائد متعددة:-

(14/3)

أن نساء النبي أمهات للمؤمنين

فمن ذلك: أن أمهات المؤمنين أمهاتٌ للجميع، وأن احترام أمهات المؤمنين واجب: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً} [الأحزاب:53] فهن محرماتٌ علينا، والذي يقذف واحدة من أمهات المؤمنين بالفاحشة فهو كافر؛ لأنه مكذب لله تعالى الذي أخبر أن الطيبات للطيبين، والنبي صلى الله عليه وسلم أطيب الطيبين، ولا يمكن أن يجعل الله تحت نبيٍّ امرأةً بغياً.

ولذلك بعض الكفار يقولون: إن عائشة -والعياذ بالله- قد ارتكبت الفاحشة.

ويقولون: إن مهديهم سيخرج آخر الزمان، ويستخرجها من قبرها ويقيم عليها حد الرجم، لعنة الله عليهم آمين.

ولذلك فاحترام أمهات المؤمنين واجب، ومن قذف عائشة بما برأها الله منه فهو كافر؛ لأن الله برأها مما رماها المنافقون به من فوق سبع سموات في سورة النور، فمن قذف عائشة فهو كافر.

(14/4)

حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه

ثانياً: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان رفيقاً لطيفاً حسن العشرة لزوجته:- ولذلك بقي في الفراش حتى ظن أن عائشة قد نامت لئلا تستوحش إذا أيقظها وخرج، أو خرج قبل أن تنام وتركها في الظلمة تستوحش، فبقي حتى ظن أنها قد نامت ثم خرج؛ وهذا من حسن العشرة مع المرأة، وأن من حسن العشرة ألا تترك المرأة وحيدة في الظلمة، ولكن ينبغي على المرأة كذلك ألا تكون جبانةً تخشى من ظلها، وينبغي أن يكون عندها شيءٌ من التحمل خصوصاً عند خروج الزوج لحاجة، كهؤلاء الذين يخرجون في النوبات الليلية في الأعمال، وأنه ينبغي على الزوج أن يجعل من يؤنس وحشة زوجته، أو يجعل في المكان شيئاً من أسباب الأمن مما يكون فيه حماية لزوجته بإذن الله تعالى إذا بقيت في البيت وحدها في الليل.

(14/5)

استحباب إطالة الدعاء عند زيارة القبور

ثالثاً: استحباب إطالة الدعاء:- لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف هناك وأطال الدعاء.

رابعاً: استحباب رفع اليدين في الدعاء:- وقد ورد هذا في أكثر من مائة حديث.

خامساً: استحباب زيارة القبور:- وسنأتي على ذلك إن شاء الله.

سادساً: أنه لا بأس من زيارة القبور في الليل.

سابعاً: أن الدعاء في المقبرة واقفاً أفضل من الدعاء فيها جالساً.

(14/6)

العدل بين الزوجات وتأديب الزوجة بالمشروع

ثامناً: وجوب العدل بين الزوجات، وأنه لا يجوز للإنسان أن يذهب في ليلة زوجة إلى زوجة أخرى إلا بإذن صاحبة القسم، أما الطوارئ والأشياء الضرورية فلها حكم آخر، وهذا حكم شرعي من أحكام العدل بين الزوجات.

تاسعاً: مشروعية تأديب الزوجة إذا أساءت الظن بزوجها، أو أساءت العشرة، أو نشزت.

عاشراً: أن تأديب الزوجة لا يكون بما يجرح، ويسيل الدم، أو يكسر العظم، أو يفقأ العين، أو بضرب الوجه، فإن ذلك حرام، وإنما يكون بشيء مؤثر دون أن يكون مؤذياً أو مسبباً لأمرٍ من الأمور المحرمة، ككسر أو جرحٍ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لهزها في صدرها لهزة أوجعتها، ولكن لم تكن قاسية بحيث تكسر مثلاً، أو تُقْعِد.

(14/7)

علم الله تعالى بكل شيء

الحادي عشر: أن الله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى.

(14/8)

السلام المشروع على أهل المقابر

الثاني عشر: أن الدعاء المستحب للإنسان إذا ذهب إلى المقبرة أن يسلم على الموتى بقوله: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منكم ومنا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله تعالى بكم لَلاحقون، هذا أحد الألفاظ التي تقال عند الذهاب إلى المقبرة.

(14/9)

حرمة المقابر وأحكام ذلك

الثالث عشر: أن الموتى هم أهل المكان وساكنوه، فلا يجوز الاعتداء عليهم، فالميت إذا سبق الحي إلى الأرض فهو ساكنها مثل الأحياء، فلا يجوز لإنسان نبش القبور، ولا إخراج جثث المسلمين، أو يبني في المقبرة بيتاً أو يزرعها مثلاً؛ لأن الميت سبق الحي إلى المكان؛ وهذه حرمة للميت لا يجوز انتهاكها.

فالمقبرة بيوت الأموات؛ وبيوت الأموات لا يجوز انتهاك حرمتها، ولا يجوز إخراجهم منها إلا للأمر الطارئ والضروري كما إذا جاء سيل أخرج العظام عن مكانها، أو صار المكان ليس فيه حرمة مثلاً، فتُنْقَل عند ذلك الجثث والعظام إلى مكان آمن.

ونَبَّاش القبور عند بعض العلماء سارق تقطع يده، وبعض الناس يسرقون الجثث ويبيعونها على كليات الطب في بعض البلدان، فحكم نباش القبور عند بعض العلماء سارق تقطع يده، لأنه سرق من حرز؛ وهو الأرض، فإنها حرز للجثة، واستدل العلماء على ذلك بقوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} [المرسلات:25 - 26].

فالأرض حرز للجثة، فمن سرق الجثة قطعت يده، وهو مرتكب لكبيرة من الكبائر.

وبعض الناس يتساهلون في إخراج جثث الأموات ليبنوا بيوتاً أو للزراعة ونحو ذلك؛ وهذا حرام لا يجوز فعله مطلقاً، وهذا خاص بمقابر المسلمين.

وأما مقابر الكفار فليس لها حرمة، فإذا حصلت حاجة للأرض أُخْرجت جثث الكفار ونُقِلَت إلى أي مكان آخر.

والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبني المسجد النبوي المعروف، أخرج جثث قبور المشركين التي كانت موجودة، فدل ذلك على جواز إخراج جثث الكفار ونقلها للمصلحة.

أما قبور المسلمين لا يجوز العبث بها مطلقاً، ويجب أن تسوَّر المقبرة حتى تكون مصانة عن أيدي العابثين.

ولا يجوز أن تجعل مَجْمَعاً للقمامة أو النفايات.

ويجب أن تصان القبور عن كل شيء يفسدها أو يضر بها، كالمشي فوقها، أو المشي بينها بالنعال، أو القعود عليها، أو جعلها مجمع نفايات، أو مأوى للكلاب الضالة، ونحو ذلك.

كذلك يؤخذ من هذا الحديث: زيارة النساء للقبور:- ولكن عدداً من العلماء ذهب إلى تحريم ذلك؛ لحديث: (لعن الله زوَّارات القبور.

وفي رواية: لعن الله زائرات القبور) وقالوا: إن أحاديث الإذن منسوخة، الأحاديث التي يؤخذ منها ذهاب النساء إلى المقابر منسوخة، والمسألة فيها كلام طويل.

وذهب إلى تحريم زيارة القبور للنساء شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ لأن المرأة قليلة الصبر شديدة الجزع، ولا يؤمن من ذهابها إلى المقبرة حصول شيء من النياحة أو المحرمات.

كما أن عموم ما يحدث منهن من التبرج لا يشجع مطلقاً على القول بزيارة القبور للنساء.

لكن المرأة إذا مرت بمقبرة دون أن تدخلها كأن تكون ماشية في الشارع مثلاً، أو في سيارة، فإنها تسلم على الموتى بهذا الدعاء، لكن لا تأتي المقبرة وتدخل فيها.

(14/10)

الإيمان بالغيب

كذلك في هذا الحديث: الإيمان بالغيب، والملائكة، وجبريل عليه السلام:- وكيف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكلَّمه دون علم عائشة مع أنها كانت مستيقظة.

(14/11)

أحكام زيارة المقابر

أما بالنسبة لموضوعنا الموضوع الأساسي وهو مسألة زيارة المقابر، فإن زيارة القبور مشروعة للاتعاظ وتذكر الآخرة، شريطة ألا يقول عندها ما يغضب الرب، وكثيراً ما يقع إغضاب الرب، بل الشرك بالله في المقابر، كدعاء المقبورين، والاستغاثة بالموتى من دون الله، كهذه الأضرحة والقباب المبنية على القبور، والخرق المعقودة بشبابيك القبور، والأموال، وحلق الرأس عند القبر، والطواف بالقبر، وغير ذلك، وتقبيل الأعتاب؛ وغيرها من مظاهر الشرك بالله، ونداء الموتى.

أما الزيارة الشرعية التي ليس فيها شرك ولا بدعة ولا أمر محرم فإنها للرجال عبادة وقربة إلى الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكركم بالآخرة، ولتزدكم زيارتها خيراً، فمن أراد أن يزور فلْيَزُر، ولا تقولوا هجْراً) لا تقولوا هجْراً: لا تقولوا شيئاً محرماً، والهجْر: الكلام الباطل، وكان من عادة أهل الجاهلية أن يتكلموا بكلام الجاهلية عند القبور، وربما ندب بعضهم فقال: وافلاناه! ونحو ذلك.

نُدِبْنا لزيارة القبور لأن فيها موعظة، وقال عليه الصلاة والسلام: (إني نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها؛ فإن فيها عبرة) وهذه العبرة هي تذكر الموت، تذكر الآخرة.

وفي رواية: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها؛ فإنها تُرِقُّ القلب، وتُدْمِع العين، وتذكِّر الآخرة، ولا تقولوا هُجْراً) ومعنى: تُرِقُّ القلب أي: تزيل قسوته.

(14/12)

زيارة المقابر خاصة بالرجال ويزار الكافر للاتعاظ

وكذلك فإن زيارة القبور كما قلنا: خاصة بالرجال على الراجح؛ لحديث: (لعن الله زوَّارات القبور) والأحاديث التي فيها قد يُفهم من ظاهرها جواز زيارة النساء للقبور منسوخة بأحاديث النهي، ولم يُستثنَ إلا الرجال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها) أي: يا أيها الرجال، أما النساء: (لعن الله زائرات القبور، أو لعن الله زوَّارات القبور) وهذا يدل على التحريم ولا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلعن على شيء مباح أو مكروه، ولا يكون اللعن إلا على شيء محرم.

ولكن كما قلنا: لو مرت بجانب قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهي خارجة من باب الحرم، أو داخلة باب الحرم، أو مرت بمقبرة من غير قصد زيارتها فلتسلم عليها بما سبق.

هذا ويجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام للعبرة فقط، وقد جاء في هذا أحاديث: منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت).

وفي رواية: عن بريدة رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب ففداه بالأب والأم، يقول: يا رسول الله! ما لَكَ؟ قال: إني سألت ربي عزوجل في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار، واستأذنتُ ربي في زيارتها فأَذن لي، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، ولْتَزِدْكم زيارتها خيراً) ففي هذا الحديث جواز زيارة المشركين في الحياة، وقبورهم بعد الوفاة؛ لأنها إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى.

وفي الحديث النهي عن الاستغفار للكفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له بالاستغفار لأمه؛ لأنها ماتت على الشرك.

والعرب كان عندهم دين إبراهيم، وعرفوه، وأقيمت عليهم الحجة به، وإسماعيل كان من الأنبياء في العرب.

وأبو النبي صلى الله عليه وسلم وأمه ماتا على الشرك، وكذلك عمَّاه وجده، ماتوا على الشرك، والله عزوجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113].

إذاً: لا يجوز الاستغفار للكافر، والآية نزلت في وفاة أبي طالب على الشرك.

وكذلك فإن القصد من زيارة القبور شيئان: الأمر الأول: انتفاع الزائر.

والثاني: انتفاع المزور.

انتفاع الزائر: بذكر الموت والموتى والمآل بعد الموت.

انتفاع المزور: بالدعاء له، والاستغفار له، والإحسان إليه في هذه الزيارة.

وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى البقيع فيدعو لهم، فسألته عائشة عن ذلك فقال: (إني أمرت أن أدعو لهم).

وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لَلاحقون، أنتم لنا فَرَط -يعني: سبقتمونا- ونحن لكم تَبَع -نأتي على إثركم- أسأل الله لنا ولكم العافية) فهذا دعاء آخر.

وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددتُ أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أوَلَسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين يأتون بعدُ) الحديث.

(14/13)

قراءة القرآن في المقابر

أما قراءة القرآن عند زيارة المقبرة والفاتحة: فمما لا أصل له في السنة أبداً، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أنه قرأ القرآن في المقبرة للموتى، ولا أنه قرأ الفاتحة وأهداها للموتى مطلقاً، ومن أبى فعليه الدليل، وليأتِ بعلم إن كان صادقاً: {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام:143] {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف:4] ولما علَّم النبي صلى الله عليه وسلم عائشة السلام والدعاء، لم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن.

وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يُقرأ فيه سورة البقرة) فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن القبور ليست موضعاً لقراءة القرآن شرعاً، ولذلك قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر) اقرءوا فيها سورة البقرة، ما معنى الكلام هذا؟ الآن المقابر ما فيها قراءة قرآن، (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يُقرأ فيه سورة البقرة) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه.

وقال عليه الصلاة والسلام: (صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً) لأن المقابر لا يجوز الصلاة فيها، إلا صلاة الجنازة لمن فاتته صلاة الجنازة، يجعل القبر بينه وبين القبلة ويصلي الجنازة على القبر فقط، أما صلاة أخرى في المقبرة فلا تجوز.

وكان مذهب جمهور السلف كـ أبي حنيفة، ومالك، وغيرهما، كراهة القراءة عند القبور.

قال أبو داود رحمه الله: سمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر، فقال: لا، لا توجد قراءة عند القبر.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: ولا يُحْفَظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام، وذلك لأن ذلك كان عنده بدعة.

وقال مالك -الذي مذهبه مالكي يسمع كلام مالك -: [ما علمتُ أحداً يفعل ذلك] يعني: يقرأ القرآن في المقبرة.

فعُلِم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات العلمية: والقراءة على الميت بعد موته بدعة.

وجاء في بعض الآثار عن الصحابة قراءة يس على المحتضر وليس على الميت، وليس ذلك حديثاً مرفوعاً، أما الميت فلا يُقرأ عنده؛ لا يس ولا غير يس؛ لا قبل الدفن ولا بعد الدفن، فلا يُقرأ عنده شيء البته.

وكذلك فإن الإنسان إذا جاء يدعو في المقبرة يرفع يديه في الدعاء لأجل الحديث الذي مر معنا.

(14/14)

استقبال القبلة في الدعاء لا القبر

نقطة مهمة: إذا جئت تدعو في المقبرة فاستقبل القبلة لا القبر، والدعاء عبادة، ويجب أن يُفْعَل وفق الطريقة الشرعية.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهذا أصل مستمر؛ أنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يُستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن الرجل لما نُهي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها فإنه يُنهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح سواءً كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بيِّن، وشر واضح.

كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين، وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله، وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وكل هذه الأشياء من البدع التي تضارع دين النصارى.

فإذاً: لا يستلم القبر بيده، ولا يقبِّله، ولا يستقبله في الدعاء، بل يستقبل القبلة، فهو إذا قصد السلام على ميت جاءه فسلم عليه من قِبَل وجهه، وإذا أراد التحول للدعاء فإنه يقصد الكعبة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: ومذهب الأئمة الأربعة مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وغيرهم من أئمة الإسلام أن الرجل إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة؛ لأنك إذا جئت إلى المسجد النبوي وأردت أن تسلم على قبر النبي عليه الصلاة والسلام، فإنك تستقبل القبر لأجل السلام، فتقف أمام القبر وتقول: السلام عليك يا رسول الله، وعندئذٍ يكون ظهرك إلى القبلة، إذا أردت أن تدعو فعليك أن تستدير وتستقبل القبلة لا القبر، ولذلك ترى بعض هؤلاء المغفلين، أو بعض الجهلة، أو بعض الصوفيين المتعمدين الأفاكين؛ يستقبلون القبر ويستدبرون الكعبة، ويدعو إلى القبر تاركاً الكعبة وراءه.

قال شيخ الإسلام: فقال الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه.

وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء.

فـ أبو حنيفة حتى السلام عنده يستقبل فيه القبلة، وهؤلاء يقولون: مذهبهم حنفي.

فالدعاء لم يتنازع الأئمة الأربعة في أنه يستقبل فيه القبلة لا الحجرة، لكن في السلام على النبي صلى الله عليه وسلم الأئمة الثلاثة قالوا: يستقبل الحجرة، وأبو حنيفة قال: الكعبة، فمذهبه فيه قولان: قيل: يستدبر الحجرة.

وقيل: يجعلها عن يساره عند السلام.

(14/15)

قبر الكافر يزار ولا يدعى له

وأما بالنسبة لزيارة قبر الكافر فإنه لا يسلم عليه، ولا يدعو له، بل يبشره بالنار، كما جاء الدليل في حديث سعد بن أبي وقاص، قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي كان يصل الرحم، وكان، وكان، فأين هو؟ قال: في النار، فكأن الأعرابي وَجَدَ من ذلك، فقال: يا رسول الله، فأين أبوك؟ فقال في رواية قال: أبي وأبوك في النار.

في هذه الرواية قال: حيث ما مررت بقبر كافرٍ فبشره بالنار، قال: فأسلم الأعرابي بعدُ، فقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعباً؛ ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار) رواه ابن ماجة والطبراني وغيرهم.

(14/16)

الانتعال في المقبرة

ولا يجوز للإنسان أن يمشي بين قبور المسلمين بنعليه، لحديث بشير بن الخصاصية قال: (بينما أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على قبور المسلمين، فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرة، فإذا هو برجل يمشي بين القبور عليه نعلان -بين القبور- فقال: يا صاحب السبتيتين، ألْقِ سبتيتيك، فنظر، فلما عرف الرجلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه فرمى بهما) والسبتيتان: نوع من النعال.

المقابر اليوم مثل المقبرة التي عندنا هنا فيها شوارع عريضة بين القبور فلا بأس أن تمشي فيها بالنعال؛ لأن الشارع ليس فيه قبور، لكن إذا ذهبت يميناً أو شمالاً فينبغي أن تخلع نعليك إذا أردت أن تمشي بين القبور، ولا تمشي بالنعال، كل هذا من احترام الإسلام للميت، وقد ثبت أن الإمام أحمد رحمه الله كان يعمل بهذا الحديث، فقال أبو داود في مسائله: رأيت أحمد إذا تبع الجنازة فقرُب من المقابر خلع نعليه.

(14/17)

وضع غصن رطب على القبر

هل يُشرع وضع جريد نخل، أو غصن شجرة رطب على القبر؟ لا يجوز ذلك، فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم وضعه، فنقول: إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعل ذلك في كل زيارة مقبرة وإنها هي حالة نُقِلَت وضعه فيها لسبب، قال: أرجو أن يُخَفَّف عنهما ما لم ييبسا؛ وهذه مسألة غيبية لا نعلمها، أي: لا نعلم هل يُخَفَّف أو لا يُخَفَّف، ولذلك فإن هذه المسألة غيبية، خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك أن الصحابة ما فعلوها ولا السلف، وبعض الناس في بعض البلدان يضعون الأغصان الخضراء، وبعضهم يزرعون أشجاراً عند المقبرة، وهذه كمقابر النصارى خضراء كأنها غابة أو حدائق وجنات، فهي لا تيبس وهم في النار، وهذا يدل على أن حديث: (يُخَفَّف عنهما ما لم ييبسا) خاص بالحالة التي كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فهناك مقابر كفار فيها أشجار خضراء طيلة العام ولا يغني عنهم ذلك شيئاً.

وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببتُ بشفاعتي أن يُرَدَّ عنهما ما دام الغصنان رطبين).

فالسبب للتخفيف هو الشفاعة لا وضع الغصن لما سبق في الحديث، لو كان السبب رطوبة الغصن لكانت هذه الأشجار الخضراء الغناء الموجودة في مقابر الكفار نفعت؛ لكن القضية بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

فالسر ليس في النداوة والرطوبة، ليست هي السبب في تخفيف العذاب؛ وإنما بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه.

فتأمل الآن ما يفعله بعض المسلمين من الذهاب إلى المقابر ووضع أكاليل الزهور والرياحين ونحو ذلك على قبورهم أو قبور الآخرين، أو الجندي المجهول، أو الجندي المعلوم، أو الكلام الفارغ الذي يفعلونه تقليداً للنصارى؛ وهذا حرام ولا شك، فوضع الرياحين والورود وأكاليل الزهور على القبور بدعة ضلالة، وتقليد للكفار، ولا يجوز لمسلم أن يفعله.

هذه بعض الفوائد المأخوذة من حديث عائشة مع شيء من التوضيح في مسألة زيارة المقابر.

نسأل الله أن يتغمدنا برحمته.

(14/18)

الأسئلة

(14/19)

لا تسن الاستراحة بعد سجود التلاوة في الصلاة

يقول

السؤال

هل توجد جلسة استراحة بعد سجود التلاوة في الصلاة؟

الجواب

لا.

جلسة الاستراحة تكون في الانتقال من الركعة الأولى إلى الثانية ومن الثالثة إلى الرابعة، أما بعد سجود التلاوة فلا.

(14/20)

تحديد ليلة لزيارة القبور

السؤال

أهل بعض البلدان لهم ليلة للدعاء عند القبور، ويستدلون بحديث عائشة في زيارة البقيع، فما الحكم؟

الجواب

تعيين ليلة معينة لزيارة القبور بدعة، بل يزور في أي وقت تيسر، وإذا كانت المقبرة لا تفتح إلا يوم الجمعة، فليزرها يوم الجمعة لا لأجل يوم الجمعة تحديداً، بل لأنه لا يتيسر ذلك إلا يوم الجمعة فقط، أما أن يحدد ليلة معينة يزور فيها القبر ويعتقد أن لهذه الليلة خاصية في الزيارة؛ فهذا حرام، وبعضهم يقول: الزيارة يوم العيد، يعيد على الأحياء وعلى الأموات؛ وهذه أيضاً من البدع، زيارة القبور في أي وقت، وليس هناك وقت محدد؛ لا لجمعة ولا العيد.

(14/21)

الإحرام من بلد الحاج

السؤال

هل يجوز أن أغتسل في بيتي وألبس الإحرام ثم أذهب إلى الميقات؟

الجواب

نعم، يمكن ذلك.

(14/22)

قيام العشر من رمضان كاملة

السؤال

بعض البلدان يصلون آخر العشر من رمضان كلها من بعد العشاء مباشرة لوجود أعمال وأشغال.

فما الحكم؟

الجواب

لا بأس، لكن قد لا يكون هناك راحة، والناس قد لا يستطيعون مواصلة ساعتين قياماً، فالأفضل أن تجعل قسمين، لأجل أن يصيب في النصف الأخير من الليل الثلث الأخير من الليل.

(14/23)

حكم الكفارة إذا تعددت الأيمان

السؤال

رجل حلف أيماناً متعددة في وقت واحد على شيء واحد، فهل تكرر الكفارة؟

الجواب

الكفارة واحدة.

(14/24)

التبرع بالأعضاء بعد الموت

السؤال

هل يجوز التبرع بالأعضاء بعد الموت؟

الجواب

نعم، بشروط ذكرها العلماء في الفتاوى المعاصرة.

(14/25)

فضيلة القبر في البقيع

السؤال

هل ثبتت سنة في فضيلة القبر بمقبرة بقيع الغرقد؟

الجواب

النبي صلى الله عليه سلم دعا لأهل بقيع الغرقد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استطاع منكم أن يموت بـ المدينة فليفعل) فهذا يدل على أن الموت فيها له فضل، والبقيع مقبرة أهل المدينة إلى الآن.

(14/26)

تغميض الينين في الصلاة

السؤال

هل يجوز تغميض العين في الصلاة؟

الجواب

يجوز إذا لم يخشع إلا بذلك، أما إذا كان يخشع بغيره فالسنة النظر إلى موضع السجود، وإلى السبابة في التشهد، أما إغماض العينين دون سبب فلا، وقيل: إنه من فعل اليهود، لكن إذا كان هناك زخارف، أو لا يخشع إلا بذلك فلا بأس.

(14/27)

الشحناء بين الزوجين ورفع الأعمال

السؤال

( تُرفع الأعمال يوم الإثنين والخميس) فهل يدخل في ذلك شحناء الزوج على زوجته؟

الجواب

إذا كان بحق فلا يدخل، وأما إذا كانا يتشاحنان بغير حق فهما من ضمن المتشاحنين.

(14/28)

حكم من كان يفطر ولا يدري

السؤال

تعمَّد الإفطار في وقت الصِّغَر ولا يذكر إذا كان مكلفاً آنذاك أم لا، فهل عليه القضاء؟

الجواب

يعمل بغلبة الظن، إذا كان مكلفاً فعليه القضاء.

(14/29)

من نوى السفر لعمرة فالإحرام من الميقات

السؤال

أنوي الذهاب إلى جدة لغرض العمل حوالي خمسة أشهر، وأنوي عمل عمرة متى ما تيسر، فكيف الإحرام؟

الجواب

ما دام سيسافر بنية العمرة فالإحرام من الميقات.

(14/30)

هيئة القبر الإسلامي

السؤال

اذكر لنا هيئة القبر الإسلامي؟

الجواب

أن يُجْعَل مُسَنَّماً مرتفعاً عن الأرض بمقدار شبر، ولا يزاد على ذلك، ولا تجوز الكتابة عليه، ولا تجصيصه، ولا البناء عليه، ولا وضع الأنوار عليه.

(14/31)

هجر الزوجة

السؤال

ما صفة هجر الزوجة؟

الجواب

تُهجر الزوجة بالكلام، وتُهجر في الفراش، ويهجرها في البيت حتى تستجيب.

(14/32)

العقيقة عمن ولد ميتاً

السؤال

هل للذي يولد ميتاً عقيقة؟

الجواب

إذا نُفِخ فيه الروح ومات بعد ذلك فيعق عنه.

(14/33)

التوبة من بدع القبور

السؤال

قبل الالتزام بالدين ذهبت إلى السيد البدوي وضريح آخر، وفعلتْ ما يفعله الآخرون من الدعاء والطواف، والنذور بالنجاح وبالزواج، والآن عرفت والحمد لله أن كل هذا حرام، فماذا يلزمني؟

الجواب

يلزم التوبة من هذا الشرك العظيم، وتحقيق التوحيد، والقراءة في كتب التوحيد، والتحذير من الشرك، ونصيحة الآخرين.

(14/34)

حكم نقل القبر

السؤال

ما حكم نقل القبر من مكان إلى آخر؟

الجواب

لا يجوز نقل القبر من مكان إلى آخر إلا إذا وجدت حاجة للنقل، مثل: أن يصبح بمنطقة ليس فيها حرمة للمقابر، أو يخشى عليه، كمنطقة سيول، أو منطقة سرق، فعند ذلك ينقل، وإلا فلا يجوز أن ينقل.

(14/35)

لم يُصلِّ النبي عند القبر

السؤال

فهمتُ من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قام عند المقابر، هل يعني هذا أنه صلى؟

الجواب

لا، قام أي: قام على رجليه يدعو.

(14/36)

حكم خروج المرأة متعطرة ولا تمر على الرجال

السؤال

زوجتي تخرج متعطرة إلى بيت أهلها، وأنا أقوم بتقريب السيارة حين خروجها ونزولها، وكذلك بيت بعض الأقرباء دون مرورها على الرجال، فهل في ذلك بأس؟

الجواب

إذا كنت تضمن ألا تمر على الرجال فلا بأس، لكن كيف تضمن؟!

(14/37)

زيارة القبر النبوي الشريف

السؤال

إذا ذهبت إلى المدينة المنورة لأزور قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل يجوز ذلك؟

الجواب

لا يجوز أن ينوي بالسفر زيارة القبر، لكن ينوي بالسفر الصلاة في المسجد، فإذا صار هناك زار القبر.

(14/38)

الزيادة في رفع القبر ذريعة للشرك

السؤال

كم يكون رفع القبور؟

الجواب

السنة أن تكون شبراً فقط، ورفعها زيادةً على ذلك ذريعةٌ للشرك.

(14/39)

وضع النقود عند القبر

السؤال

في البلد وعلى الطريق قبر، ولا يستطيع أن يتجاوزه إلا بعد السلام عليه، والدعاء عنده، وإعطاء بعض النقود تحت إلحاح العائلة والزوجة.

الجواب

يقف ليدعو أما أن ينزل إليه ويدفع النقود فلا، فإعطاء النقود ووضعها عند القبر بدعة؛ وهذه النقود هي نقود ليس لها صاحب، بمعنى: لو جاء واحد وأخذها فهي حلال له، لا هي للقبر، ولا لها حرمة، ولا شيء.

(14/40)

جمع حلي المرأة وبناتها لأجل الزكاة

السؤال

عندي بنات وزوجة ولديهن ذهب لا يكمل النصاب إلا إذا جمعته.

الجواب

ليس فيه زكاة، ولا يجب جمعه.

(14/41)

معنى الحيوان في آية العنكبوت

السؤال

{ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت:64] ما معنى الحيوان؟

الجواب

معناه: الحياة الحقيقية المستمرة المستقرة الدائمة.

(14/42)

التوجه في سجود التلاوة

السؤال

إلى أين يتوجه في سجود التلاوة؟

الجواب

في سجود التلاوة يتوجه إلى القبلة.

(14/43)

حكم اتباع مذهب فقهي

السؤال

هل المسلم ملزم باتباع مذهب من المذاهب الأربعة؟

الجواب

لا، إذا كان عامياً فمذهبه مذهب مفتيه، وإذا كان طالب علم فيبحث عن القول الراجح بدليله، ولا حرج من تقليد أحد الأئمة بشرط: أن يَتْبَع الحق إذا عرف أن الحق في غير المذهب.

(14/44)

التراجع عن التعليق في الطلاق

السؤال

رجل جعل على امرأته الطلاق إذا سافرت إلى جدة وإلى أهلها، وبعد مرور مدة غير رأيه.

الجواب

تغيير الرأي لا ينفع، ولا يخرجه من الموضوع بسلام، إذا قصد الطلاق وقع الطلاق لو ذهبت، وإذا قصد اليمين فعليه كفارة يمين لو ذهبت.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

(14/45)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

سلسلة القصص المنجد

قصة مسجد أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه

فضائل أبي بكر لا تحصى، عرفها من عرفها وجهلها من جهل، فإنه كان صاحب فضل وخير على الناس في الجاهلية والإسلام، ولا أعظم من أن يكون أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولذا استبقاه للهجرة معه، وفي هذه المحاضرة شرح لحديث الهجرة، ومنه يتبين فضل أبي بكر، وتوضيح لقصة بنائه لمسجده الذي جعل كفار قريش يفزعون منه، ويخشون على نسائهم وأطفالهم من أن يدخلوا في دينه.

(15/1)

سياق حديث الهجرة وشرحه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فهذا الدرس سيكون عن قصة مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفيَ النهار بكرةً وعشية).

وأبوها أبو بكر وأمها أم رومان رضي الله تعالى عنهما؛ ومعنى: يدينان الدين تعني: يدينان بدين الإسلام، فهي منذ أن وعت في هذه الدنيا وعرفت أبويها؛ عرفتهما مسلمَين.

وعائشة رضي الله عنها تقول: (لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يومٌ إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفَي النهار بكرة وعشية، فلما ابتُلي المسلمون) يعني: بأذى المشركين من كفار قريش وحاصروهم في الشعب، وآذوا المسلمين بالضرب والسجن والقتل والنفي (خرج أبو بكر مهاجراً قِبَل الحبشة) أي: ليلحق بمن سبقه من المسلمين إلى الحبشة، وهؤلاء المسلمون المهاجرون إلى الحبشة ساروا أولاً إلى جدة، وهي ساحل مكة ليركبوا منها البحر إلى الحبشة، بعدما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم.

(فخرج أبو بكر مهاجراً قِبَل الحبشة حتى إذا بلغ بَرْك الغَماد) وبَرْك الغَماد: موضع على خمس ليالٍ من مكة إلى جهة اليمن.

فلما ابتعد أبو بكر من مكة مسيرة خمس ليالٍ وبلغ هذا الموقع، وهو بَرْك الغَماد (لقيه ابن الدَّغِنَة، وهو سيد القارَة) من هو ابن الدَّغِنَة هذا؟ هو رجلٌ مشركٌ كافرٌ يُنسب إلى أمه، وقيل: إلى أم أبيه، والدَّغِنَة معناها في اللغة: المسترخيه، وأصلها الغمامة الكثيرة المطر، ابن الدَّغِنَة هذا هو سيد القارَة؛ والقارَة قبيلة مشهورة من خزيمة بن مدركة بن إلياس، وكانوا حلفاء بني زهرة من قريش، وكان يُضرب بهم المثل في قوة الرمي، ولذلك يقول الشاعر:

قد أنصف القارَة من رماها

فـ أبو بكر لقي ابن الدَّغِنَة في هذا الموضع بعدما خرج من مكة يريد الهجرة إلى الحبشة.

(فـ ابن الدَّغِنَة قال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي) أخرجني قومي أي: تسببوا في إخراجي من بلدي مكة، وأنا أريد أن أذهب متوجهاً إلى الحبشة.

والسياحة في اللغة: أن لا يقصد الإنسان موضعاً بعينه ليستقر فيه، فهو في سياحة يسافر ويرحل بدون قصد موضع معين للإقامة، هذه هي السياحة في اللغة.

فيقول أبو بكر: (فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي، قال ابن الدَّغِنَة: إن مثلك لا يَخرج ولا يُخرج؛ فإنك تكسب المعدوم.

وفي رواية: المعدَم، وتصل الرحم، وتحمل الكلَّ -ومعنى الكل: العاجز الفقير الذي يحتاج من يعوله- وتقري الضيف -يعني: تكرم الضيف- وتعين على نوائب الحق) وهذه الصفات مثل الصفات التي وَصَفَت بها خديجة النبي عليه الصلاة والسلام.

فهذا الرجل المشرك يثني على أبي بكر الصِّدِّيق بأنه يعين في النائبات، وأنه كريم، وأنه يساعد ويغيث الملهوف.

يقول: (وأنا لك جارٌ -أي أجيرك وأمنعك ممن يؤذيك- فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدَّغِنَة ورجع مع أبي بكر فطاف في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج، أتخرجون رجلاً يُكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكلَّ، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدَّغِنَة) فلم تكذب قريش جوار ابن الدَّغِنَة، وأقرت بجواره، وقبلت شفاعته؛ لأن ابن الدَّغِنَة كان سيداً في قومه, وكان له مكانة عند قريش، ولذلك قبلوا شفاعته في أبي بكر، وكفوا عن أبي بكر الأذى.

قالت عائشة: (وآمنوا أبا بكر، وقالوا لـ ابن الدَّغِنَة: مُرْ أبا بكر فليعبُد ربه في داره، فليصلِّ وليقرأ ما شاء، ولا يؤذنا بذلك، ولا يستعلن به) أي: ليس عندنا مانع أن نبقي أبا بكر؛ بشرط أن يخفي دينه في بيته ولا يظهره، ولا يتكلم بشيء من دينه جهراً (فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فقال ذلك ابن الدَّغِنَة لـ أبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره فترة، ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير ذلك، ثم بدا لـ أبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وبرز، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقَصَّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم؛ يعجبون منه، وينظرون إليه، وفي رواية: فيتقذَّف إليه) ومعنى ذلك: أنهم يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فينكسر، ومعنى يتقصفون: يجتمعون اجتماعاً عظيماً حتى إنهم يتساقطون من الزحام والرغبة في السماع، قالت عائشة: (وكان أبو بكر رجلاً بكَّاءً، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين) وذلك لما يعلمونه من رقة قلوب النساء والشباب من أولادهم، وقد يميلون إلى دين الإسلام (فأرسلوا إلى ابن الدَّغِنَة، فقدم عليهم، فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فائته، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فَعَلَ، وإن أبى إلا أن يُعلن ذلك فسَلْه أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك).

أي: إذا رضي أن يعود إلى داخل الدار فله ذلك، وإذا رفض وأصر على الجهر بدينه فاطلب منه أن يرد الأمان الذي أعطيناه بسببك.

(فإنا كرهنا أن نخفرك) أي: نحن لا نريد أن نغدر وقد أعطيناه الأمان بسببك، لا نريد أن نغدر به ونخفر الذمة، فاطلب من أبي بكر أن يرد إليك الجوار إذا كان يريد أن يستمر على هذا الإعلان.

() فإنا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لـ أبي بكر الاستعلان.

قالت عائشة: فأتى ابن الدَّغِنَة أبا بكر فقال: قد علمتَ الذي عقدتُ لك عليه -أي: الشرط بيني وبينك- فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إليَّ ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أُخفرت في رجلٍ عقدتُ له) أي: لا أحب أن يكون صيتي بين العرب وسمعتي أنني أعطيت إنساناً جواراً ثم إن هذا الإنسان غُدِر به، وأن جواري لا قيمة له، فإنني أكره ذلك، فماذا كان جواب الصِّدِّيق رضي الله عنه؟ قال أبو بكر: (إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بـ مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أُرِيت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخلٍ بين لابَتين) أي: أرض مالحة لا تكاد تنبت، وبين لابتين: هما الحرتان، فهاجر مَن هاجر قِبَل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجع إلى المدينة بعض مَن كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجراً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على رسلك! فإني أرجو أن يؤذن لي، قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السَّمُر أربعة أشهر).

هذه رواية مختصرة لحديث الهجرة ساقها الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الحوالة من صحيحه، وهو قد ساق هذا الحديث في عدد من الأبواب من صحيحه، ومنها ما هو في المناقب.

وهكذا كان من شأن أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله تعالى عنه.

(15/2)

الفوائد المستفادة من حديث الهجرة

هذه القصة فيها عدد من الفوائد:

(15/3)

جواز النزول في جوار المشرك ما لم يكن ذلاً

أولاً: فمن المسائل الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع: أن الإنسان المسلم يجوز له أن ينزل في جوار مشرك إذا لم يترتب على ذلك محظور شرعي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر رضي الله تعالى عنه نزوله في جوار هذا المشرك، ولأن دخول الصِّدِّيق رضي الله عنه في حماية هذا الرجل الكافر لم ينبنِ عليه وقوع معصية من أبي بكر، أو وقوع شرك، أو تنازل عن شيء من الدين، وإنما كان ذلك حماية مجانية من ابن الدَّغِنَة، ولم يكن فيها كذلك ذلٌ للصديق رضي الله عنه، ولذلك فإن القبول بمثل هذا في هذه الحالة جائز، بخلاف ما لو ترتب على دخول المسلم في أمان مشرك أو جوار مشرك أن يتنازل عن شيء من دينه؛ كأن لا يقيم شيئاً من الدين، أو ترتب عليه وقوع في معاصٍ، أو ذل، أو أنه يعطي الدنية في دينه.

(15/4)

جواز بناء المسجد في مباح لا يضر بالناس

ثانياً: وكذلك من فوائد هذا الحديث الفقهية ما عنون البخاري رحمه الله عليه في كتاب الصلاة، باب: المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس.

فيجوز للإنسان أن يبني مسجداً في مِلكه، ويجوز أن يبني مسجداً في منطقة مباحة بحيث لا يضر بأحد، وأما بناؤه في مِلك الغير فهو ممنوع بالإجماع.

فإذاً: المسجد يمكن للإنسان أن يبنيه في ثلاثة أماكن: يبنيه في مِلكه.

الثاني: أن يبنيه في مِلك غيره.

الثالث: أن يبنيه في مكان ليس لأحد.

فأما بالنسبة لبنائه في ملكه فهذا جائز بالإجماع.

وأن يبنيه في ملك غيره فهذا ممتنع بالإجماع.

وأن يبنيه في مكان مباح ليس لأحد، هذا جائز إذا لم يكن فيه ضرر على أحد.

وأبو بكر رضي الله عنه قد بنى المسجد بفناء داره، فهو مِلكه يفعل فيه ما يشاء.

ويجوز للإنسان إذا كان عنده بيت كبير أن يبنى مسجداً في جانب منه ويجعل له باباً إلى الخارج ليدخل إليه الناس؛ وهذا لا بأس به ولا حرج، وقد فعله الصِّدِّيق رضي الله تعالى عنه.

(15/5)

جواز الأخذ بالشدة في الدِّين

ثالثاً ومن الفوائد الأخرى في هذا الحديث: جواز الأخذ بالشدة في الدين: فإنه كان يجوز لـ أبي بكر الصِّدِّيق في هذا الوضع أن يبقى في حماية ابن الدَّغِنَة، ويعبد ربه في داره، ولكنه أخذ بالشدة، وأخذ بالأمر الشاق، ورد جوار المشرك، وقبل أن يتحمل الأذى، وقال له: (أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله) فهذا دال على قوة يقين أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، وعلى الأخذ بالأشد في الدين، وأن عنده قدرة على التحمل، ولذلك رد جوار المشرك، ورضي أن يتعرض للأذى في مقابل أن يعلن دينه.

(15/6)

أهمية التزام الأبوين لبناء شخصية الطفل

رابعاً: أهمية نشوء الطفل في أول أمره بين أبويَن مسلمَين في بيت مسلم، وأن هذه النشأة لها أثر بالغ عليه في المستقبل: فـ عائشة رضي الله عنها من أعقل النساء، وأفضل النساء، وأعلم النساء، بل هي أعلم نساء المؤمنين على الإطلاق.

ومن أسباب ذلك: أنها نشأت في أول أمرها بين أبوَين صالحَين، لم يضع من عمر عائشة فترة من الزمن وهي في جاهلية أو شرك أو جهل، أو كفر أو فسق، تقول: (لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين) ولذلك كلما كان التزام الأبوين بالدين مبكراً كان ذلك في صالح الولد أكثر.

وأي تأخر في التزام الأب أو التزام الأم بالدين؛ إنما يكون على حساب الولد؛ لأنه سيضيع فترة من عمر الولد بدون اهتمام أو تعليم؛ لأن الأب جاهل أو بعيد عن الدين، وكذلك الأم.

فلا شك أن الولد

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوَّده أبوهُ

فكلما كان التبكير بالأخذ بالدين والالتزام به، كلما كان ذلك في منفعة الولد ومصلحته.

(15/7)

شدة علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالصديق

خامساً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وثيق الصلة بـ أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه: وكان يشاوره في أمور الدعوة ولا شك، ولذلك كان لا بد أن يمر على الصِّدِّيق يومياً: (ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرَفي النهار بكرة وعشية) وهذا يدل على منزلة الصِّدِّيق من النبي عليه الصلاة والسلام، فهو وزيره الأول.

(15/8)

الهجرة بالدين

وسادساً: أن الإنسان إذا لم يستطع أن يظهر شعائر الدين في بلده فإنه يُشرع له أن ينتقل إلى بلد آخر.

فلما ابتلي المؤمنون خرج الصِّدِّيق مهاجراً، وانتقال الإنسان من بلد إلى بلد آخر لإقامة الدين أمر مهم، بل يجب على المرء إذا لم يستطع أن يقيم شعائر الدين في بلده ما لم تكن في البقاء مصلحة أكبر من مصلحة الهجرة، وأن سلامة الدين أهم من سلامة المال، أو البقاء في البلد، أو الديار، أو الأهل، أو الوطن، وأن الغربة في سبيل الله مطلوبة، ولذلك رضي بها الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهاجر قسم كبير منهم؛ لأجل أنهم لم يكونوا يستطيعون إقامة شعائر الدين في مكة.

(15/9)

أهمية السمعة الطيبة للمسلم

وسابعاً: مكانة وأهمية سمعة الإنسان المسلم بين الناس: فإن الصِّدِّيق رضي الله عنه لا نفاقاً ولا رياءً، وإنما هذا من طبعه رضي الله عنه أنه كان كريماً صاحب معروف، يعطي المعدوم، يصل الرحم، يقري الضيف، يعين العاجز الفقير في النوائب، وهذه الأعمال الخيرية التي كانت في الصِّدِّيق كان لها انتشار بين الناس حتى عُرِف بها الصِّدِّيق، ولذلك لما رأى ابن الدَّغِنَة الصِّدِّيق خرج من مكة قال: (إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج) أي: لا يمكن أن مثل هذا يَخرج أو يُخرج إنسان هذه صفاته، وذكر لهم صفات الصِّدِّيق.

فسمعة الإنسان المسلم بأعمال الخير التي يعملها تكون سبباً في نجاته بإذن الله، وييسر الله له من الناس، ولو من الكفرة والمشركين مَن يحميه أو يدافع عنه بسبب أعماله الخيرية، فيجب أن يحرص المسلم على أن يكون له باعٌ في عمل الخير، لا من أجل أن يحمي نفسه، أو من أجل أن يكون له شافع من الناس، أو جار يجيره، ولكن ذلك من طبيعة هذا الدين، والله تعالى يوصلها إلى الخلق، ويصبح هذا الشخص صاحب سمعة طيبة بين الناس، وعمل الخير ينفع صاحبه دائماً، وفي أوقات الشدة يكون هذا العمل من الأشياء التي تعين الإنسان على إقامة دينه.

(15/10)

نصر الله الدين بالرجل الفاجر

ثامناً: أن الله تعالى قد يقيض من الكفار من يحمي المسلم: إن من الغرائب أن يوجد كافر يحمي مسلماً؛ لكن الله عز وجل يقيض لبعض المسلمين مَن يحميه من الكفار، كما حصل من جوار ابن الدَّغِنَة لـ أبي بكر رضي الله تعالى عنه.

(15/11)

أهمية إعلان الدعوة

الفائدة التاسعة: خطورة وأهمية إعلان الدين والصدع بالحق: وأن إعلاء كلمة الدين والوصول بها إلى المنابر، وإلى الأماكن التي تنفُذ من خلالها إلى الناس أمرٌ في غاية الأهمية, وأن تلك الوظيفة الإعلامية المهمة في نقل الدين إلى الناس لها شأن تأثيري عظيم لا يُستهان به، وأن الكفار كانوا يخشون من مجرد قراءة القرآن، والإعلان بالدين، يخشون على نسائهم وأطفالهم أو شبابهم من وصول كلمة الحق إليهم.

فوجود أماكن ومنابر ووسائل يُنْقَل بها الدين للناس أمر في غاية الأهمية.

(15/12)

قبول الحق والتأثر به ولو كان السامع كافراً

والفائدة العاشرة: أن هناك من الكفار من يسمع الحق ويقبل به، ويتأثر بالحق: فإن هؤلاء النساء والشباب الصغار من الكفار؛ كانوا يجتمعون لدرجة أن بعضهم يركب بعضاً، ويزدحمون على دار الصِّدِّيق، حتى ربما سقط بعضهم من الزحام، ولذلك قال الراوي: (فيتقذَّفوا.

وفي رواية: يتقصَّفوا -يزدحمون عليه- حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر) فهذا من شدة الاجتماع والحضور، قد يوجد من الكفار من يستمع.

(15/13)

الإخلاص عامل تأثير في السامعين

والفائدة الحادية عشرة: أن الإنسان المسلم إذا كان مخلصاً تأثر بكلامه الآخرون، وازدحموا عليه وسمعوا منه، وليس مجرد اجتماع وتجمهر، فإن ذلك يمكن تحصيله بوسائل جمع الناس، لكن التأثير في الناس مسألة قلبية، فأنت ترى في مناسبات كثيرة في الأرض يتظاهرُ آلافٌ مؤلفةٌ، وعشرات الآلاف، ومئات الآلاف؛ ويُجمَعون بوسائل كثيرة من ترغيب أو ترهيب؛ لكن مَن الذي يتأثر ويؤثر، التأثير إنما يكون بناءً على الصدق والإخلاص، فإن الصِّدِّيق رضي الله عنه كان صاحب تأثيرٍ بصِدْقِه وقلبه النقي في الآخرين، حتى خشي الكفار على أولادهم وشبابهم من أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، وقالوا: (فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا).

(15/14)

أثر القرآن في الدعوة إلى الله

والفائدة الثانية عشرة: أن هذا القرآن له أثر كبير في نفوس الناس: ماذا كان يفعل الصِّدِّيق غير قراءة القرآن؟ لا شيء، إنما كان يجهر بالقرآن، كل الذي كان يفعله أبو بكر الصِّدِّيق هو أنه كان يجهر بالقرآن؛ ولكن القوم كانوا عرباً فصحاء يفهمون معاني القرآن، ويتأثرون به، وهكذا ارتضعوا اللغة منذ نعومة أظفارهم، ولذلك كان نساؤهم وشبابهم وصغارهم يتأثرون بالقرآن.

فإذاً: ينبغي أن لا يُغفل دور القرآن في الدعوة إلى الله أبداً، بل ربما يخطب الإنسان خطبة كلها من القرآن، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب بسورة ق.

ومن أثر القرآن، ومكانة القرآن وخطورة شأن القرآن في الدعوة إلى الله، قال الله تعالى في كتابه العزيز عن القرآن: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان:52] جاهدهم به: الهاء ترجع إلى القرآن، فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان:52] أي: بهذا القرآن {جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان:52] فَعُلِمْنا بهذه الآية أن القرآن وسيلة عظيمة للجهاد.

(15/15)

مكانة الجوار والذمة عند العرب واستغلال القرابة في خدمة الدعوة

الفائدة الثالثة عشرة: أن الجوار والذمة كان لها عند العرب شأن كبير: ولا زال الأمر كذلك عند كثير من أهل البادية؛ أنهم يقيمون وزناً للجوار والذمة، وأن هذه المسألة يمكن أن يستفاد منها في الدعوة إلى الله تعالى كما حصل هنا في حماية الداعية إلى الله وهو أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله تعالى عنه.

والنبي صلى الله عليه وسلم قد استفاد من علاقاته القَبَلِيَّة، واستفاد من قراباته؛ فمَنَعَه قومُه وأقرباؤه، وبنو هاشم كان لهم دور، وعهد الصحيفة وحصار الشعب إنما انتهى بأن قام ناس من الكفار فأنهوه لقرابتهم من بني هاشم.

إذاً: فالقرابات والعلاقات لها أثر في حماية الدعوة أو الداعية، فإنه لا ينبغي أن يُستهان بها، ولولا أن علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بأقربائه كانت قوية لِحُسْنِ معاملته لما دافعوا عنه، ولا ردوا عنه، ولا أُنْهِي حصار الشعب.

فإذاً: ينبغي أن تُقَدَّر هذه القضية حق قدْرها.

(15/16)

فضل أبي بكر الصديق وخشيته لله

وكذلك يؤخذ من هذا الحديث: فضل البكاء من خشية الله: وأن أبا بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه من مناقبه: أنه كان رجلاً بكاءً، إذا قرأ القرآن لم يملك عينه، يعني: من الدمع والبكاء، وهذا من مناقبه رضي الله عنه، وكثير من الناس مع الأسف لا يعرفون مناقب الصِّدِّيق جيداً، ولا يتعرفون على شخصيته جيداً، وربما بعضهم يعرف بعض الأشياء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو عن علي بن أبي طالب؛ لكن لا يعرفون كثيراً عن الصِّدِّيق، مع أن الصِّدِّيق أفضل الجميع بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي معرفة شأن الصِّدِّيق رضي الله عنه في رقة قلبه وإيمانه، وسبقه في الخير والدعوة، وعموم أفعال البر التي كان يعملها، ومكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يمر عليه في اليوم مرتين بكرة وعشية، وأنه الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى حتى يهاجر معه، وأخبره عليه الصلاة والسلام أنه يرجو أن يؤذَن له بالهجرة، فيبقى الصِّدِّيق لكي يهاجر معه، ولذلك حبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلف الراحلتين وجهزهما، وحماه، وخاف عليه، وأصيب بالحزن لما اقترب الكفار من الغار، وهو الذي حلب له اللبن وبرَّده، وكان يضع له ذلك الشيء في الظل حتى يستريح عليه، وكان يورِّي، فكان يقول إذا سئل في الهجرة: (هذا رجل يهديني الطريق) حتى لا يعرف النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الذي أتى بغلامه ليدل على الطريق، وهو الذي أتى بابنه يرعى الغنم، وهو الذي أتى بابنته أسماء التي كانت تأتي بالطعام وتربطه بنطاقَيها، حتى سميت بـ ذات النطاقين.

ففضل الصِّدِّيق في الدعوة إلى الله وفي الإسلام، ومكانة الرجل في الإسلام عظيمة ينبغي أن تحفظ له، وأن ندعو الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل العظيم أن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، لما قدم وأعان في نصرة هذا الدين.

وهذا الحديث من تأمل فيه يجد مزيداً من الفوائد؛ خصوصاً في مجال الدعوة والتعامل مع الآخرين، وكيف يستفيد الإنسان من الواقع، ومن الإمكانات المتاحة في الدعوة إلى الله عزوجل.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع الصِّدِّيق في الدرجة العالية وأن يجزيه خير الجزاء.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(15/17)

قصة مقتل خبيب بن عدي

كثير هم الذين يموتون بأسباب شتى، لكن التاريخ لا يُسطَّر إلا لمن مات مدافعاً عن دينه وعقيدته، ومن أولئك النفر خبيب بن عدي رضي الله عنه وأصحابه في غزوة الرجيع، وهنا بيان لقصة مقتله مع ذكر فوائد مستقاة من تلك الأحداث.

(16/1)

قصة غزوة الرجيع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فهذه القصة التي سنذكرها -إن شاء الله تعالى- هي قصةٌ من قصص الصحابة رضي الله عنهم مما حصل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تبين شيئاً من تضحيات أولئك النفر العظام في سبيل هذا الدين، وكيف اصطفى الله منهم شهداء.

وقد روى هذه القصة الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب: المغازي من صحيحه، وفي كتاب: الجهاد والسِّيَر، وأبو داوُد رحمه الله في كتاب: الجهاد من سننه، وكذلك أخرجها الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم سريةً عيناً -عشرة رهط- وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت، فانطلقوا حتى إذا كانوا بـ الهدَأة بين عُسْفان ومكة -اسم موضع- ذُكِروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لِحْيان -وبنو لِحْيان كانوا مشركين- فتبعوهم بقريب من مائة رامٍ، فتتبعوا آثارهم حتى أتوا منزلاً نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد) وهو المكان المرتفع عن الأرض، حيث حاصر المشركون هؤلاء العشرة المسلمون في هذه الغزوة وهي غزوة الرجيع.

(وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا -أي: المشركون-: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم -وهو أمير السرية-: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب، وزيد، ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق، نزلوا إليهم) نزل المسلمون الثلاثة إليهم، وقد عنون البخاري رحمه الله على هذه القصة ب

السؤال

هل يستسلم المسلم للكفار أم لا؟ هل يرضى بالأسر أم لا يرضى، أم يقاتل حتى يُقتل؟ (فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها -ربطوا المسلمين بوتر القوس- فقال الرجل الثالث -المسلم- الذي معهما: هذا أول الغدر -ربطنا معناه: غدر- فأبى أن يصحبهم، فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل -رفض الانقياد- فقتلوه، وانطلقوا بـ خبيب وزيد حتى باعوهما بـ مكة -من كفار قريش- فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث يوم بدر، فأهل الحارث المشرك اشتروا خبيباً لينتقموا منه ويقتلوه- فمكث عندهم أسيراً حتى إذا أجمعوا على قتله استعار مُوسَىً من بعض بنات الحارث - موسىً ليستحدَّ بها -أي: ليحلق العانة- فأعارته، قالت المرأة -التي كانت مشركة-: فغفلت عن صبي لي فدَرَج إليه -حبا إلى مكان موضع الأسير المسلم- فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعةً عرف ذاك مني -عرف أني الآن فزعةٌ على الولد- وهو في يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذاك إن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بـ مكة يومئذٍ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم، فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدتُ -أي: على ركعتين- فكان أول من سن الركعتين عند القتل، ثم قال: اللهم احصهم عدداً، ثم قال:

ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزَّعِ

ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم -أمير السرية الذي قُتل في الطريق- ليؤتَوا بشيء من جسده يعرفونه -يقطعوا قطعة من جسده وهو ميت- وكان عاصم قد قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبْر -سحابة من زنابير النحل تغطي جسده، وتظله- فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء) ما استطاعوا مطلقاً أن يأخذوا قطعة من جسده.

(16/2)

شرح قصة غزوة الرجيع

هذه القصة هي قصة غزوة الرجيع، والرجيع: اسم موضع كانت هذه الوقعة بالقرب منه، وغزوة الرجيع هذه غير غزوة بئر معونة، هؤلاء عشرة والذين في بئر معونة كان عددهم سبعون رجلاً من القراء.

وحديث عَضْل -وهم بطن من بعض قبائل العرب- والقارَة أكمة سوداء فيها حجارة نزلوا عندها، ويُضرب بهم المثل في الرمي.

وقصة العضل والقارَة كانت في غزوة الرجيع في أواخر السنة الثالثة من الهجرة.

وبئر معونة كانت في أوائل السنة الرابعة من الهجرة.

(16/3)

وقوع أصحاب الرجيع في كمين ومقتل أمير السرية

أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عاصم بن ثابت مع هؤلاء الصحابة العشرة فغدر بهم بنو لِحْيان.

ما هو السبب في إرسالهم؟ النبي صلى الله عليه وسلم أرسلهم سريةً -وقيل: إنه أرسلهم يأتون له بأخبار قريش، أي بعثهم عيوناً له صلى الله عليه وسلم- وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت -لما كانوا في الطريق بين عُسْفان ومكة خرج لهم هؤلاء القوم من بني لِحْيان المشركين- فتبعوهم بقريب من مائة رامٍ.

وفي رواية: مائتي رجل -مائة رماة، ومائة من غير رماة- فتتبعوا آثارهم حتى أتوا منزلاً نزلوه، فوجدوه نوى تمر هؤلاء الصحابة نزلوا بـ الرجيع في هذا المكان في السحر، وأكلوا تمر عجوة فسقطت نواة في الأرض وكانوا يخفون آثارهم.

كان عيون النبي عليه الصلاة والسلام يسيرون بالليل، ويكمنون بالنهار؛ لكن {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} [الأنفال:42] {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران:140] سقطت نواة من نوى تمر يثرب؛ لأن التمر الذي كان معهم من تمر المدينة فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنماً فرأت النواة، فأنكرت صغرها -صغر النواة بالنسبة لحجم النوى في تلك المنطقة- فقالت: هذا تمر يثرب، فصاحت في قومها: أوتيتم فجاءوا في طلبهم، فتتبعوا آثار الصحابة حتى لحقوهم، ففوجئ الصحابة بهؤلاء القوم قد غشوهم وحاصروهم، فلجأ هؤلاء الصحابة العشرة إلى مرتفع من الأرض، وبدأ المشركون بالخداع، وقالوا: نعطيكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا مستسلمين ألا نقتل رجلاً منكم ولا نريد أن نقاتلكم.

فقال عاصم أمير السرية أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ولا أقبل عهد مشرك هؤلاء الناس لا يخافون الله، وليس لهم عهد ولا ميثاق: {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً} [التوبة:8] فرفض أن يستسلم وقاتل، وقبل أن يموت قال: اللهم أخبر عنا رسولك، دعا عاصم الله عز وجل أن يبلغ خبر حصار المشركين لهم؛ وما حصل لهم للنبي عليه الصلاة والسلام، فاستجاب الله لـ عاصم وأخبر رسوله بالخبر، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه في المدينة بالخبر في اليوم نفسه، أن عاصماً قتل ومعه سبعة بنبل الرماة المشركين، وبقي خُبيب بن عدي، وزيد بن الدَّثِنة، وعبد الله بن طارق.

(16/4)

مقتل خبيب وأصحابه

رأى هؤلاء المسلمون الثلاثة أن يَستأسروا -أي: ينزلوا أُسارى- فلما نزلوا ربطوهم، ولما أرادوا ربطهم رفض الثالث أن يستسلم، وجرُّوه وحاولوا أن يأخذوه، فما طاوعهم، فقتلوه، فبقي خُبيب بن عدي وزيد، فأخذوهما حتى باعوهما بـ مكة، وانتهزوا فرصة أن قريشاً تريد الثأر من قتلاها يوم بدر، فباعوا خبيب بن عدي وزيداً إلى الكفار، باعوهما أسيرين، خبيب -كما تقدم- قتل الحارث بن عامر يوم بدر وكان من المشركين، فأهله أرادوا الانتقام واشتروا خبيباً ليقتلوه ويكون ذلك انتقاماً لمقتل أبيهم.

فمكث عندهم خبيب رضي الله عنه أسيراً حتى إذا أجمعوا على قتله عندما انقضت الأشهر الحرم أخرجوهما إلى التنعيم لقتلهما.

وجاء في رواية: أنهم أساءوا إليه في أول الأسر، فقال لهم: [ما تصنع القوم الكرام هذا بأسيرهم] فأحسنوا إليه، وجعلوه عند امرأة تحرسه.

وفي رواية: أنهم جعلوه عند موهب مولى آل نوفل، فقال له خبيب: يا موهب! أطلب إليك ثلاثاً: أن تسقيني العذب؟ وأن تجنبني ما ذُبح على النصب، أي: لا تعطني طعاماً مذبوحاً على النصب، أي: للأصنام والآلهة.

وأن تُعْلِمَني إذا أرادوا قتلي.

حتى إذا أجمعوا على قتله أراد أن يتهيأ رضي الله عنه للقتل، فيحتاج إلى إزالة الشعر الذي لا بد من إزالته- فاستعار موسىً) طلب موسى لأجل حلق العانة من هذه المرأة، زينب بنت الحارث، أخت عقبة بنت الحارث، وعقبة بن الحارث هو الذي قَتل خبيباً، وقيل: إن المرأة التي تحرس خبيباً هي أخته أو زوجته، فاستعار منها موسى، فدرج ولد لها - كان عندها صبي غفلت عنه، فالصبي هذا درج- حتى وصل إلى مكان الأسير الموثق بالحديد -المربوط- وبيده الموسى، فنظرت إليه -وانتبهت- فزعةً، وظنت أنه يريد أن يقتله؛ لأنه ما دام هو مقتول فلينتقم منهم بقتل الولد ما دام قد قُدِر عليه، ولكن الأسير المسلم ما كان ليقتل الأطفال، وما ذنب الأطفال؟! فتركه وقال: أتخشين أن أقتله؟! لا أقتله إن شاء الله -تقول هذه المرأة في ذكرياتها عن خبيب: إنها رأته وهو في الأسر وهو مقيد- في يده عنقود عنب مثل رأس الرجل -أي: في الحجم يأكل منه -ومكة كلها ما فيها عنب ولا ثمر أصلاً، فهي تذكر هذا المشهد جيداً، وأن خبيباً رُزِق من الله بهذا القطف من العنب- ولما خرجوا بـ خبيب من الحرم، أي: من منطقة الحرم إلى التنعيم؛ لأن التنعيم خارج الحرم في الحل، ولذلك يحرم منها من أراد العمرة من أهل مكة أو من في حكمهم ممن ذهب إليهم إذا أراد أن يعتمر لابد أن يحرم من الحل، وأقرب موضع من الحل إلى الحرم هو: التنعيم، والمكان الذي أحرمت منه عائشة وفيه مسجدها إلى اليوم يحرم الناس عنده، فإن الحل الذي يخرج الإنسان إليه في عدة أماكن؛ الجعرانة والتنعيم وغيرها.

أخرجوه خارج الحرم؛ لأن قريشاً كانت تعتقد أنه لا يجوز القتل داخل منطقة الحرم وفي الأشهر الحرم، فانتظَروا الأشهر الحرم حتى تمضي، وأخرجوا خبيباً إلى خارج منطقة الحرم إلى التنعيم ليقتلوه، فلما أرادوا قتله، قال: دعوني أصلي، فصلى ركعتين -في موضع مسجد التنعيم - وقال للكفار: لولا أنكم تظنون أني أخشى الموت لزدتُ -صليتُ ركعتين أخريين، لكنه اكتفى بهاتين الركعتين- ثم دعا الله، قال: (اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً -أي: متفرقين- ولا تبقِ منهم أحداً).

وفي رواية: قال: (اللهم إني لا أجد من يبلِّغ رسولك مني السلام فبلِّغه).

وفي رواية: فلما رفع على الخشبة استقبل الدعاء، قال: فلبد رجل بالأرض خوفاً من دعائه، وكانت قريش تعتقد أن الإنسان المدعو عليه إذا نزل بالأرض وألصق جنبه بها فاتته الدعوة -أي: ما أصابته الدعوة- وأحد الكافر عندما دعا خبيب لبد بالأرض مباشرة.

وجاء عند ابن إسحاق: أن معاوية بن أبي سفيان كان مع أبيه، وكان أبوه مشركاً في ذلك الوقت، قال: [كنتُ مع أبي، فجعل يُلقيني إلى الأرض حين سمع دعوة خبيب] أول ما سمع أبو سفيان الدعاء ألقى معاوية إلى الأرض مخافة أن تصيبه الدعوة بحسب ما كانوا يعتقدون، فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بخبر خبيب -فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ذلك اليوم وهو جالس: وعليك السلام يا خبيب! قَتَلَتْه قريش.

وقال هذه الأبيات العظيمة:

ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزَّع

الأوصال: جمع وصل، والوصل: هو العضو.

والشلو: الجسد.

ممزَّعِ: مقطع.

وقد ساق ابن إسحاق في روايته عدة أبيات قالها خبيب، ربما تصل إلى ثلاثة عشر بيتاً، وبعضهم ينكر أن تكون له، والذي في صحيح البخاري هذان البيتان، وعند ابن إسحاق:

لقد جمع الأحزاب حولي وألَّبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمعِ

وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم وقُرِّبتُ من جذع طويل ممنعِ

إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي وما أرصد الأعداءُ لي عند مصرعي

فذا العرش صبرني على ما يراد بي فقد قطعوا لحمي وقد يئس مطمعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزَّعِ

وقد خيروني الكفر والموت دونه وقد همَلَت عيناي من غير مجزعِ

وما بي حذارُ الموت إني لميتٌ ولكن حذاري جحم نار ملفَعِ

فوالله ما أرجو إذا مت مسلماً على أي جنب كان في الله مضجعي

على أية حال! هذان البيتان في صحيح الإمام البخاري رحمه الله، ومنها الأبيات التي قالها خبيب، وقيل: إن حسان بن ثابت رضي الله عنه قد رثاه بأبيات منها:

ما بال عينك لا ترقى مدامعها صحاً على الصدر مثل اللؤلؤ الفلقِ

على خبيب فتى الفتيان قد علموا لا فََشِلٍ حين تلقاه ولا نزقِ

فاذهب خبيب جزاك الله طيِّبةً وجنة الخلد عند الحور في الرُّفُقِ

ماذا تقولون إن قال النبي لكم حين الملائكةُ الأبرارُ في الأفقِ

فيمَ قتلتم شهيد الله في رجلٍ طاغٍ قد أوعث في البلدان والرُّفَقِ

فرثاه حسان بن ثابت وكان لسان إعلام المسلمين.

(16/5)

إكرام الله لجسد عاصم بن ثابت

وأما بالنسبة لـ عاصم بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- الذي هو أمير السرية، فإنه لما قُتل أراد الكفار قطعة من جسده، وقيل: إنهم أرادوا أن يأخذوا رأسه؛ لأن قريبة له نَذَرَت أن تشرب الخمر في قحف رأسه -قريبة للمقتول المشرك الذي قتله عاصم في بدر أرسلوا رسلاً منهم ليأتي برأس عاصم -فأرسل الله الظلة السحابة- من الزنابير -أي: ذكور النحل- فحمته منهم، ولم يستطيعوا أن يمدوا أيديهم ليأخذوا شيئاً من جسده، فلم يقدروا منه على شيء.

(16/6)

فوائد من غزوة الرجيع

هذه القصة العظيمة فيها فوائد كثيرة للغاية: هذه القصة العظيمة فيها فوائد كثيرة للغاية: 1 - منها: تضحية صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وخروجهم لنصرة الله ورسوله بالرغم من الأخطار التي كانت موجودة.

2 - أن العلماء قد تكلموا في مسألة المسلم هل يجوز له أن يستأسر أم أنه لا يمكِّن من نفسه ولو قُتل أَنَفَةً من أجل أن يجري عليه حكم الكافر؟ فقال العلماء: هنا عزيمة ورخصة: فالعزيمة: أن المسلم يمتنع من الأسر حتى لو قتلوه.

والرخصة: أنه يجوز له أن يقع أسيراً.

فإذا رأى أن من المصلحة أن يوقع نفسه أسيراً أوقع نفسه أسيراً، وإذا أخذ بالعزيمة، وقال: أقاتلهم حتى يقتلوني، وأرفض الوقوع في الأسر؛ فإنه مأجور على فعله ذلك.

3 - الامتناع عن قتل أولاد المشركين وأطفالهم.

4 - كرامات أولياء الله تعالى واضحةً جداً في هذه القصة: أ- أن قِطْف العنب عند خبيب كرامة من الله، ولا يوجد في مكة عنب، والمرأة فوجئت بعنقود من العنب كبير بحجم رأس الرجل بين يدي خبيب.

ب- أن عاصم بن ثابت حماه الله بالظلة -السحابة- من النحل تظله، وهذه كرامة من كرامات الله تعالى.

جـ- تبليغ الخبر للنبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الله أن يبلغ نبيه الخبر، ووصول الخبر في الوقت نفسه من كرامات الله لهم.

إذاً كرامات الله عز وجل ثابتة ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أننا نوقن ونعتقد أن الله يخرق العادة لبعض أوليائه، ويجري الله تعالى كرامات على أيدي أوليائه، ويكرمهم بخرق العادة لهم.

فقد يكون خرق العادة بأن يأتيهم بطعام لا يوجد في البلد مثله.

يأتيهم بفاكهة الصيف في الشتاء أو العكس، مثلما كان لمريم عندما كان يأتيها رزقها وهي في مكان صلاتها {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً} [آل عمران:37] وهذا الرزق من الله وليس من أحد من البشر.

ربما يكرمهم الله بالمشي على الماء، بأن تخوض الخيول الماء مع أن العادة جرت بأن الخيل لا يركب البحر أبداً ويغرق، ومع ذلك ركبت خيول المسلمين البحر في بعض الغزوات، وما غرق أحد منهم، وما فقدوا شيئاً، حتى إن بعضهم فقد مطهرة، فلما عبروا إلى الشاطئ الآخر، قال: ربِّ مطهرتي، فرماها البحر بعد قليل إلى الشاطئ، وأخذ المطهرة؛ وهي الإناء الذي يتطهر به.

وكان في يد بعض الصحابة نور، جعل الله له نوراً في يده في الظلام يضيء له الطريق، الأول أسيد بن حضير، والثاني عباد بن بشر.

وسلمت الملائكة على عمران بن حصين.

وطعام أبي بكر الصديق كفى أعداداً من الناس، كلما أكلوا لقمة ربا من تحتها مكانها، فتركوه أكثر مما بدءوا.

وهذه الكرامة منة من الله يعطيها من يشاء من أوليائه.

إن قال قائل: ما هو الفارق بينها وبين الخارقة التي تكون للساحر والكاهن والمشعوذ؟! ربما يفعلون كرامات، ربما يطير الساحر والمشعوذ في الهواء، ربما يمشي على الماء، إذاً هذه خوارق وهذه خوارق! نقول: نعم.

والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: أولاً: أن حال ولي الله الذي يُجري الله على يديه الكرامات أنه متمسك بشرع الله، صحيح العقيدة، يقوم بالواجبات، ويمتنع عن المحرمات.

أما المشعوذون والسحرة: فإنهم مشركون عقائد فاسدة، يتعاملون مع الشياطين، ربما لا يصلون، يمتنعون عن الواجبات، ويفعلون المحرمات، وربما يشربون الخمور، ويزنون، ويرتكبون الموبقات.

ولذلك لا يغتر أحد بخرق العادة، فالعادة قد تنخرق، فالدجال من فتنته أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تخرج كنوزها فتخرج كنوزها، يَقسم رجلاً قسمين -يضربه بالسيف نصفَين- ثم يرده، ويقول: قم، فيقوم بأمر الله، الناس يشاهدون معه جنة ونار متنقلة، فالدجال معه خوارق عظيمة جداً؛ لكنه مع ذلك كافر يهودي بن يهودي، ولذلك فإن الفارق الأساسي بين الولي وبين المشعوذ أو الدجال: حال هذا وحال هذا، هذا أعظم شيء؛ ولذلك لا بد أن ننظر في حال الشخص الذي يدعي الخوارق، أو الذي حصلت له خارقة، هل هو مستقيم على الشريعة أم هو رجل منحرف؟ صحيحُ العقيدة أم رجل مشرك أو مبتدع؟ هل يقوم بالواجبات ويمتنع عن المحرمات أم إنسان يرتكب الموبقات؟ ثم إن الولي إذا حصلت له الخارقة لا يخبر الناس يقول: يا أيها الناس! حصل لي كذا وكذا، وإنما يظهرها الله بطريقة، أو تنتقل وتنتشر، وربما ما عرفت إلا بعد وفاته، أما الدجال المشعوذ فيقول لك: تعال انظر، ويدعوك إلى رؤية ما عنده، ويتظاهر ويتباهى بما عنده، أما أولياء الله إذا حصل له شيء لا يخبر الناس، ويقول: أنا كنت في الصحراء وعطشت وأوشكت على الموت، فأرسل الله لي قربة ماء بين السماء والأرض فشربت منها، لا يقول هذا، وإن حصل له يكتمها من باب الإخلاص حتى لا يدعي الولاية ويتباهى بذلك بخلاف ذلك المشعوذ.

ثم إن هؤلاء كثيراً ما يكون خرق العادة بالنسبة لهم من جهة التعاون مع الجن، الجن -مثلاً- يخدعون أعين الناس، فمثلاً: قد يجعلوا سيخ الحديد يخترق جسد هذا المشعوذ بدون قطرة دم يمشون على المسامير الحادة جداً، يدخل النار فلا يصيبه شيء، وقد يكون هذا الشيء الذي يفعله بحيلة، مثلاً: يطلي جسده بنوع من زيت النارنج أو ببعض الأشياء التي لها مقاومة للنار.

الآن هناك كراسي وجلود وأشياء مصنَّعة مقاومة للنار وللاحتراق، يقول لك: هذه قاعة المحاضرات كلها ضد الاحتراق أي: لا يحترق لا السجاد ولا المقاعد ولا السقف ولا الجدران؛ لأنها مطلية كلها بمادة مقاومة للاحتراق، كما ناظر ابن تيمية رحمه الله فرقة البطائحية الصوفية المنحرفين، قالوا: نحن ندخل النار ولا يضرنا، قال: أولاً: نغتسل كلنا، تغتسلون أمامي، ثم أدخل أنا وأنتم إلى النار، فرفضوا ذلك، وقصة مناظرته لهم معروفة مشهورة.

والخلاصة: أن هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم حصلت كرامة الله عز وجل لهم.

5 - كذلك في هذه القصة من الفوائد: أن الله سبحانه وتعالى يبتلي العباد بما يشاء، مع أن هذه كانت مصيبة -ولا شك- في المجتمع المسلم أن يُفقد عشرة من أفضل أفراده؛ لكن الله سبحانه وتعالى له حكمة: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران:140] يريد الله عز وجل أن يكرم هؤلاء المسلمين، ويريدهم لهذا الجزاء، والله يعلم أن ذهابهم إليه أفضل من بقائهم في الدنيا.

الآن حياة خبيب بعد الموت أفضل له من حياته قبل الموت، فمن ناحية الهم والغم والحزن والمرض والشقاء والتعب لا يوجد، فما بعد الموت لمثل هؤلاء نعيم، فهو الآن في قبره يُملأ عليه خَضِراً إلى يوم يبعثون، يُنَوَّر له، يأتيه عمله الصالح في أحسن حال، يُفتح له باب إلى الجنة، وفتَحْةُ الباب إلى الجنة تكفي عن كل الذي في الدنيا، ونظرته إلى أهله وماله من هذه النافذة التي في القبر إلى الجنة، ينظر إلى أهله والحور العين، وماله الذي هو في الجنة وهو في القبر أحسن له من كل هذه الدنيا، ولذلك ليس شيئاً محزناً من جميع النواحي أن يقتل خبيب وأصحابه؛ لأن في المقابل توجد كرامة ونعيم عند الله أحسن من هذه الدنيا، فالله عز وجل من محبته لأوليائه أن يعجل بأخذهم وبرحيلهم عن الدنيا، هذا سر مهم؛ أن الله يحبهم فيريدهم أن ينتقلوا عنده بسرعة.

ذهب أبو بكر وعمر ليزورا أم أيمن كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يزورها في حياته، قالوا: إن النبي عليه الصلاة والسلام مات وكانت له عادة حسنة في زيارة هذه العجوز -المرأة الكبيرة- أمه من الرضاعة، فنواصل عادة النبي عليه الصلاة والسلام، فذهبا إلى أم أيمن، ولما جلسا عندها رضي الله عنها؛ بكت، فظنَّا أنها بكت حزناً على فراق النبي عليه الصلاة والسلام وموته، فقالا لها: [أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله؟!] أي: ما عند الله أفضل للنبي عليه الصلاة والسلام من بقائه عندنا في الدنيا، هموم وغموم وأحزان وأمراض، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص:60] فقالت: [نعم!] تعلم ذلك؛ ولكنها تبكي أن الوحي قد انقطع، لأجل هذا حزنت.

6 - وكذلك في هذا الحديث: أن من سنن الفطرة حلق العانة: والفطرةُ سننٌ كثيرة، جاء مجموع عشرٍ منها في حديث واحد، وبمجموع الأحاديث قد تصل إلى أكثر من عشر سنن.

- فالمضمضة من سنن الفطرة.

- والاستنشاق من سنن الفطرة.

- والسواك من سنن الفطرة.

- واللحية من سنن الفطرة.

- وغسل البراجم والأشاجع؛ غسل ما بين الأصابع، وما في هذه الانثناءات الموجودة في الأصابع، هذا من الفطرة؛ لأنه يتجمع فيها الزءومة والوسخ؛ فغسلها والاعتناء بغسلها من هذه الفطرة.

- الختان من الفطرة.

- نتف شعر الإبط من الفطرة.

- قص الأظافر من الفطرة.

- حلق العانة؛ ما حول القُبُل من الشعر الخشن من الفطرة.

هذا الذي أراد أن يفعله خبيب رضي الله عنه، وقد ذكر العلماء أن الحلق بالموسى أفضل من القص بالنسبة للعانة، كما أن النتف للإبط أفضل؛ لكن لو أزاله بأي مزيل جاز، أي: لو قال شخص: أنا لا أقوى على نتف الإبط؛ لأنه يؤلمني جداً، فهل يجوز لي أن أستخدم مزيلاً لإزالة الشعر الذي في الإبط؟ نقول: نعم، لا بأس بذلك، المهم: الإزالة؛ منعاً للروائح الكريهة؛ لأن الإسلام يعتني بنظافة المسلم في جسده، فتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، وغسل البراجم، والاستنشاق، والاستنثار، هذه كلها نظافة للمسلم.

وأيضاً حفاظاً على الهيئة الحسنة: اللحية.

وكذلك الختان؛ حتى لا تتجمع الأوساخ والأشياء الضارة، فلذلك صار الختان واجباً للذكور، مستحباً للإناث، فالختان أيضاً من الفطرة.

إذاً: الدين يأمر بكل ما فيه تنظيف وتطهير وتطييب لجسد المسلم.

فالشاهد أن الاستحداد -استخدام الحديدة والموسى أو الشفرة في حلاقة العانة- أفضل من قصه أو إزالته بأي مزيل، مع أن الإزالة بأي مزيل آخر جائز.

7 - كذلك في هذا الحديث: أن التجسس في الحرب من الأش

(16/7)

الأسئلة

(16/8)

نهج البلاغة في الميزان

السؤال

ما رأيك في كتاب نهج البلاغة؟

الجواب

كتابٌ مسمومٌ يُحذرُ منه، منسوبٌ إلى علي رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه بريء من كثير مما فيه.

(16/9)

حكم رد المرأة على الهاتف

السؤال

ما حكم إذا رَدَّت المرأة على الهاتف، وأجابت عن سؤال؟

الجواب

إذا لم يكن خضوعاً بالقول وكان لحاجة فلا بأس.

(16/10)

آداب زيارة العديل لعديله

السؤال

ما هي آداب زيارة العديل لمنزل عديله؟

الجواب

المقصود بالعديل هنا عند الناس هو: زوج أخت الزوجة، فيقولون مثلاً: هذان عديلان، أو هؤلاء عدلاء، أي: أزواج لأخوات؛ فإذا زاره في بيته، فلا يجوز الخلوة بالمرأة؛ لأنها ليست من المحارم، وهي من المحرمات عليه على التأبيد، ولا يجوز له النظر إليها بطبيعة الحال، ولا يجوز الاختلاط.

(16/11)

حكم من ترك الطواف بالبيت أثناء العمرة بسبب المشقة

السؤال يقول: بعد فراغي من أداء مناسك العمرة أردت أن أطوف بالبيت، وحين أنهيت الشوط الثالث ازداد الزحام، فخرجت ولم أتمكن من الطواف، فهل يجب علي شيء؟

الجواب

طَيِّبٌ! ما عرفنا ما فعلتَ الآن بعد هذا! هل أكملت الطواف مثلاً من السطح، أو الدور الثاني؟! هل خرجت خارج الحرم ثم رجعت وأكملت؟! هل أعدت من الأول؟! هل رجعت طفت، أتيت بربع عمرة وجئت؟! ماذا فعلت؟! فما عرفنا الآن ماذا فعلت.

فعلى أية حال لو فرضاً على أسوأ الحالات أنك رجعت ولا زلت باقياً على إحرامك حتى هذه اللحظة، لا بد أن تعود وتلبس ملابس الإحرام وتذهب تكمل وتأتي بالعمرة، وتأتي بالطواف من جديد.

وإذا صار ما هو أسوأ وأتيت زوجتك يعني: أفسدت العمرة الأولى، فعليك بالتوبة، وعليك بالذهاب بالإحرام والطواف والسعي لإتمام العمرة الفاسدة، وتعود إلى الميقات الأول وتحرم منه لعمرة جديدة بدل العمرة الفاسدة، ثم تدفع دماًَ في مكة يوزَّع على فقراء الحرم.

أما إذا كنت -مثلاً- طفت ثلاثاً من تحت، ثم صعدت إلى الدور الثاني فأتيت بالأربعة تكملة السبعة ففعلك صحيح؛ لأنه ما دام أنه رجع، فأكيد أنه الآن أكمل السبعة أو رجع بدون إكمال السبعة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جلباب المرأة المسلمة للشيخ الألباني

  جلباب المرأة المسلمة صفحة رقم -35-  مقدمة الطبعة الأولى :   بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم : ( يا...