Translate

Translate ترجم الصفحة لاي لغة تريد

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 فبراير 2024

رسالة الإمام أبي نصر السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت {*}

رسالة الإمام أبي نصر السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت


رسالة الإمام أبي نصر السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت

مقدمة المؤلف

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله أجمعين.

أما بعد:

فقد ذكر لي عنكم، وفقنا الله وإياكم لمرضاته، وقوفكم على كتاب الإبانة الذي ألفته في الرد على الزائغين في مسألة القرآن، وأنكم وجدتم المخالفين ببلدكم يشغبون عند ذكر الحرف والصوت، وأنه قد صعب عليكم تجريد القول فيهما، واستخراج ذلك من الكتاب لكثرة الأسانيد المتخللة للنكت التي تحتاجون إليها، وسألتم إفراد القول في هذا الفصل بترك الأسانيد، ليسهل عليكم الأخذ بكظم المخالف ورد الإسناد معه وسامحت نفسي بذلك رجاء وصولكم إلى طلبتكم، وحصول العلم لكم بفساد مذهب الخصم والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

اعلموا أرشدنا الله وإياكم أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة وهم معهم بل أخس حالا منهم في الباطن في أن الكلام لا يكون إلا حرفا وصوتا ذا تأليف واتساق وإن اختلفت به اللغات.

وعبر عن هذا المعنى الأوائل الذين تكلموا في العقليات وقالوا: الكلام حروف متسقة وأصوات مقطعة.

وقالت العرب: الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى فالاسم مثل: زيد وعمرو وحامد والفعل مثل: جاء وذهب وقام وقعد والحرف الذي يجئ لمعنى مثل: هل وبل وما شاكل ذلك.

فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفا وصوتا فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل وهم لا يخبرون أصول السنة ولا ما كان السلف عليه، ولا يحتجون بالأخبار الوارد في ذلك زعما منهم أنها أخبار آحاد وهي لا توجب علما وألزمتهم المعتزلة أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف وصوت ويدخله التعاقب والتأليف وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون ولا بد له من أن يكون ذا أجزاء وأبعاض وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله لأن ذات الله سبحانه لا توصف بالاجتماع والافتراق والكل والبعض والحركة والسكون وحكمة الصفة الذاتية حكم الذات.

قالوا: فعلم بهذه الجملة أن الكلام المضاف إلى الله سبحانه خلق له أحدثه وأضافه إلى نفسه كما تقول:عبد الله، وخلق الله وفعل الله.

فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإلزام لقلة معرفتهم بالسنن وتركهم قبولها وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل فالتزموا ما قالته المعتزلة وركبوا مكابرة العيان وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة المسلم والكافر وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام وإنما يسمى ذلك كلاما على المجاز لكونه حكاية أوعبارة عنه وحقيقة الكلام: معنى قائم بذات المتكلم.

فمنهم من اقتصر على هذا القدر، ومنهم من احترز عما علم دخوله على هذا الحد فزاد فيه ما ينافي السكوت والخرس والآفات المانعة من الكلام ثم خرجوا من هذا إلى أن إثبات الحرف والصوت في كلام الله سبحانه تجسيم وإثبات اللغة فيه تشبيه.

وتعلقوا بشبه منها قول الأخطل: إن البيان من الفؤاد وإنما ,,, جعل اللسان على الفؤاد دليلا

فغيروه وقالوا: إن الكلام من الفؤاد وإنما ،،، جعل اللسان على الكلام دليلا

وزعموا أن لهم حجة على مقالتهم في قول الله سبحانه وتعالى { ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول } وفي قوله عز وجل { فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال: أنتم شر مكانا }.

واحتجوا بقول العرب: " أرى في نفسك كلاما، وفي وجهك كلاما " فألجأهم الضيق مما يدخل عليهم في مقالتهم إلى أن قالوا: الأخرس متكلم وكذلك الساكت والنائم ولهم في حال الخرس والسكوت والنوم كلام هم متكلمون به ثم أفصحوا بأن الخرس والسكوت والآفات المانعة من النطق ليس بأضداد الكلام وهذه مقالة تبين فضيحة قائلها في ظاهرها من غير رد عليه.

ومن علم منه خرق إجماع الكافة ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله لم يناظر بل يجانب ويقمع ولكن لما عدم من ينظر في أمر المسلمين محنا بالكلام مع من ينبغي أن يلحق بالمجانين.

وأصل تلبيسهم على العوام وتمويههم على المبتدئين هو أن الحرف والصوت لا يجوز أن يوجدا إلا عن آلة وانخراق مثل: الشفتين والحنك وأن لكل حرف مخرجا معلوما وأن الله سبحانه ليس بذي أدوات بالاتفاق فمن أثبت الحرف والصوت في كلامه فقد جعله جسما ذا أدوات وهو كفر قال الله سبحانه { ليس كمثله شئ } فيجب أن لا يكون ككلامه كلام.

ونفوس ذوي النقص مسرعة إلى قبول هذا التمويه يظنون أن في ذلك تنزيها لله سبحانه والأمر بخلاف ذلك.

وزاد علي بن إسماعيل الأشعري في التمويه فقال ( قد أجمعنا على أن لله سبحانه سمعا وبصرا، ووجها واتفقنا على أن سمعه بلا انخراق وبصره بلا انفتاح ووجهه بلا تنضيد فوجب أن يكون كلامه بلا حرف ولا صوت ) وقالوا جميعا: إن أحد من السلف لم يقل إن كلام الله حرف وصوت فالقائل بذلك محدث والحدث في الدين مردود والأشعري خاصة أضرب قوله في هذا الفصل فقال في بعض كتبه ( كلام الله ليس بحرف ولا صوت كما أن وجهه ليس بتنضيد وكلام كل متكلم سواه حرف وصوت ).

وقال في غير ذلك من كتبه ( الكلام معنى قائم بنفس المتكلم كائنا من كان ليس بحرف ولا صوت )

وإثبات قولين مختلفين في باب التوحيد، وإثبات الصفات تخبط وضلال والعقليات بزعم القائلين بها لا تحتمل مثل هذا الاختلاف والحدود العقلية لا يرجع فيها إلا إلى من تقدم دون من أراد أن يؤسس لنفسه اليوم باختياره أساسا واهيا.

فالذي تحتاجون إليه حفظكم الله معهم في إزالة تمويههم: أن تقيموا البرهان [ على ] أن الحجة القاطعة في التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب.ثم تبينوا ما السنة وبما ذا يصير المرء من أهلها فإن كلا يدعيها وإذا علمت وعرف أهلها بان أن مخالفها زائغ لا ينبغي أن يلتفت إلى شبهه.وأن تدلوا على مقالتهم أنها مؤدية إلى نفي القرآن أصلا، وإلى التكذيب بالنصوص الواردة فيه والرد لصحيح الأخبار ورفع أحاكم الشريعة.ثم تبرهنوا على أنهم مخالفون لمقتضى العقل بأقاويل متناقضة مظهرون لخلاف ما يعتقدونه وذاك شبيه بالزندقة.ثم تعرفوا العوام أن فرق اللفظية الأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها.وأن توردوا الحجة على أن الكلام لن يعرى عن حرف وصوت البتة، وأن ما عري عنهما لم يكن كلاما في الحقيقة وأن سمي في وقت بذلك تجوزا واتساعا وتحققوا جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق وتسوقوا قول السلف وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما يدل عليهما وتجمعوا بين العلم والكلام في إثبات الحدود بينهما.ثم تذكروا فعلهم في إثبات الصفات في الظاهر وعدولهم إلى التأويل المخالف له في الباطن وادعائهم أن إثباتها على ظاهرها تشبيه.ثم تشرحوا أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموه ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات.وأن تذكروا شيئا من قولهم لتقف العامة على ما يقولونه فينفروا عنهم ولا يقعوا في شباكهم.ثم تنظروا كون شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل ومرتكبين إلى ما قد نهوا عنه.ثم تحذروا الركون إلى كل أحد والأخذ من كل كتاب فإن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر.

فجميع ما ذكرت بكم إليه حاجة عند الرد عليهم أحد عشر فصلا من أحكمها تمكن الرد عليهم إذا سبق له العلم بمذهبه ومذهبهم وأما العامي والمبتدي فسبيلهما أن لا يصغيا إلى المخالف ولا يحتجا عليه فإنهما إن أصغيا إليه أو حاجاه خيف عليهما الزلل عاجلا والانفتال آجلا، نسأل الله العون على بيان ما أشرنا إليه فإنه لا حول ولا قوة إلا به وهو حسبنا ونعم الوكيل. أ.ه

========

الفصل الأول

في إقامة البرهان على أن الحجة القاطعة في التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب

قال الله سبحانه لنبيه ﷺ { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } فأمر جل جلاله نبيه عليه السلام أن يدعو إلى إثبات الوحدانية بالوحي وقال { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } فبين أن من تقدم من الرسل كانوا يحتجون على الكفار في الوحدانية بالوحي ولم يؤمروا إلا بذلك.

وقال جل جلاله { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } وقال { وإن تطع أكثر من الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون } قال النبي ﷺ " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى.

ولم يدع النبي ﷺ إلى المحاجة بالعقل أحدا ولا أمر بذلك أمته وقال عمر وسهل بن حنيف: ( اتهموا الرأي على الدين ) ولا مخالف لهما في الصحابة وقد كانا يجتهدان في الفروع فعلم أنهما أرادا بذلك المنع من الرجوع إلى العقل في المعتقدات.

ولا خلاف بين الفقهاء في أن الكفار والملحدين لا يجب أن يناظروا بالعقليات وأن المسلمين قد أمروا بالأخذ بما آتاهم الرسول والانتهاء عما نهاهم عنه وحذروا من أن تصيبهم الفتنة أو العذاب الأليم في مخالفتهم أمره قال الله سبحانه { وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وقال تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وقد كره عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جلالته الصلح يوم الحديبية واستعظم رد المسلمين على الكفار وكان ذلك من طريق العقل حتى قال له النبي ﷺ ( تراني قد رضيت يا عمر وتأبا ) فانتبه عند ذلك عمر وسكت علما منه أن رسول الله ﷺ مفترض الطاعة ( ولأنه ) لا ينطق عن الهوى وأن الوحي لا يقابل بالعقل.

ولا خلاف بين المسلمين في أن كتاب الله لا يجوز رده بالعقل بل العقل دل على وجوب قبوله والائتمام به وكذلك قول الرسول ﷺ إذا ثبت عنه لا يجوز رده وأن الواجب رد كل ما خالفهما أو أحدهما.

واتفق السلف على أن معرفة من طريق العقل ممكنة غير واجبة وأن الوجوب من طريق السمع لن الوعيد مقترن بذلك قال تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فلما علمنا بوجود العقل قبل الإرسال وأن العذاب مرتفع عن أهله ووجدنا من خالف الرسل والنصوص مستحقا للعذاب بينا أن الحجة هي ما ورد به السمع لا غير.

وقد اتفقنا أيضا على أن رجلا لو قال: العقل ليس بحجة في نفسه وإنما يعرف به الحجة لم يكفر ولم يفسق ولو قال رجل كتاب الله سبحانه ليس بحجة علينا بنفسه كان كافرا مباح الدم.

فتحققنا أن الحجة القاطعة هي التي ( يرد ) بها السمع لا غير.

ووجدنا أيضا القائلين بالعقل المجرد وأنه أول الحجج مختلفين فيه كل واحد يزعم أن الحق معه وأن مخالفه قد أخطأ الطريق ولا سيبل إلى من يحكم بينهم في الحال وإنما الحاصل دوام الجدل المنهي عنه ونجدهم أيضا يقولون اليوم قولا يزعمون أنه مقتضى العقل ويرجعون عنه غدا إلى غيره وما كان بهذه المثابة لا يجب أن يكون حجة في نفسه.

ووجدنا الكتاب المنزل غير جائز وورد النسخ عليه وقد وجب ( علينا ) الإذعان له والدخول تحت حكمه فكانت الحجة فيه لا في مجرد العقل.

وإنما ورد الكتاب بالتنبيه على العقل وفضله وبين أن من خالف الكتاب ممن لا يعقل لأن العقل يقتضي قبول العبد من مولاه وترك ظنه له ومصيره إلى طاعته ويحكم بقبح ما خالف ذلك.

وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله تعالى.

على أن الأشعري يزعم أن العقل لا يقتضي حسنا ولا قبحا، وهذا لعمري مخالفة العقل عيانا وسيأتي بيان ذلك في غير هذا الفصل بمشيئة الله عز وجل.

وإذا ثبت ما قلناه زال شغبهم في أن العقل يقتضي ما يقولونه لأنا لم نؤثر باتباع عقل يخالف السمع وسنذكر كذبهم في اقتضاء العقل وما صاروا إليه بعد هذا إن شاء الله تعالى.

=========

الفصل الثاني: في (بيان ما هي السنة وبم يصير المرء من أهلها)

اعلموا رحمكم الله أن السنة في لسان العرب هي الطريقة، فقولنا سنة رسول الله ﷺ يعني طريقته وما دعا إلى التمسك به ولا خلاف بين العقلاء في أن سنة الرسول عليه السلام لا تعلم بالعقل وإنما تعلم بالنقل.

فأهل السنة: هم الثابتون على اعتقاد ما نقله إليهم السلف الصالح رحمهم الله عن الرسول ﷺ أو عن أصحابه رضي الله عنهم فيما لم ثبت فيه نص في الكتاب ولا عن الرسول ﷺ لأنهم رضي الله عنهم أئمة وقد أمرنا باقتداء أثارهم واتباع سنتهم وهذا أظهر من أن يحتاج فيه إلى إقامة برهان والأخذ بالسنة واعتقادها مما لا مرية فيه وجوبه.

قال الله تعالى { قال إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } وقال { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } وقال رسول الله ﷺ ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ( من خالف سنة كفر )

وإذا كان الأمر كذلك فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله فإن أتى بذلك علم صدقه وقبل قوله وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف علم أنه محدث زائغ وأنه لا يستحل أن يصغا إليه أو يناظر في قوله وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به بل تمحينهم لأهله ظاهر ونفورهم عنهم بين وكتبهم عارية عن إسناد بل يقولون قال الأشعري وقال ابن كلاب وقال القلانسي وقال الجبائي فأقل ما يلزم المرء في بابهم أنه يعرض ما قالوا على ما جاء عن النبي ﷺ فإن وجده موافقا له ومستخرجا منه قبله، وإن وجده مخالفا له رمى به.

ولا خلاف أيضا في أن الأمة ممنوعون من الإحداث في الدين ومعلوم أن القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن الرسول ﷺ لا يسمى محدثا بل يسمى سنيا متبعا وأن من قال في نفسه قولا وزعم أنه مقتضى عقله وأن الحديث المخالف له لا ينبغي أن يلتفت إليه لكونه من أخبار الآحاد وهي لا توجب علما وعقله موجب للعلم يستحق أن يسمى محدثا مبتدعا مخالفا، ومن كان له أدنى تحصيل أمكنه أن يفرق بيننا وبين مخالفينا بتأمل هذا الفصل في أول وهله ويعلم أن أهل السنة نحن دونهم وأن المبتدعة خصومنا دوننا

وبالله التوفيق.

الفصل الثالث: في التدليل على أن مقالة الكلابية وأضرابهم مؤدية إلى نفي القرآن أصلا وإلى التكذيب بالنصوص الواردة فيه والرد لصحيح الأخبار ورفع أحكام الشريعة

لا خلاف بين المسلمين أجمع في أن القرآن كلام الله عزوجل وأنه الكتاب المنزل بلسان عربي مبين الذي له أول وآخر وهو ذو أجزاء وأبعاض وأنه شئ ينقري ويتأتى أداؤه وتلاوته.

ثم اختلفوا بعد هذه الجملة فقال أهل الحق: هو غير مخلوق، لأنه صفة من صفات ذاته، وهو المتكلم به على الحقيقة، وهو موصوف بالكلام فيما لم يزل.

وقال بعض أهل الزيغ: هو مخلوق أحدثه في غيره وأضافه إلى نفسه وقال آخرون منهم هو كلامه ولا نزيد عليه ولا نقول: إنه مخلوق أو غير مخلوق.

واتفق المنتمون إلى السنة بأجمعهم على أنه غير مخلوق وأن القائل بخلقه كافر فأكثرهم قال: إن كافر كفرا ينقل عن الملة ومنه من قال: هو كافر بقول غير الحق في هذه المسألة.

والصحيح الأول، لأن من قال إنه مخلوق صار منكرا لصفة من صفات ذات الله عز وجل، ومنكر الصفة كمنكر الذات، فكفره كفر جحود لا غير.

وقال أبو محمد بن كلاب ومن وافقه، والأشعري وغيرهم: ( القرآن غير مخلوق ومن قال بخلقه كافر إلا أن الله لا يتكلم بالعربية، ولا بغيرها من اللغات ولا يدخل كلامه النظم، والتأليف والتعاقب ولا يكون حرفا ولا صوتا ).

فقد بان بما قالوه أن القرآن الذي نفوا الخلق عنه ليس بعربي، وليس له أول ولا آخر.

ومنكر القرآن العربي وأنه كلام الله كافر بإجماع الفقهاء ومثبت قرآن لا أول له ولا آخر كافر بإجماعهم، ومدعي قرآن لا لغة فيه جاهل غبي عند العرب لأن القرآن اسم لكتاب الله عزوجل العربي مختص به عند كثير من العلماء ولذلك لم يهمزه غير واحد من القراء والفقهاء وهو قول الشافعي رحمة الله عليه وقراءة ابن كثير وغيره وقالوا إذا قرأ القارئ قوله سبحانه: { وإذا قرأت القرءآن } همز قرأت لأنه مشتق من القراءة وعند بقية القراء والعلماء أن القرآن مهموز وهو اسم مشتق من قرأ قراءة وقرأنا أو من ضم بعضه إلى بعض والعقل غير موجب لتسمية صفة لله سبحانه قرءآنا بالاتفاق.

وإنما أخذ هذا الاسم سمعا والسمع قوله:{ إنا جعلناه قرءآنا عربيا} وقوله { إنا أنزلنه قراءنا عربيا } وقوله: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرءان مبين }.

وما لا يجوز أن يكون لغة لا يكون شعرا عند أحد، فلما نفى الله عز وجل كون ما زعم كفار قريش أنه شعر وأثبته قرءانا لم تبق شبهة لذي لب في أن القرءان المختلف في حكمه الذي أمر الجميع بالإيمان به هو كتاب الله سبحانه العربي الذي علم أوله وآخره فمن زعم أن القرآن اسم لما هو غيره وخلافه دونه بان حمقه.

فإن أقر الأشعري ومن وافقه بأن القرآن هو الذي يعرفه الخلق انتقض عليه قوله [ إن الحرف والصوت لا مدخل لهما في كلام الله عزوجل وقد أقر بأنه مخلوق وإذا لم يكن مخلوقا وكان حروفا لا محالة كان إنكارهم للحروف بعد ذلك سخفا.

وإن زعموا أن القرءآن غير الذي عرفه الخلق كفروا، ولم يجدوا حجة على قولهم من عقل ولا سمع وإن قالوا: إن القرءآن اسم لكلام الله عزوجل وجب أن تسمى التوراة والإنجيل والزبور والقرءآن وصحف إبراهيم وموسى أجمع قرءانا ووجب أن يكون المؤمن بالتوارة من اليهود مؤمنا بالقرآن وبما فيه وغير جائز أن تؤخذ منه الجزية بعد وجوب الحكم بإيمانه.

ثم قد أطلق الأشعري أن هذا التسميات لم يستحقها كلام الله في الأزل وإنما هي تسميات للعبارات المختلفة التي نزلت في الأزمان المتغايرة وكل ذلك محدث فبين أن التوارة اسم الكتاب بالسريانية وأنه محدث وأن القرءآن اسم الكتاب بالعربية وأنه محدث.

فقوله: القرءآن غير مخلوق مع هذا القول تلاعب.

وقد ذكرنا في كتاب " الإبانة " ضربا مما ورد عن النبي ﷺ في هذا المعنى، وتكلمنا على صحيحه وغريبه، وأن أحدا من الأمة قبل خصومنا هؤلاء ما عرف قرءآنا ينقري ولا يدخله الحرف الصوت والأشعري أيضا لم يعرف ذلك، وإنما حمله عل ما قال التحير مع قلة الحياء. ألا ترى أنه يقول: القراءة مخلوقة والمقروء بها صفة لله عز وجل غير مخلوقة والخلق بالاتفاق لا يتوصلون إلى قراءة ما ليس بحرف ولا صوت فليس يكون مقروءا البتة فإن جاز كونه مقروءا وهذا ظاهر لمن هدي رشده.

وأما رفع أحكام الشريعة، فلأنها إنما ثبتت بالقرءان فإذا كان الأشعري عنده القرءآن غير هذا النظم العربي وأهل الحل والعقد لا يعرفون ما يقوله ارتفعت أحكام الشريعة، ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد سورة من القرءآن أو آية منه أو حرفا متفقا عليه فهو كافر

وفي هذا الإجماع تسويد وجه كل مخالف لنا وفيما ذكرت في هذا الفصل إشارات إذا تأملها ذو قريحة جرى في الميدان قوي الجنان، وبالله التوفيق.

الفصل الرابع: في إقامة البرهان على أنهم مخالفون لمقتضى العقل بأقاويل متناقضة مظهرون لخلاف ما يعتقدونه

وأما مخالفتهم لمقتضى العقل، ونص الكتاب، قولهم: أن الله سبحانه أفهم موسى عليه السلام كلامه بلطيفة أدرك بها موسى أنه كلامه بلا واسطة والكلام قديم غير مخلوق.

وقال أبو بكر بن الباقلاني: إن الله متكلم في الأزل، ولا يجوز أن يقال: إنه مُكلم في الأزل.

وفي هذا القول تناقض لأن الإِفهام من صفات الفعل، وأفعال الله تعالى محدثة في غيره، فالكلام على هذا الأصل مخلوق محدث، وإذا لم يجز أن يقال: إنه مكلم في الأزل كان التكليم فعلا لا غير، فيكون الكلام مخلوقا.

وأحد ما استدل به العلماء على نفي الخلق عن كلام الله سبحانه قوله عز وجل: { وكلم الله موسى تكليما } فقالوا: أتى بالمصدر ليعلم أنه كلام من مكلم إلى مكلم. وقال نوح بن أبي مريم في تكليما: ( يعني المشافهة بين اثنين ) وإن لم يكن هناك مشافهة فالله تعالى قال لموسى عليه السلام:{فاستمع لما يوحى } والاستماع بين الخلق لا يقع إلا إلى صوت، وهو غير الإفهام يتأخر عن السمع.

وقول الأشعري: " إن كلام الله شيء واحد، لا يدخله التبعيض " فإذا قال إن الله أفهم موسى كلامه، لم يخل أمر من أن يكون قد أفهمه كلامه مطلقا، فصار موسى عليه السلام عالما بكلام الله حتى لم يبق له كلام من الأزل إلى الأبد إلا وقد فهمه. وفي ذلك اشتراك مع الله في علم الغيب وذلك كفر بالاتفاق.

وفيه أيضا رد لقول الله عز وجل: { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } فبين أن الرسل عليهم السلام لا يعلمون ما في نفسه عز وجل.

والأشعري يقول: ( إن الكلام معنى قائم بالنفس ليس بلغة ولا حرف ) فإذا فهمه موسى صار عالما [ بما ] في نفس الله، وذاك غير جائز بالاتفاق

ثم إذا لم [ يكن ] الكلام حرفا ولا صوتا، وكان معنى قائما بالنفس فهو والإرادة شيء واحد.

وإن قالوا: أفهمه ما شاء من كلامه، ورجعوا إلى التبعيض الذي يكفرون به أهل الحق، ويخالفون فيه نص الكتاب حيث قال الله سبحانه: {ومن الأحزاب من ينكر بعضه} وقال: { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } والكتاب عند السلف هو القرآن باتفاق المسلمين كلام الله ويقولون في الظاهر للعوام: " قد سمع الله موسى كلام الله على الحقيقة وكلامه ليس بصوت " والعقل لا يقتضي أن يسمع بشر مبقى على بنيته وعادته ما ليس بصوت على الحقيقة.

ويقولون: " إن كلام الله لا يجوز وجوده بغير الله، ولا نزوله إلى محل وهو يتلى ويقرأ، وليس بلغة ولا حرف وتلاوة بل لا وصول للخلق إليه ولا يوجد عندهم، ولا مدخل للحروف فيه " وهذا ممتنع في العقل واختلف قول الأشعري في كتبه في الناسخ والمنسوخ فقال في بعضها:" الناسخ والمنسوخ في كلام الله على الحقيقة ".

فإذا كان كلام ( الله ) عنده شيئا واحدا كان الناسخ هو المنسوخ لا فرق بينهما ولا ….. من العقل ما يقوله البتة.

وفي بعضها الناسخ والمنسوخ في كتاب لله دون كلامه ففرق بين كتاب الله وكلامه ونصوص القرآن تنطق بأن كتاب الله كلامه، ألا ترى أن الجن قالت في ما أخبر الله سبحنه عنها: { إنا سمعنا قرءآنا عجبا } وفي موضع آخر { إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى } فبين جل جلاله أن الكتاب هو القرءآن لا غير بتقريره ما قالوا وتركه النكير عليهم لوجود الاتفاق على أن مسموع الجن في هذه القصة شيء واحد في دفعة واحدة، وإنما أخبر الله سبحانه عنهم في غير سورة فقال في بعضها: القرءآن وقال في غير ذلك: الكتاب والقرءآن كلام الله بالاتفاق.

واختلف قول الأشعري أيضا في الإعجاز فقال في موضع: الإعجاز يتعلق بهذا النظم، وليس ذلك بكلام الله عز وجل، وإنما هو عبارة عنه، وأما صفة الله تعالى فلا يجوز أن يقال إن الخلق يعجزون عنها كما لا يجوز أن يقال يقدرون عليها. فجعل المعجز غير القرءآن، وإجماع الأمة حاصل على أن القرءآن هو المعجز للكافة، فمن زعم أنه ليس ( بمعجز والمعجز ) غيره كان رادا لخبر الله سبحانه وخارقا للإجماع وذلك كفر.

وقال في غير ذلك الموضع: ( الإعجاز متعلق بكلام الله، وكلام الله شيء واحد لا سورة فيه ولا حرف ) وفي هذا القول بتكذيب للنص وإحالة: فأما التكذيب فإن الله سبحانه قال: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين } وقال { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا }. فبين أن التحدي واقع إلى مثل كلامه القرآن وإلى سورة منه، فقول الأشعري ( إن المعجز هو الكتاب دون القرآن) تكذيب للنص وخبره، وقوله ( إن المعجز هو الكلام وليس بسورة ) تكذيب للنص أيضا.

والإحالة هي في أن التحدي واقع إلى الإتيان بمثل ما يعلم ويعقل ولو كان بخلاف ذلك لما صح جملة لأن العقل يقتضي أن ( لا ) يتحدى واحد إلى الإتيان بمثل ما لا يدري ما هو ولا يعقل معناه، ومثل ذلك إذا سيم وأحد كان لعبا وهزوا والله سبحانه يتعالى عن ذلك علوا كبيرا.

وقال الأشعري: ( إن الله سبحانه يرى يوم القيامة على الحقيقة ) وأظهر الرد على من أنكرها.

وأفصح في بعض كتبه ( أنه يرى بالأبصار ) وقال في موضع آخر: ( لا تختص الرؤية بالبصر ولا تكون عن مقابلة لأن ما يرى مقابلة كان جسما) فهو إذا قال: إنه يرى بالأبصار لم يجز في العقل أن تكون الرؤية عن غير مقابلة وإن قال: إن الرؤية لا تخص البصر عاد إلى قول المعتزلة وصارت الرؤية في معنى العلم الضروري وقد حكى عن بعض متأخريهم أنه قال: لولا الحياء من مخالفة شيوخنا لقلت إن الرؤية هي العلم لا غير.

وهكذا قالوا في سماع موسى عليه السلام كلام الله سبحانه إنه لم يخص الأذن وإذا لم يخص بزعمهم الأذن لم يكن سماعا لأن هذه البنية مجبولة على أنها لا تسمع إلا بالأذن.

والمقابلة لا تقتضي التجسيم كما زعموا لأن المرئيات في الشاهد لا تخرج عن أن تكون جسما أو عرضا على أصلهم، والله سبحانه باتفاقنا مرئي وليس بجسم ولا عرض، وإذا صح ذلك، جاز أن يرى عن مقابلة، ولا يجب أن يكون جسما.

وقد نص مالك بن أنس رحمه الله، وغيره من الأئمة رحمهم الله على أن الله سبحانه يرى يوم القيامة بالأبصار.

وزعموا أن كلام الله مكتوب في المصاحف [ على ] الحقيقة وليس بحروف والعقل لا يقتضي وجود مكتوب عاريا عن الحرف، وقالوا: ينبغي أن يكون كلام الله بخلاف كلام غيره ثم قالوا: ( كلامه ) (و) كلام غيره معنى قائم بالنفس فرفعوا ما أوجبوه من الخلاف وهذا تناقض.

وقالوا: إثبات الحروف في كلام الله تشبيه، ثم قالوا ( كلام الله وكلام غيره لا حروف فيهما ) فأفصحوا بالتشبيه ولو كان قولنا: إن الكلام لا يعرى عن الحروف تشبيها مع كون الكتاب دالا على صحة قولنا، وكذلك الأثر، وكلا أن يكون ذلك. لكان تشبيههم أفظع وأشنع فإنهم زعموا أن كلام الله لا حرف فيه ولا صوت، وكلام الله وذو النحل وساير الحكل لا حرف فيه ولا صوت فشبهوا كلام الله بكلام الحكل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

وقد اتفقت الأئمة على أن الصفات لا تؤخذ إلا توقيفا، وكذلك شرحها لا يجوز إلا بتوقيف.

فقول المتكلمين في نفي الصفات أو إثباتها بمجرد العقل أو حملها على تأويل مخالف للظاهر.

ولا يجوز أن يوصف الله سبحانه ( إلا ) بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ وذاك إذا ثبت الحديث ولم يبقى شبهة في صحته.

فأما ما عدا ذلك من الروايات المعلولة والطرق الواهية، فلا يجوز أن يعتقد في ذات الله سبحانه ولا في صفاته ما يوجد فيها باتفاق العلماء للأثر.

ومخالفة الأشعري وأضرابه للعقليات، ومناقضتهم تكثر ولعل الله سبحانه يسهل لنا جمع ذلك في كتاب مفرد بمنه، وإنما أشرنا ها هنا إلى يسير منه وفيه مقنع إن شاء الله تعالى.

وأما تظاهرهم بخلاف ما يعتقدونه كفعل الزنادقة ففي إثباتهم أن الله سبحانه وتعالى استوى على العرش، ومن عقدهم: أن الله سبحانه لا يجوز أن يوصف بأنه في سماء ولا في أرض، ولا في عرش ولا فوق.

وقد ذكر ابن الباقلاني : أن الاستواء فعل له أحدثه في العرش.

وهذا مخالف لقول علماء الأمة، وقد سئل مالك بن أنس رحمة الله عليه عن هذه المسألة فأجاب: " بأن الاستواء غير مجهول، والكيفية غير معقولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ".

قال الله سبحانه { يخافون ربهم من فوهم ويفعلون ما يؤمرون } وقال: { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه } وقال { إليه يصعد الكلم الطيب } وقال: { من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه } وقال { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض..... الآية } والآية التي بعدها.

وقال النبي ﷺ: " ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا حتى ذكر سبع سماوات وفوق ذلك بحر ما بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء، وفوق ذلك ثمانية أوعال كواهلهم تحت عرش الرحمن، وأقدامهم تحت الأرض السابعة السفلى، وفوق ذلك العرش والله سبحانه فوق ذلك أخرجه أبو داود في كتاب السنن عن أبي هريرة وجبير بن مطعم وغيرهما عن النبي ﷺ هذا المعنى والطرق مقبولة محفوظة وروي عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وغيرهم مثل ذلك موقوفا. 1

ونص أحمد بن حنبل رحمة الله عليه على أن الله تعالى ذاته فوق العرش، وعلمه بكل مكان. وروى ذلك هو وغيره عن عبد الله بن نافع عن مالك بن أنس رحمة الله عليه وقد رواه غير واحد مع ابن نافع عن مالك بن أنس وكذلك رواه الثقات عن سفيان بن سعيد الثوري وروي نحوه عن الأوزاعي هؤلاء أئمة الآفاق.

[ واعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه فوق العرش بذاته من غير مماسة وأن الكرامية ومن تابعهم على قول المماسة ضلال ] وقد أقر الأشعري بحديث النزول ثم قال: [ النزول فعل له يحدثه في السماء ] وقال بعض أصحابه [ المراد به نزول أمره ] ونزول الأمر عندهم لا يصح وعند أهل الحق الذات بلا كيفية. وزعم الأشعري: أن الله سبحانه غير ممازج وغير مباين لهم، والأمكنة غير خالية منه، وغير ممتلية به.

وهذا كلام مسفت لا معنى تحته، وتحقيقه النفي بعد الإثبات. وبعض أصحابه وافق المعتزلة وسائر الجهمية في قولهم إن الله بذاته في كل مكان وذكر عن بشر المريسي أنه قيل له: فهو في جوف حمارك فقال نعم.

ومن قال هذا فهو كافر، والله سبحانه متعال عما قالوه.

وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته فوق العرش بلا كيفية بحيث لا مكان وقد أثبت الذي في موطأ مالك بن أنس رحمه الله وفي غيره من كتب العلماء: أن النبي ﷺ قال للجارية التي أراد عتقها من عليه رقبة مؤمنة ( أين الله؟ قالت في السماء فقال: من أنا؟ قالت: رسول الله. قال اعتقها فإنها مؤمنة.)

وعند الأشعري أن من اعتقد أن الله بذاته في السماء فهو كافر.

وإن زمانا يقبل في قوه من يرد على الله سبحانه، وعلى الرسول ﷺ ويخالف العقل، ويعد مع ذلك إماما، لزمان صعب والله المستعان.

ولقد قال الأوس بن حارثة بن ثعلبة عند موته قصيدة يوصي فيها إلى ابنه مالك وذلك قبل الإسلام فيها:

فإن تكن الأيام أبلين أعظمي وشيبن رأسي والمشيب مع العصر

فإن لنا ربا عليُ فوق عرشهعليما بما يأتي من الخير والشر

وقال غيره قبل الإسلام:

وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمين

وقيل إن عبد الله بن رواحة قاله في الإسلام، وهو صحابي.

ومثله في الشعر وكلام العرب قديما كثير.

( وليس في قولنا: إن الله سبحانه فوق العرش تحديد وإنما التحديد يقع للمحدثات، فمن العرش إلى ما تحت الثرى محدود والله سبحانه فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد، لاتفاقنا أن الله سبحانه كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان ).

وقد ذكر الله سبحانه في القرآن ما يشفي الغليل وهو قوله تعالى { الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى } فخص العرش بالاستواء وذكر ملكه لسائر الأشياء فعلم أن المراد به غير الاستيلاء.

وإنما يقول بالتحديد من يزعم أنه سبحانه بكل مكان، وقد علم أن الأمكنة محدودة فإذا كان فيها بزعمهم كان محدودا، وعندنا أن مباين للأمكنة ومن [حدها] ومن وفوق كل محدث فلا تحديد في قولنا وهو ظاهر لا خفاء به.

هامش

ضعيف: سلسلة الأحاديث الضعيفة 1247

الفصل الخامس: بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها

وأما موافقتهم للمعتزلة فإن المعتزلة قالت: لا تجوز رؤية الله تعالى بالأبصار وأنه ليس بمرئي.

وقال الأشعري: هو مرئي ولا يرى بالأبصار عن مقابلة. فأظهر خلافهم وهو موافق لهم.

وقالت المعتزلة: لا يجوز أن توصف ذات الله بالكلام ولا كلام إلا ما هو حرف وصوت.

وقال الأشعري: [ يجب وصف ذاته سبحانه بالكلام وليس ذلك بحرف ولا صوت ] فنفى ما نفته المعتزلة وأثبت مالا يعقل، فهو مظهر خلافهم موافق لهم في الأصل.

وأنكرت حديث المعراج.

وقال الأشعري: إنه ثابت ثم قال [ الله لا يجوز أن يوصف أنه فوق ] فكذب بما في حديث المعراج، فصار موافقا لهم مع ( إظهاره ) الخلاف.

وقالت المعتزلة: السور والآي مخلوقة، وهي قرآن معجز.

وقال الأشعري: [ القرآن كلام الله سبحانه والسور والآي ليست بكلام الله سبحانه وإنما هي عبارة عنه، وهي مخلوقة ]

فوافقهم في القول بخلقها، وزاد عليهم بأنها ليست قرآن ولا كلام الله سبحانه فإن زعموا أنهم يقرون بأنها قرآن: قيل لهم: إنما يقرون بذلك على وجه المجاز، فإن من مذهبهم أن القرآن غير مخلوق، وأن الحروف مخلوقة، والسور حروف بالاتفاق، من أنكر ذلك لم يخاطب.

وإذا كانت حروفا مخلوقة لم يجز أن يكون قرأنا غير مخلوق.

وقالت المعتزلة: الزنا والسرقة، وأخذ أموال الناس بغير حق، وما شاكل ذلك حرام وهو قبيح في العقل قبل التحريم.

وقال الأشعري: العقل لا يقتضي حسن شيء ولا قبحه، وإنما عرف القبيح والحسن بالسمع ولولا السمع ما عرف قبح شيء ولا حسنه.

ثم زعم أن معرفة الله سبحانه واجبة في العقل قبل ورود السمع، وأن تارك النظر فيها مع التمكن منه مستحق للعقوبة والنص إنما دل على ترك عقوبته لا على أنه مستحق لها

فإن قال: إن معرفة الله وجبت ولم يعلم حسنها واستحق تارك النظر فيها اللوم كان متلاعبا.

وإن قال: إنها حسنة فقد أقر بأن العقل يقتضي معرفة الحسن والقبيح وإنما ضاق به النفس لما قالت له المعتزلة: الظلم قبيح في العقل، وإذا أراد ( الله ) شيئا ثم عذب عليه كان ظلما. فركب الطريقة الشنعاء في أن لا حسن في العقل ولا قبح.

وكان الأمر ( أيسر ) في رد ما قالوه من هذا، لأن موضوع اسم الظلم لوضع الشيء في غير موضعه، وأخذ ما ليس للآخذ أخذه والله خالق الأشياء ومالكها، ومدبرها وليس لأحد أن يعترض عليه فيما يصنع فيها، ولا يضع الشيء إلا فيما يجعله موضعا له، ولا يأخذ شيئا إلا وهو أولى به، ولا يتصور معنى الظلم في أفعاله، وقد قال الله سبحانه { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون }. ولقد حكى محمد بن عبد الله المغربي المالكي وكان فقيها صالحا عن الشيخ أبي سعيد البرقي وهو من شيوخ المالكيين ببرقة عن أستاذه خلف المعلم وكان من فقهاء المالكيين أيضا أنه قال أقام الأشعري أربعين سنة على الاعتزال ثم أظهر التوبة، فرجع عن الفروع وثبت على الأصول. وهذا كلام خبير بمذهب الأشعري وغوره. ففي هذا القدر كفاية، ولعل غير هذه الرسالة يأتي على شرح موافقته لهم فيقفوا عليه إن شاء الله تعالى.

الفصل السادس: في إيراد الحجة على أن الكلام لن يعرى عن حرف وصوت البتة وأن ما عري عنهما لم يكن كلاما في الحقيقة وإن سمي في وقت بذلك تجوزا واتساعا وتحقيق جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق وبيان قول السلف وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دل عليهما

ينبغي أن ينظر في كتب من درج وأخبار من سلف هل قال أحد منهم: إن الحروف المتسقة التي [ يتأتى ] سماعها وفهمها ليست بكلام الله سبحانه على الحقيقة؟ وأن الكلام غيرها ومخالف لها، وأنه معنى لا يدرى ما هو غير محتمل شرحا وتفسيرا؟ فإن جاء ذلك عن أحد من الأوائل والسلف، وأهل النحل قبل مخالفينا الكلابية والأشعرية عذروا في موافقتهم إياه.

وإن لم يرد ذلك عمن سلف من القرون والأمم ولا نطق به كتاب منزل ولا فاه به نبي مرسل ولا اقتضاه عقل، علم جهل مخالفينا و[ ابتداعهم ] ولن يقدر أحد في علمي على إيراد ذلك عن الأوائل ولا اتخاذه [ دينا ] في أثر أو عقل. وكل ما يتعلق به مخالفونا في هذا الفصل فمن المجاز أو بنيات الطريق. والعقل والسمع معا يؤيدان ما نقوله، وبه نطق الكتاب والأثر، وثبت العرف به.

فأما تعلقهم ببيت الأخطل فإن معنى قوله: إن البيان من الفؤاد....

هو أن المرء إنما [ ينوي ] في نفسه أولا ما يريد أن يتكلم به، فالموجب للبيان هو الذي انطوى عليه القلب وحقيقة الكلام هو النطق به المسموع لا غير. والذي قاله الأخطل إنما يكون في أوقات مخصوصة لآحاد من الناس والغالب من أحوالهم الكلام على الهاجس بما لم يرددوه في أنفسهم ولم يهموا به.

ولو كان حقيقة الكلام ما يتعلق بالفؤاد دون النطق لكان كل ذي فؤاد ناطقا متكلما في حال سكوته، ووجود الآفة به، كالأخرس والطفل النائم.

ولا خلاف بين العقلاء في أن الطفل الرضيع أول ما يولد غير متكلم وأن الأخرس والساكت ليسا بمتكلمين، وكذلك النائم في الغالب.

وقد دل القرآن على أن القرآن هو النطق، وذلك قوله سبحانه { وإذا قريء القرءآن فاستمعوا له وأنصتوا } والإنصات عند العرب ترك النطق وقال النبي ﷺ ( رحم الله من تكلم فغنم أو سكت فسلم ) فعلم بذلك أن السكوت والكلام لا يجتمعان في الوقت الواحد، في محل واحد ولا خلاف بين صدور علماء المسلمين في أن من قال في نفسه: عبدي حر من غير أن ينطق بذلك لم يعتق عبده.

ولو قال: عبدي حر نطقا ثم قال: لم أنو بما قلت عتقه حكم بعتق العبد ولم يلتفت إلى نيته.

ولو قال إنسان في نفسه: أم فلان زانية أو فلان زان ولم ينطق بذلك لم يلزمه حد القذف وإن نطق بذلك وقال: ما في نفسي شيء مما قلته حٌد ولم يلتفت إلى ما في نفسه.

وغير جائز عند ذوي التحصيل تعلق الأحكام بالمجاز دون الحقيقة فيها فلما وجدنا أحكام الشريعة المتعلقة بالكلام منوطة بالنطق الذي هو حرف وصوت، دون ما في النفس، علمنا أن حقيقة الكلام هي الحرف والصوت.

ولو حلف امرؤ أنه لا يتكلم ساعة من النهار، فأقام في تلك الساعة يحدث نفسه بأشياء، ولا ينطق بها، كان بارا غير حانث، ولو كان الكلام هو ما في النفس حنث في أول ما يحدث به نفسه.

فإن قيل: الإيمان إنما تعلق بالعرف فلذلك لم يحنث إذا لم ينطق قيل: هذا أعظم الحجج عليكم لأنكم ألجئتم إلى الإقرار بأن عرف الناس كافة هو: أن حقيقة الكلام هي النطق الذي لا يعرى عن حرف وصوت، دون ما في النفس.

ولو كان الكلام من الفؤاد على ما زعموا لم يجز أن يوصف الله سبحانه بالكلام أصلا لأنه ليس بذي فؤاد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

والأخطل نصراني إسلامي وهو ومن تقدمه من شعراء الجاهلية إنما نحتج بقولهم في موضوعات لغة العرب.

ومعرفة الكلام ما هو مما يشترك فيه العرب وسائر الناس ولا يحتج فيه ببيت نادر مع ظهور فساده.

وأما احتجاجهم بقوله الله سبحانه وتعالى { ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول } فنقلت عليهم لأن القول لما كان في الحقيقة هو الحروف المتسقة المسموعة والذي من المنافقين بخلاف ذلك بين الله سبحانه أنهم قالوه في أنفسهم.

ونحن لا ننكر تجويز العرب وسائر العقلاء أن يقال: قلت في نفسي وحدثت نفسي، وإنما نقول إن ذلك تجوز واتساع وليس بحقيقة الكلام لما ذكرنا أولا من تعلق الأحكام بما هو حروف دون ما في النفس.

وأما تعلقهم بقوله جل جلاله { فأسرها يوسف في نسفه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا } فمثل الأول ، والقول في النفس مجاز وإنما سمي وإنما سمي بذلك لأنه يصير في ثاني الحال قولا والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان قريبا منه أو كان منه بسبب.

وقد ذكرنا قول الأوائل والعرب قبل هذا وأن الكلام هو الحروف المتسقة والأصوات المتقطعة والاسم والفعل والحرف الجاي لمعنى وقد ( نهى النبي ﷺ عن صوم الصمت ).

وإذا كان الصامت متكلما في حال صمته فلا معنى للنهي.

ومن قول الحكماء [ لئن كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب ] ففضل السكوت على الكلام لاقتران السلامة به. فإن النبي ﷺ قال ( من صمت نجا ).

والشاعر قال:

ما إن ندمت على سكوت مرة فلقد ندمت على الكلام مرارا

والذي يقول في نفسه من غير أن ينطق به ساكت عند الخلق كافة ولا يقع التفاضل بينه وبين السكوت وإنما يقع ذلك بين النطق بالحروف والأصوات والسكوت عنه.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث السقيفة: [ كنت زورت في نفسي مقالة أردت أن أقوم بها بين يدي أبي بكر ] فبين أنه لم يقم بها في حال تزوره.

والتزوير في هذا الموضع هو أن يروي المرء في نفسه أولا ما يحب أن يتكلم به ويصلحه، ويتأمل إن قيل به، حتى يتصور كالمقول ثم ينطق به وهذا شأن ذوي التحصيل خيفة منهم على وقوع الزلل مع العجلة.

وقال النبي ﷺ: ( إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به ). وهو حديث صحيح مشهور، وقد تلقته الأمة بالقبول وعلقوا به كثيرا من الأحكام. وقد أخرج النبي ﷺ حديث النفس عن أن يكون كلاما في الحقيقة بقوله: ( ما لم تكلم به ) فبين أن من [حدث ] نفسه بالشيء غير متكلم به في تلك الحالة وغير مؤاخذ بما كان فيه.

وقال اليزيدي في كتاب "ما اتفق لفظه واختلف معناه من لغات العرب": الحرف هو الواحد من حروف الكلام والحرف حرف البئر وحرف الرغيف وحرف كل شيء جانبه والحرف الشك فسروا قوله عز وجل { على حرف } على شك والحرف الناقة الضامرة التي قد نحلت.

فبين أن الكلام عند العرب هو الحروف لا غير.

واليهود والنصارى مقرون بأن لله كلاما ومختلفون في نفي الخلق عنه وإثباته كاختلاف المسلمين ومجمعون على أن الكلام لا يكون إلا حرفا وصوتا فإن قال قائل: إن أكثر ما ذكرت في هذا الفصل مما يتعلق بالشاهد والله تعالى بخلاف المشاهدات فوجب أن لا يكون كلامه حرفا وصوتا إلا أن يأتي نص من الكتاب أو إجماع من الأمة أو خير من أخبار التواتر بأن كلام الله سبحانه حرف وصوت.

قيل له: الواجب أن يعلم أن الله تعالى إذا وصف نفسه بصفة هي معقولة عند العرب، والخطاب ورد بها عليهم بما يتعارفون بينهم ولم يبين سبحانه أنها بخلاف ما يعقلونه ولا فسرها النبي ﷺ لما أداها بتفسير يخالف الظاهر فهي على ما يعقلونه ويتعارفونه.

والذي يوضح ذلك: هو أن الله سبحانه قد أثبت لذاته علما ونطق بذلك كتابه فقال { أنزله بعلمه } وكان المعقول من العلم عند المخاطبين به أنه إدراك المعلوم على ما هو به فكان علم الله سبحانه إدراك المعلوم على ما هو به وعلم المحدث أيضا إدراك المعلوم على ما هو به.

وكذلك لما أثبت لنفسه السمع بدلالة النص حيث قال: { إن الله كان سميعا بصيرا } وقال النبي ﷺ في ذكر الحجب: ( ما أدركه بصره ) وقالت عائشة رضي الله عنها: ( يا سبحان من وسع سمعه الأصوات ) وكان المعقول أن السمع هو إدراك المسموعات على ما هي به والبصر إدراك كل ما يبصر على ما هو به كان سمعه سبحانه إدراك المسموع وبصره وإدراك ما يبصر به وكذلك سمع المحدث وبصره ومع ذلك فليس مثل علمه علم ولا مثل سمعه وبصره سمع ولا بصر لأن علمه صفة لازمة لذاته سبحانه في الأزل لا يدخل عليه السهو ولا يجوز الجهل ولا النسيان.

وعلم المحدث عرض مكتسب يوجد وقتا ويعدم وقتا.

وكذلك السمع والبصر ليسا من الله تعالى بجارحتين وهما من المحدث جارحتان.

وهذه القضية توجب أن يكون كلامه حرفا وصوتا وكذلك كلام المحدث إلا أن كلامه معجز ولا انتهاء له وأزلي وكلام المحدث غير معجز وهو متناه وعرض لم يكن في وقت ولا يكون في وقت.

وكلامه سبحانه بلا أداة ولا آلة ولا جارحة وكلام المحدث لا يوجد إلا عن أداة وآلة وجارحة في المعتاد.

وقول الأشعري: "لما كان سمعه بلا انخراق وجب أن يكون كلامه بلا حرف ولا صوت " مغالطة وبناؤه لا يقتضي ما قاله وإنما يقتضي: أن سمعه لما كان بلا انخراق وجب أن يكون كلامه من غير لسان وشفتين وحنك ولو قال ذلك لاستمر ولم يقع فيه خلاف وإنما موه وغالط ويمر ذلك على من قصر علمه.

فهذا الذي ذكرناه من طريق العقل الذي يدعون أنه الحجة القاطعة.

وأما على طريقتنا فالله سبحانه قد بين في كتابه ما كلامه؟ وبين ذلك رسوله ﷺ واعترف به الصدر الأول والسلف الصالح رحمهم الله وآمنوا به.

فقال الله سبحانه { فأجره حتى يسمع كلام الله } وقال { فاقرءوا ما تيسر من القرءآن } وقال: { فاقرءوا ما تيسر منه } وما سمع مستجير قط إلا كلاما ذا حروف وأصوات ولا قرأ قارئ البتة إلا ذلك.

فلما ( سمى ) سبحانه هذا القرآن العربي ( الفصل ) كلامه علم أن كلامه حروف كيف وقد أكد ذلك بذكر الحروف المقطعة في أوائل السور منه مثل:"آلم" و"الر" و"كهيعص" و"طه" و"حم" و"يس" و"ص" و"ق" و"نون".

فمن زعم أنها ليست من القرآن فهو كافر ومن زعم أنها من القرآن والقرآن ليس بكلام الله فهو كافر ومن زعم أنها عبارة عن الكلام الذي لا حروف فيه قيل له: هذا جهل وغباء لأن الكلام الذي تزعمه ليس يعرف سواك ولا يدري ما هو غيرك وأنت أيضا لا تدريه وإنما تتخبط فيه.

ثم لو كان قولك صحيحا لوجب أن تكون عنه مفهومة المعنى بالاتفاق لأن موضوع العبارة التفسير ليفهم ما أشكل من ظاهر الكلام فإذا كان الكلام شيئا واحدا لا يدرى ما تفسيره وكانت العبارة حروفا كثير الاختلاف في معانيها ولم يتفق على معنى منها لم تفد العبارة شيئا.

والنبي ﷺ يقول: ( من قرأ سورة الإخلاص ) ومن ( قرأ آية الكرسي ) و ( من قرأ حرفا من القرآن ) فبين أن القرآن سور وآي وحروف ويقول: ( من حلف بسورة البقرة لزمه في كل آية كفارة ) وروي ( في كل حرف ) وأفتى بذلك غير واحد من الصحابة رضوان الله عليهم منهم عبد الله بن مسعود وأبو هريرة.

وأظهر مما ذكرنا ويبين خزي مخالفنا فيه قول الله سبحانه { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } وكن حرفان ولا يخلو الأمر من أحد وجهين إما أن يكون المراد بقوله: { كن } التكوين كما قالت المعتزلة أو يكون المراد به ظاهره وأن الله تعالى إذا أراد إنجاز شيء قال له كن. على الحقيقة فيكون.

وقد اتفق الأشعري معنا على أنه على ظاهره لا بمعنى التكوين واستدل على نفي الخلق عن القرآن لما رد على المعتزلة بقوله: ( كن ) فإن ثبت على أنه فاعل ظاهره فهو حرفان وانتقص مذهبه وإن قال: إنه ليس بحرف البتة صار بمعنى التكوين ولم يبق بينه وبين المعتزلة فرق.

وأيضا فلو كان الكلام غير حرف وكانت الحروف عبارة عنه لم يكن بد من أن يحكم لتلك العبارة بحكم إما أن يكون الله أحدثها في صدر أو لوح أو أنطق بها بعض عبيده فتكون منسوبة إليه.

( فيلزم ) الأشعري أو من قال بقوله أن يفصح بما عنده في السور والآي والحروف أهي عبارة جبريل أم عبارة محمد عليهم في التفسير والمعاني.

وأن يجيز لهم القراءة في الصلاة بأي لغة أرادوا: إذا أدوا معنى ما في السور لأن التضييق إنما وقع لكون السور كلام الله فأما من قال: إنها ليست كلام الله البتة فلا معنى لتضييقه.

والإجماع حاصل من الفقهاء على أن الصلاة لا تجزي إلا بقراءة هذا النظم على ما هو به إلا ما كان من أبي حنيفة فإنه قال: " تجوز القراءة بالفارسية" وقد سألت القاضي أبا جعفر النسفي عن هذه المسألة فحكى عن أبي بكر أنها تجوز عند أبي حنيفة إن سميت الفارسية قرأنا وقال أبو جعفر فالكلام يرجع إلى ارتفاع الخف.

وسألت أبا محمد عبد الله بن الحسين الناصحي قاضي قضاة خراسان عنها فقال: ( إنما تجوز القراءة بالفارسية إذا وافقت النظم والبلاغة ) وذلك متعذر. ثم عند أبي حنيفة لا يجوز أن يقرأ بالعربية بغير ألفاظه ومقتضى مذهب الأشعري جواز ذلك.

وإذا أفصح بأنها عبارة محمد وافق الوليد بن المغيرة لما قال: {إن هذا إلا قول البشر } ونحن نقول هو كلام الله تعالى لقوله سبحانه { فأجره حتى يسمع كلام الله } فمن لم يميز بين المقالتين كان كمن حش له فهذا في الحروف.

وأما الصوت: فقد زعموا أنه لا يخرج إلا من هواء بين جرمين ولذلك لا يجوز وجوده في ذات الله تعالى. والذي قالوه باطل من وجوه: ألا ترى أن النبي ﷺ ذكر سلام الحجر عليه وعلم تسبيح الحصى في يده وتسبيح الطعام بين يديه وحين الجذع عند مفارقته إياه وما ( جاء ) لشيء من ذلك هواء منخرق بين جرمين.

وقد أقر الأشعري أن السماوات والأرض قالتا ( أتينا طائعين ) حقيقة لا مجاز ولا خلاف بين العقلاء.............. في أن الله سبحانه قادر على أن ينطق الحجر الأصم على ما هو به وقال الأشعري: ( بعد أن يجعل فيه روحا) والناس كلهم مخالفون له فيما قال.

وإذا وصف بقدرة على إنطاق الحجر الأصم على ما هو به بطل قول من زعم أن وجود الصوت غير جائز إلا من هواء بين جرمين.

ثم لو كان الأمر على ما زعموا، لم يجب أن لا يوصف الله سبحانه بما يخالف الشاهد إلا ترى أن الله سبحانه بالاتفاق واحد، حي، قادر، عالم، سميع، بصير، قوي، مريد، فاعل، وليس بجسم ولا في معناه.

وفي الشاهد لا يجوز وجود حي عالم، قادر، سميع بصير، إلا جسما وإذا صح ما ذكرناه لم يضرنا قول من عزم أن الصوت في الشاهد لا يوجد إلا من هواء من منخرق بين جرمين كيف وقد بينا بطلان دعواه قبل هذا.

وقبل كل شيء ينبغي أن يعلم اعتمادنا في المعتقدات أجمع على السمع فإذا ورد السمع بشيء قلنا به ولم نلتفت إلى شبهة يدعيها مخالف.

وقد ورد السمع بذكر الصوت من قبل الله تعالى، ومن قبل أنبيائه ( عليهم السلام ) ومن قبل الأئمة والعلماء بعدهم.

قال الله سبحانه لموسى عليه السلام { فاستمع لما يوحى } وكان يكلمه من وراء حجاب لا ترجمان بينهما واستماع البشر في الحقيقة لا يقع إلا للصوت، ومن زعم أن غير الصوت يجوز في المعقول أن يسمعه من كان على هذه البينة التي نحن عليها احتاج إلى دليل.

وقد روى الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن جرير بن جابر عن كعب أن قال: "لما كلم الله موسى عليه السلام كلمة بالألسنة كلها قبل لسانه فطفق موسى يقول " والله يا رب ما أفقه هذا حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة بمثل صوته " وذكر الحديث.

وهذا محفوظ عن الزهري رواه عنه ابن أبي عتيق والزبيدي ومعمر ويونس ابن يزيد وشعيب بن أبي حمزة وهؤلاء كلهم أئمة ولم ينكره واحد منهم.

وقوله: بمثل صوت معناه: أن موسى عليه السلام حسبه مثل صوته في تمكنه من سماعه وثباته عنده ويوضح صحة هذا آخر الحديث فإنه قال:( لو كلمتك يا موسى بكلامي لم تك شيئا ولم تستقم له ) وروى عن وهب بن منبه أنه قال: لما سمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى أنس بالصوت فقال: ( يا رب [ اسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ فقال الله سبحانه أنا فوقك وعن يمينك وعن شمالك وأمامك وخلفك ومحيط بك ) وذكر الحديث.

وروى أبو الحويرث أن قوم موسى عليه السلام كانوا ينظرون إلى أذنه فقال عليه السلام ( ما لكم تنظرون إلى أذني؟ فقالوا: أذن سمعت كلام الله سبحانه ) وروى همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: ( يحشر الله الناس يوم القيامة عراة حفاة بهما فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أن الديان وذكر الحديث، رواه عن همام، يزيد بن هارون وأبو الوليد الطيالسي وجماعة من الأئمة واستشهد به البخاري في كتابه الصحيح.

وروى عطية بن سعيد وأبو صالح السمان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ في ذكر إسرافيل أنه قد التقم القرن بفيه وحتى جبهته وأصغى سمعه تحت العرش ينتظر متى يؤمر فينفخ والنفخة الآخرة التي للبعث قد نطقت الأخبار بأنها تكون ولا حي إذ ذاك إلا الله سبحانه ثم إن إسرافيل فإصغاءه سمعته تحت العرس انتظارا للأمر لا يكون إلا لصوت الأمر.

وقال الله تعالى { وإذ نادى ربك موسى } وقال تعالى { هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى } وقال جل جلاله { فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين } والنداء عند العرب صوت لا غير ولم يرد عن الله تعالى ولا عن رسوله عليه السلام أنه من عند الله غير صوت.

ولا خلاف بيننا في أن موسى مكلم بلا واسطة فسقط قول من زعم أن العرب تقول: نادى الأمير من ينادي.

وروى أحمد بن حنبل رحمة الله عليه عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ( رضي الله عنه ) قال: إذا تكلم الله سبحانه بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجدا ).

ذكره بهذا اللفظ عبد الله بن أحمد عن أبيه في " كتاب الرد على الجهمية " وما في رواته إلا إمام مقبول.

وقد ذكرنا في كتاب الإبانة عدة أحاديث سوى ما ذكرناه ها هنا في ذكر الصوت وحد الصوت هو ما يتحقق سماعه، فكل متحقق سماعه صوت وكل ما لا يتأتى سماعه البتة ليس بصوت.

وصحة الحد هذا وهو أن يكون مطردا منعكسا يمنع غيره من الدخول عليه. وأما قول خصومنا إن الصوت هو الخارج من هواء بين جرمين فحد غير صحيح لأنا قد بينا أنه قد يوجد خلاف ما زعموه والله أعلم.

فإن قالوا: الصوت والحرف إذا ثبتا في الكلام اقتضينا عددا والله سبحانه واحد من كل وجه.

قيل لهم: قد بينا لك مرارا أن اعتماد أولي الحق في هذه الأبواب على السمع وقد ورد السمع بأن القرآن ذو عدد وأقر المسلمون بأنه كلام الله حقيقة لا مجازا.

وكلامه صفة وقد عد الأشعري صفات الله سبحانه ( سبع عشرة ) صفة وبين أن منها مالا يعلم إلا بالسمع وإذا جاز أن يوصف بصفات معدودة لم يلزمنا بدخول العدد في الحروف شيء.

فإن قالوا: إن التعاقب يدخلها وكل ما تأخر عن ما سبقه محدث.

قيل: دخول التعاقب إنما يتعين فيما يتكلم بأداة والأداة تعجز عن أداء شيء إلا بعد الفراغ من غيره.

وأما المتكلم بلا جارحة فلا يتعين في تكلمه التعاقب.

وقد اتفقت العلماء على أن الله سبحانه يتولى الحساب بين خلقه يوم القيامة في حالة واحدة وعند كل واحد منهم أن المخاطب في الحال هو وحده وهذا خلاف التعاقب.

ثم لو ثبت التعاقب لم يضرنا لأن النبي ﷺ قال لما خرج من باب الصفا ( نبدأ بما بدأ الله به ثم قرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله ) فبين أن الله بدأ بذكر الصفا والقرآن كله بإجماع المسلمين كلام الله سبحانه وفي هذا القدر كفاية لمن وفق للصواب

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب " الرد على الجهمية " سألت أبي فقلت " إن قوما يزعمون أن الله لا يتكلم بصوت فقال أبي: بلى إن الله يتكلم بصوت وإنما ( ينكر ) هذا الجهمية وإنما يدورون على التعطيل واحتج بحديث عبد الرحمن بن محمد المحاربي الذي سقناه.

فقول خصومنا إن أحدا لم يقل إن القرآن كلام الله حرف وصوت كذب وزور بل السلف كلهم كانوا قائلين بذلك وإذا أوردنا فيه المسند وقول الصحابة من غير مخالفة وقعت بينهم في ذلك صار كالإجماع.

ولم أجد أحدا يعتد به ولا يعرف ببدعة [ من ] نفر من ذكر الصوت إلا [ البويطي ] إن صح عنه ذلك فإن عند أهل مصر رسالة يزعمون أنها عنه وفيها: لا أقول إن كلام الله حرف وصوت ولا أقول إنه ليس بحرف وصوت وهذا إن صح عنه فليس فيه أكثر من أعلامنا أنه لم يتبين هذه المسألة ولم يقف على الصواب فيها.

وأما غيره ممن نفا الحرف والصوت فمبتدع ظاهر البدعة أو مقروف بها مهجور على ما جرى منه.... والله الموفق للصواب.

الفصل السابع: في بيان فعلهم في إثبات الصفات في الظاهر وعدولهم إلى التأويل في الباطن

وينبغي أن يتأمل قول الكلابية والأشعرية في الصفات، ليعلم أنهم غير مثبتين ( إلها ) في الحقيقة وأنهم يتخيرون من النصوص ما أرادوه ويتركون سائرها ويخالفونه.

من ذلك اعترافهم بأن الله سبحانه يدين بذلك ورد النص في الكتاب والأثر قال الله تعالى { لما خلقت بيدي } وقال النبي ﷺ ( وكلتا يدي الرحمن يمين ).

وعند الكلابية أن له يد واحدة ومن أثبت له يدي صفة فقد ضل. ثم فسروا اليد وعدلوا في التفسير عن الظاهر إلى تأويل مخالف له فعادوا إلى المعتزلة. والأشعري أثبت يدين لكنه وافق ابن كلاب في التأويل.

وكل حديث جاء في الصحيح مما يتعلق [ بالصفات ] عدلوا به إلى معنى غير الصفة. منها حديث ابن مسعود عن النبي ﷺ في قوله : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ) فقال: ( يحمل السماوات على أصبع والأرضين على أصبع ). ومنها حديثه الثابت عنه عليه السلام: ( قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ) رواه النواس بن سمعان وجماعة من الصحابة رحمهم الله.

ومنها حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: ( يضحك الله سبحانه وتعالى إلى رجلين ). وحديث أبي رزين في معناه.

ومن ذلك الغضب والرضى وغير ذلك وقد نطق القرآن بأكثرها. وعند أهل الأثر أنها صفات ذاته لا يفسر منها إلا ما فسره النبي ﷺ أو الصحابي بل نمر هذه الأحاديث على ما جاءت بعد قبولها والإيمان بها والاعتقاد بما فيها بلا كيفية.

ولأبي بكر بن فورك الأصبهاني كتابان في تفسير ما ورد في القرآن من الصفات ومعنى ما جاء في الحديث الصحيح منها ما يخالف..... أهل السنة ومن أتقن السنة ثم تأمل كتابيه بان له خلاف أبي بكر بن فورك وأصحابه للحق.

والمعتزلة مع سوء مذهبهم أقل ضررا على عوام أهل السنة من هؤلاء لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف ولم تموه بل قالت: إن لله يد بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي وإنه لا سمع له ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا قوة ولا إرادة ولا كلام ولا صفات مضافة إلى ذاته لازمة لها بل هذه الأشياء أفعال له محدثة في غيره وأن القرآن مخلوق وإن من مات من غير توبة من أصحاب الكبائر خلد في النار مع الكفار وإن الحوض والشفاعة والميزان لا أصل لها وإن من زنا أو سرق أو ارتكب كبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر وسمي فاسقا وإن الدار إذا (لم) يظهر فيها قولهم دار حرب وإن من انتحل مذهب أهل الأثر واعتقد ما في الأحاديث على ظاهرها حشوي وعند التحقيق كافر.

فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدّوهم أعداء.

والكلابية والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة والذب عن السنة وأهلها وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه وقولهم في القرآن حيره يدعون قرأنا ليس بعربي وأنه الصفة الأزلية وأما هذا النظم العربي فمخلوق عندهم. ويقولون: الإيمان التصديق. وعلى أصلهم أن من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهو مؤمن ( لأمرين ):

أحدهما: أن الأصل الإيمان عندهم المعرفة كما قال جهم.

والثاني: أن الكلام معنى في النفس فهو إذا صدق بقلبه فقد تكلم على أصلهم به.

وعند أهل الأثر أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وعلماء الآفاق المتبعون كلهم على هذا القول ومخالفونا هؤلاء يقولون معنا في الظاهر مثل ذلك وعندهم أن التصديق لا مدخل للزيادة والنقصان فيه وهو الإيمان.

وعند المعتزلة أن الاسم غير المسمى وأن أهل السنة عندهم أن الاسم هو المسمى وقد نص على ذلك جماعة من الأئمة كالشافعي والأصمعي وعند الأشعري أن الاسم الذي نختلف فيه ليس هو المسمى ولا هو غير المسمى وعند المعتزلة أن الذي تحويه دفتا المصحف قرآن وكذلك ما وعته الصدور وكذلك ما يتحرك به لسان القارئ وكل ذلك مخلوق.

وعند أهل السنة أن ذلك قرآن غير مخلوق وعند الأشعري أنه مخلوق وليس بقرآن وإنما هو عبارة عنه.

وكذلك كثير من مذهبه يقول في الظاهر بقول أهل السنة مجملا ثم عند التفسير والتفصيل يرجع إلى قول المعتزلة فالجاهل يقبله بما يظهره والعالم يجهره لما منه يخبره والضرر بهم أكثر منه بالمعتزلة لإظهار أولئك ومجاوبتهم أهل السنة وإخفاء هؤلاء ومخالطتهم أهل الحق. نسأل الله السلامة من كل برحمته.

الفصل الثامن: في بيان أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموه، ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات

وقد زعموا أن أصحاب الحديث يعتقدون ما في الأحاديث من ذكر الصفات على ظاهرها ويثبتون لله سبحانه الكف والأصابع والضحك والنزول وأنه في السماء فوق العرش وهذه من صفات الأجسام حتى قال بعض سقاطهم " ( ما بين شيوخ الحنابلة، وبين اليهود إلا خصلة واحدة ).

ولعمري إن بين الطائفتين خصلة واحدة لكنها بخلاف ما تصوره الساقط وتلك الخصلة أن الحنابلة على الإسلام والسنة واليهود على الكفر والضلالة.

أول ما نقول: إن القول بما في الأحاديث ( الثابتة ) مما أمر الله سبحانه بقبوله فقال: { وما أتاكم الرسول فخذوه } ولا خلاف بين عقلاء أهل الملة في أن الرسل أعرف بالله سبحانه وبصفاته من غيرهم لأنهم أوفر الناس عقلا والوحي ينزل عليهم والعصمة من الضلال تصحبهم وقد جعل الله سبحانه طاعة رسوله محمد ﷺ مقرونة بطاعته ووعد من أطاعه وأطاع رسوله ﷺ بالفوز العظيم.

فأمر هذه الأخبار التي وقع الخلاف ( فيها ) لا يخلو من أن يكون ( صدقا ) أو كذبا فإن كانت صدقا وجب المصير إليها وإن كانت كذبا لزم تركها

ووجدنا رواة هذه الأحاديث أئمة المسلمين وصدورهم وعلماءهم وثقاتهم خلفا عن سلف، وهم من أهل العدالة الظاهرة والمرجوع إليهم وإلى فتاويهم في الدماء والفروج كسفيان بن سعيد الثوري ومالك بن أنس الأصبحي وحماد بن زيد الأزدي وسفيان بن عيينة الهلالي وعبد الله بن المبارك المروزي وأمثالهم.

وفي طبقة كل من قبلهم وبعدهم من حاله في العلم والعدالة كحالهم فغير جائز أن يكذب خبرهم.

وما من حديث منها إلا وقد ورد من عدة طرق متساوية الحال في تعلق الأسباب الموجبة للقبول ومع ذلك فهم الذين رووا الأحكام والسنن وعليهم مدار الشريعة فمن صدقهم في نقل الشريعة لزمه أن يصدقهم في نقل الصفات ومن كذبهم في أحد النوعين وجب عليه تكذيبهم في النوع الآخر.

فلم يبق بعد هذا إلا قولهم: إن أخبار الآحاد لا توجب عند أكثر العلماء علما وإنما يجب العمل بها.

وقد بينا في كتاب " الإبانة " هذا الفصل وجملته أن المطلوب من التواتر سكون النفس إليه وتبلج الصدر بكونه وينتفي ظن الكذب والوهم والتواطؤ عنه وأكثر ما ورد في الصفات بهذا الوصف.

وقد اتفق أكثر الأصوليين على أن المتواتر ليس له عدد محصور وليس المراد بذلك أنهم يخرجون الكثرة عن الحصر وإنما المراد أنه لا يحصر بأن الذي يوجب العلم ما نقله اثنان أو ثلاثة أو عشرة بل ننظر إلى وقوع العلم به وانتفاء الظن عنه فربما حصل ذلك بمائة أو أكثر وربما حصل بأربعة أو أقل.

ونحن والحمد لله نجد أنفسنا ساكنة إلى هذه الأحاديث المشار إليها ورواتها ممن لا يظن بهم الكذب ولا الوهم ولا التواطؤ في هذه الروايات.

ولا شك في اختلاف أحوال الناس فمائة منهم يجوز عليهم أن يهموا في الشيء وأن يتواطؤ عليه وعشرة منهم تخالف أحوالهم أحوال المائة فيعلم أن الوهم والكذب والتواطؤ منتفية عن خبرهم وهذا لا يعلمه إلا من عرف الحديث وأهله وأتقن [ معرفة ] ذلك.

وعند الأشعري وأصحابه أن العلم يقع بنقل المجوس واليهود والنصارى إذا تواتر نقلهم وليس من شرط التواتر أن يكون ناقلوه مسلمين عدولا ومن [ التخريف ] العلم بنقل الكفار إذا كثروا وعدم العلم بنقل عدول المسلمين إذا كانوا دونهم.

وقد أجمعنا في الأحكام على أن شهادة عدلين من المسلمين تقتضي الحكم في الأموال وبعض الحدود وشهادة أربعة منهم في الزنا وما في حككم ذلك ولو شهد ألف من الكفار لم تقبل شهادتهم على مسلم في مال ولا حد.

ولا ينبغي أن ينقلب الأمر في باب المتواتر ويرجع إلى التسوية بين الكفار والمسلمين فإن كل طائفة حُكم بسقوط عدالة كل واحد منهم على الانفراد لم يردهم الاجتماع إلى العدالة وكل فرقة حكم للكل امرئ منهم بالعدالة على حدته فإذا اجتمعوا زادوا خيرا وقوي القلب بما شهدوا به.

فلما كان الكفار ساقطي العدالة مجتمعين وفرادى لم يجز أن يكون خبرهم موجبا للعلم الضروري إلا باقتران دلالة به مقتضية لوجوبه.

وأخبار الآحاد عند أحمد بن حنبل [ و] غيره من علماء النقل ضربان فضرب لا يصح أصلا ولا يعتمد فلا العلم يحصل بمخبره ولا العمل يجب به وضرب: صحيح موثوق بروايته وهو على ضربين:

أ- نوع منه قد صح لكون رواته عدولا ولم يأت إلا من ذلك الطريق فالوهم وظن الكذب غير منتف عنه لكن العمل يجب.

ب- ونوع قد أتى من طرق متساوية في عدالة الرواة وكونهم متقنين أئمة متحفظين من الزلل فذلك الذي يصير عند أحمد في حكم المتواتر.

وينبغي أن يعلم أن الأخبار في الجملة إنما ترد في أحد معنيين إما ما يراد به العمل وإما ما سبيله الاعتقاد.

فما كان واردا في العمل جائز ورود مثله في الصحة وثقة الرواة مخالفا لحكمه وذلك لجواز ورود النسخ في الأحكام فيطالب عند ذلك ب[العلم ] بالناسخ ليعمل به وبالمنسوخ ليترك.

وما كان ورادا في المعتقدات برواية الثقات لا يجوز أن يرد برواية أمثالهم ما يخالف ذلك.

لأن الخبر عن كون الشيء وصفته إذا كان صدقا لا يجوز ورود النسخ عليه ولا كون مخبره على صفتين متضادتين. ولم نجد والحمد لله في الأخبار الواردة في الصفات التي حكم العلماء بصحتها وتلقوها بالقبول اختلافا في صفة ولا معنى ولو وجدنا ذلك لكان دالا على كونها كذبا أو وهما وإنما وجد هذا الوصف فيما سبيله العمل به دون وقوع العلم الضروري بمخبره.

وإذا ثبت ما ذكرناه وعلم أن طاعة الرسول ﷺ واجبة وأن قبول خبره لا زم وجب اعتقاد ما في هذه الأحاديث المذكورة في الصفات ولو لم يلزم اعتقاد ذلك لم تكن هذه الأخبار لا محالة دون سائر الأخبار الواردة فيما سبيله العمل به فينبغي أن يعمل ( بها ) أيضا والعمل بها هو القول بمخبرها.

وقبل وبعد فالأئمة الذين رووها غير منكرين لشيء منها بل قد أوردوها في السنن وبينوا أن اعتقادها سنة وحق بل واجب وفرض.

ولا يخلو أمرهم من أن يكونوا مخطئين في فعلهم أو مصيبين في رأيهم فإن أصابوا فاتباعهم على الصواب هدى.

وإن أخطئوا بزعم المخالف وهم الأئمة المقبولون المرضيون بالاتفاق فالمخالفون الذين قد حكم بأنهم من أهل الزيغ والضلال أقرب إلى الخطأ وأبعد من الصواب منهم فيجب أن لا يصغي إليهم ولا يعول على تمويههم ثم نهاية شغبهم أن إثبات الصفات يقتضي التشبيه والتجسيم لما نراه في الشاهد وهذا الشغاب ينعكس عليهم ويعلم بطلانه بذلك

ألا ترى في الشاهد أن الفاعل للأشياء المتقنة العالم الخبير الحي السميع البصير جسم والله سبحانه حي سميع بصير عليم فاعل وليس بجسم وإثبات الصفات له على ما جاء به النص عنه وعن رسول الله ﷺ لا يوجب التجسيم والتشبيه بل كل شيء يتعلق بالمحدثات مكيف وصفات الباري لا كيفية لها فالتجسيم والتشبيه منتفيان عنه وعن صفاته وبالله التوفيق.

الفصل التاسع: في ذكر شيء من أقوالهم ليقف العامة عليها فينفروا عنهم ولا يقعوا في شباكهم

قد صنف غير واحد من المتكلمين من المعتزلة والكرامية في فضائح الأشعرية والكلابية كما صنف هؤلاء في فضائح الآخرين أيضا.

ولكل مخالف للسنة وطريقة أهل الأثر ما يفتضح به عند التأمل وأهل الأثر لا فضيحة عليهم عند محصل لأنهم لم يحدثوا شيئا وإنما تبعوا الأثر ومن ادعى في الأثر فضيحة بعد الحكم بصحته لم يكن مسلما.

ونحن لا نذكر من فضائح الأشعري ومن وافقه ما ذكره من لا يرضى مذهبه من ( معتزلي وكرامي ) بل ما لا يمكنهم إنكاره وتنطق به كتبهم فمنها

أن الأمر عند الفقهاء على الوجوب إلا أن يقترن به ما يدل أن المراد به الندب أو الإباحة.

وعند أكثر المتكلمين صيغة الأمر للندب والإباحة إلا أن يدل دليل على أن المراد به الوجوب.

وعند الأشعري: أن الأمر لا صيغة له إذا قال سبحانه افعلوا كذا لا يفهم منه وجوب ولا ندب ولا غير ذلك، ولا يفيد بمجرده شيئا حتى يقترن به دليل على أن المراد به.

وهذا شيء ينفرد به الأشعري ومن وافقه وهو مؤد إلى فساد كثير.

ومنها: أن الإيمان والنبوة عرضان يحلان الأجسام في حال الحياة ويزولان عنها بزوال الحياة فالمؤمن إذا مات يدخل قبره ولا إيمان معه والنبي ﷺ إذا مات يدفن وليس بنبي وعلى هذا الأصل يقتضي أن يزول الإيمان عن الرجل إذا نام وهذا من أشنع الأقاويل.

ومنها أن وقوع الكبائر من الأنبياء عليهم السلام في حال النبوة جائز إلا فيما يختص بالرسالة فإنه لا يجوز عليهم الكذب فيها ولا التغيير ولا الكتمان وعند المعتزلة: لا يجوز حصول كبيرة منهم في حال الأداء ولا قبله.

وعند أهل السنة أن وجود الكبائر منهم عليهم السلام قبل أن يوحى إليهم جائزة فأما بعد الوحي فهم معصومون من ارتكاب الكبائر.

ومنها أن عوام المسلمين الذين لا يعرفون الله تعالى بالأدلة العقلية ليسوا بالمؤمنين في الحقيقة وإنما تجري عليهم أحكام الشريعة وهو من أفضع الأقاويل وهو قول جهم.

ومنها أن كل حديث ورد مخالفا للعقل لا يمكن الجمع بينه وبين العقل فهو زور وإن رواه من لا يشك في عدالته قبل ذلك وأن من رواه مع العلم بحاله مثبتا له تسقط عدالته ولا يجوز قبول خبر في باب الاعتقاد إلا ما وافق قضية العقل فيه وهذا يؤدي إلى رد الأخبار الواردة في الصفات وإلى تفسيق أئمة المسلمين.

ومنها أن الصلاة وسائر قوانين الشريعة لا يعتد بقيام المرء بها إلا بعد معرفته ربه بدليل العقل وأول الفروض عليه النظر في الأدلة ليعرفه وإذا اشتغل بالفروع قبل إحكام الأصول لم ينتفع به.

وشهادة أن لا إله إلا الله إذا لم يعرف قائلها صحة الأدلة شهادة عارية عن العلم غير منتفع بها.

ومنها أن الملحد والمجوسي واليهودي والنصراني ينبغي أن يدعى إلى المناظرة ويتعلم الكلام لجدالهم و........ الله سبحانه قد منع من الجلوس مع الخائضين في آياته واتفق أهل الحل والعقد من العلماء على أن الملحد والمجوسي وأهل سائر النحل لا يلزمنا جدالهم وأجمع أكثرهم على أن الجدال المنسوخ بالأمر بالقتال وفي مناظرتهم أكبر فساد ( لانتشار ) شبههم بها في الناس وجواز عدم من يصل إلى حلها في الحال.

ومنها أن المخالف من أصحاب الحديث وأهل الأثر لا يبلغ عقل كثير منهم معرفة العقليات ولا يفهمونها فإن كل واحد منهم ينبغي أن يخاطب على قدر عقله.

وفي ضمن هذا إخفاء المذهب عن قوم وإظهاره لآخرين وهذا شبيه بالزندقة وبهذا الفعل منهم دخل كثير من العوام والمبتدئين في مذهبهم لأنهم يظهرون له الموافقة في الأول ويكذبون بما ينسب إليهم حتى يصطادوه فإذا وقع جروه قليلا قليلا حتى ينسلخ من السنة.

وكان أبو بكر الباقلاني من أكثرهم استعمالا لهذه الطريقة وقد وشح كتبه بمدح أصحاب الحديث واستدل على الأقاويل بالأحاديث في الظاهر وأكثر الثناء على أحمد بن حنبل رحمة الله عليه وأشار في رسائل له إلى أنه كان يعرف الكلام وأنه لا خلاف بين أحمد والأشعري وهذا من رقة الدين وقلة الحياء.

ومنها ما أظهره متأخروهم و..... منهم وهو أن القرآن إذا كتب بمداد فيه نجس أو رمي المصحف في الخلاء أو طرح عليه قذر على سبيل العمد لم يجب فيه كبير نكير.

لأن صفة الله سبحانه ليست في الدنيا وإنما المصحف بما فيه مخلوق وهو من جملة المثمنات والله تعالى يقول { لا يمسه إلا المطهرون } والنبي ﷺ نهى عن حمله إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو والفقهاء مجمعون على أن مس المحدث إياه لا يجوز.

ومنها ما ارتكبه أهل الوقت منهم خصوصا من كان منهم من المغاربة وهو أن كل من ( يخالفهم ) نسبوه إلى سب العلماء لينفروا قلوب العوام عنه وقرفوه بأقاويل لا يقول بها ولا يعتقدها بهتا منهم وكذبا لأن البهتان والكذب لا قبح لهما في العقل وإنما علم قبحهما بالسمع والقائلون بخلاف قولهم ضلال عندهم ولا حرمة لهم.

وفي المذهب أشياء كثيرة في نهاية الشناعة لم أرد ذكرها في الحال خوفا من الإطالة لأنه هذه الرسالة إنما اشتملت على نكت وإشارات ولعلنا في غيرها نشرح بعض ما أشرنا إليه من فضائح مذهبهم إن شاء الله تعالى.

الفصل العاشر: في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه

لما زعم عوام مخالفينا أنهم موافقون للأئمة متبعون لهم احتجنا أن نشير إلى أمر الأئمة وإلى معنى الإمامة في العلم ليعلم من المستحق منهم للاتباع ومن الواجب هجرانه.

اعلموا أرشدنا الله وإياكم أن الإمامة هي التقدم في معنى بالناس إلى معرفته حاجة أو قضي عليهم ( خوض ) فيه وارتكابه وإن كان بهم عنه غنى

فأئمة قد أثنى الله عليهم خيراُ قال: { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون } وقال تعالى { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين }

وأئمة قد أثنى الله عليهم شرا فقال: { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم } إلى آخر الآية وقال { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين }

فلما علم أن الأئمة على ضربين أئمة حق ممدوحين وأئمة ضلال ( مذمومين ) احتجنا إلى أن نبين أحوال الضربين ليتبع المحق ويهجر المبطل.

فأئمة الحق هم المتعبون لكتاب ربهم سبحانه وتعالى المقتفون سنة نبيهم ﷺ المتمسكون بآثار سلفهم الذين أمروا بالاقتداء بهم.

وعلومهم التي صاروا بمعرفتها وجمعها والتقدم فيها أئمة / لغيرهم القرآن ومعرفة ( قراءاته ) وناسخة ومنسوخة وأحكامه وفيمن نزل والعلم بمحكمه ومتشابهه والأخذ بالآيات المحكمات منه والإيمان بالمتشابه.

ثم الحديث وتبيين صحيحه من سقيمه وناسخه من منسوخه ومتواتره من آحاده ومشهوره من غريبه وما تلقته الأمة منه بالقبول وما تركوا العمل به وما يجب اعتقاد ما فيه ومعرفة علله وأحوال رواته.آه

ثم الفقه الذي مدار الشريعة على ضبطه وهو مستنبط من الكتاب والحديث وطلبه فرض وأحكام أصوله التي شرحها متقدموا الفقهاء دون ما أحدثه المتكلمون منها ومزجوه ببدعهم ورضي به بعض المتأخرين.

وما يستقيم لكم تحصيل هذه العلوم إلا بأن يشرع في أخذ لغة العرب قبل ذلك ليعلم معنى ما يرد عليه ( في ) القرآن والحديث والفقه.

ولا بد له من تعلم شيء من النحو الذي به يوزن كلام العرب ويعرف صحيحه من فاسده. فإذا تقدم واحد في هذه العلوم وكان أخذه إياها ممن علم تقدمه فيها وكونه متبعا ( للسلف ) مجانبا للبدع حكم بإمامته واستحق أن يؤخذ عنه ويرجع إليه ويعتمد عليه.

ثم يلزمه في الأداء التحفظ من الزلل والتحرز من الإحداث والتوقي عن مجاوزة ما أحاط به علمه وقبول ما يتجه له من الصواب وإن أتاه ذلك ممن هو دونه والتواضع لله سبحانه الذي من عليه بما علمه والرفق واللين لم يتعلم منه والجري على طريقة من تقدم من العلماء في التورع والتخوف من العثرة والعلم بأنه ليس بمعصوم وأن الذي صار إليه من العلم يسير ( وإن حرمه خلق الله الكثير ).

واللذين كانوا على هذا المنهاج بعد الصحابة الذين فازوا بالسبق والسؤدد وظفروا بالحظ الأوفر من كل خير واشتركوا في الإمامة والعدالة وكان بينهم تفاضل وتقارب رضي الله عنهم هم التابعون لهم بإحسان وهم خلق كثير لم يخالفوا طريقة الصحابة ولم يحدثوا في الدين حدثا.

فبالمدينة من أعلامهم سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير بن العوام وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وخارجة بن زيد بن ثابت وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسليمان بن يسار وقبيصة بن ذؤيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج.

وبمكة: طاووس بن كيسان الصنعاني وعطاء بن أبي رباح وعبيد بن عمير ومجاهد بن جبر.

وبالعراق الحسن ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله الشخير وجابر بن زيد أبو الشعثاء وعامر بن ( شراحيل ) الشعبي وعلقمة بن قيس والأسود بن يزيد.

وبالشام جنادة بن أبي أمية ورجاء بن حيوة وعبد الله بن محيريز وحسان بن عطية.

وفي كل ناحية قوم مشهورون.

ثم من بعدهم من تأخر عنهم ولحق متأخري الصحابة موتا وأخذوا عن كبار التابعين بعدهم.

كالزهري بالمدينة وعمرو بن دينار بمكة.

وإبراهيم بن يزيد النخعي بالكوفة وأيوب السختياني بالبصرة ومكحول بالشام خير بن نعيم بمصر ومعاوية بن صالح بالأندلس.

وفي وقتهم دبت البدع وقرف آخرون بشيء منها ولم يصح ذلك ثم عمر الله البلاد بالفقه والحديث فظهر بالمدينة مالك بن أنس وابن أبي ذئب وبمكة ابن جريج وسفيان بن عيينة.

وبالشام أبو عمرو الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز.

وبمصر الليث بن سعد وعمرو بن الحارث

وبالكوفة سفيان بن سعيد الثوري وبالبصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي وبخراسان عبد الله بن المبارك.

وكانوا أئمة في العلم مشاهير بالاتباع والأخذ عن أمثالهم وكان في وقتهم علماء لهم تقدم في علوم، وأتباع على مذهبهم لكنهم وقعوا في شيء من البدع إما القدر وإما التشيع أو الإرجاء عرفوا بذلك فانحطت منزلتهم عند أهل الحق

وظهر بعد ذلك: أبو عبد الله بن إدريس الشافعي رحمة الله عليه وأصحاب أبي حنيفة وأصحاب مالك وكثرت العصبية واضطربت الأمور وصعب على ناس كثير ظهور مذهب الشافعي لقيامه بالفقه والحديث واللغة وشرفه في النسب وكونه مقبولا عند المتبعين من أهل عصره.

ثم ظهر الكلام وأهله وانتشرت كتب الفلاسفة وأهل الزيغ في أيدي الناس وكثرت المذاهب في الأصول.

فأيد الله سبحانه بمنه أبا عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله حتى قام بإظهار المنهاج الأول وكان جامعا قد تقدم في الفقه فنظر في مذهب أبي حنيفة وسفيان أولا ثم نظر في مذهب مالك ثم نظر في مذهب الشافعي واختار لنفسه ما وجده في الحديث وكان في معرفته مبرزا وكان شديد الورع ومتمسكا بآثار السلف ومتمكنا من العقل والحلم فنشر ما كان عليه السلف وثبت في المحنة ولم يأت من عنده بشيء ولم يعول إلا على السنن الثابتة.

وإنما عرف المذهب به لتفرده بالقيام في وقته وسكوت أترابه عن ذلك إما لخوف البعض أو عرفان من آخرين ( بأنه ) أولاهم بما قام به لتقدمه عليهم في خصال الخير.

واليوم فمن عرف منه لزوم المنهاج وظهر تقدمه في العلوم التي ذكرناها فهو إمام مقتدى به.

ومن زاغ عن الطريقة وفاوض أهل البدع والكلام وجانب الحديث وأهله استحق الهجران والترك وإن كان متقدما في تلك العلوم.

وأما أئمة الضلالة فالمشركون والمدون الربوبية والمنافقون ثم كل من أحدث في الإسلام حدثا وأسس بخلاف الحديث طريقا ورد أمر المعتقدات إلى العقليات ولم يعرف شيوخه باتباع الآثار ولم يأخذ السنة عن أهلها ( أو أخذ ) ( عنهم ) ثم خالفهم.

وهم فرق والأصول أربعة: القدرية والمرجئة والرافضة والخوارج ثم تشعبت المذاهب من هذه الأربعة والكل ضلال.

فكل من رد الأمر إلى نفسه وادعى قدرته على ما يريد وزعم أن الله سبحانه لم يقدر المعاصي ولم يكتبها ولم يردها فهو قدري.

وكل من زعم أن الإيمان قول مفرد أو قول ومعرفة أو قول تصديق أو معرفة مجردة أو تصديق مفرد أو أنه لا يزيد ولا ينقص فهو مرجئ وبعضهم جهمي.

وكل من يبغض أبا بكر وعمر ( وعثمان ) رضي الله عنهم أو واحدا منهم وأنكر إمامته وفضله فهو رافضي.

وكل من تنقص عثمان أو عليا وعائشة ومعاوية وأبا موسى وعمرو بن العاص رضي الله عنهم فهو خارجي.

ومن تنقص بعضهم ولم يتنقص عثمان وعليا فهو ضال على أي مذهب كان وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: " لعنت القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبيا " 1

وروي عنه في الروافض أنهم مشركون 2

وروي عنه في الخوارج أنهم كلاب النار

وروي عنه أنه قال: من أحدث حدثا في ديننا فهو رد عليه

وروي عنه عليه الصلاة والسلام " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

فالمتبع للأثر يجب تقدمه وإكرامه وإن كان صغير السن غير نسيب والمخالف له يلزم اجتنابه وإن كان مسنا شريفا.

والذين بلي كثير من أهل العلم بهم: المعتزلة وهم أعداء الأثر وأهله و(كبرائهم) أبو الهذيل العلاف وجعفر بن مبشر والنظام والجاحظ وأبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم وأبو القاسم الكعبي البلخي.

وقبل هؤلاء: عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء.

وبعدهم أبو عبد الله البصري وأبو القاسم الواسطي وبعدهما الصاحب إسماعيل بن عباد وعبد الجبار الأسد أبادي كل هؤلاء دعاة إلى الضلالة.

ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع وضررهم أكثر من ضرر ( المعتزلة ) وغيرهم وهم أبو محمد بن كلاب وأبو العباس القلانسي وأبو الحسن الأشعري.

وبعدهم محمد بن أبي تريد بسجستان وأبو عبد الله بن مجاهد بالبصرة.

وفي وقتنا: أبو بكر بن الباقلاني ببغداد وأبو إسحاق الإسفراييني وأبو بكر بن فورك بخراسان فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردوه على المعتزلة.

وظهر بعد هؤلاء: الكرامية والسالمية فأتوا بمنكرات من القول.

وكلهم أئمة ضلالة يدعون الناس إلى مخالفة السنة وترك الحديث وإذا خاطبهم من له هيبة وحشمة من أهل الاتباع قالوا: الاعتقاد ما تقولونه وإنما نتعلم الكلام لمناظرة الخصوم. والذي يقولونه ( كذب ) وإنما يستترون بهذا لئلا يشنع عليهم أصحاب الحديث.

فمن أنكر قولي فليأت بحديث موافق لما قالوه ولا يجد إلى ذلك والحمد لله سبيلا وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: "أخاف على أمتي الأئمة المضلين "

ثم قد دخل في مذاهبهم خلق كثير ( ممن ) يتظاهر بالفقه والحديث فمنهم من أظهر ذلك وعرف به ومنهم المنكر أنه منهم في الظاهر وهو يعضدهم في الباطن ويثني عليهم في الباطن يرضى لنفسه بالكذب والنفاق.

ويتعلق قوم من المغاربة علينا بأن أبا محمد بن أبي زيد وأبا الحسن ( القابسي ) قالا: إن الأشعري إمام وإذا بان صحة حكايتهم عن هذين فلا ( يخلو ) حالهما من أحد وجهين: أن يدعى أنهما كانا على مذهبه فلا يحكم بقولهما بإمامته وإن كانت لهم منزلة كبيرة كما لم يحكم بما يقول ابن الباقلاني وأشكاله.

وهذه رسالة أبي محمد بن أبي زيد في الفقه ورسالة لأبي الحسن القابسي في الاعتقاد موجودتان.

فأبو محمد قال في رسالته: "إن الله فوق عرشه بائن من خلقه "

وعند الأشعري أن اعتقاد هذا كفر وعندنا أن أبا محمد محق فيما قال والسنة معه فيه.

ولأبي محمد كتاب ( إنكار ) الكلام والجدل والحث على الأثر واتباع السلف.

وأبو الحسن القابسي ذكر في كتابه: " إن الاعتماد على السمع وإن الكلام والجدال مذموم وذكر فيه "إن لله يدين كما يقول أهل الأثر"

وعند بعض أصحاب الأشعري أن لله يد واحدة ومن قال إن له يدي صفة ذاتية فهو زائغ.

فبان بما ذكرنا أن هذين الشيخين رحمهما الله ( إن ) قالا ما يحكى عنهما من إمامة الأشعري فإنما قالاه لحسن ظنهما به لتظاهره بالرد على المعتزلة والروافض ولم يخبرا مذهبه ولو خبراه لما قالاه والله أعلم.

وإذا جاز لأبي محمد أن يخالفه في كرامات الأولياء وفي معنى الاستواء وغير ذلك وجاز لأبي محمد مخالفته والقول بما نطق به الكتاب وثبت به الأثر فهو غير قائل بإمامته في السنة. وبالله التوفيق.

هامش

[ ضعيف قاله الألباني ]

[ أسانيده ضعيفة ]

============

الفصل الحادي عشر: في الحذر من الركون إلى كل أحد والأخذ من كل كتاب لأن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر

اعلموا رحمنا وإياكم الله سبحانه أن هذا الفصل من أولى هذه الفصول بالضبط لعموم البلاء وما يدخل على الناس بإهماله، وذلك أن أحوال أهل الزمان قد اضطربت والمعتمد فيهم قد عز ومن يبيع دينه بعرض يسير أو تحببا إلى من يراه قد كثر (والكذب على المذاهب قد انتشر فالواجب ) على كل مسلم يحب الخلاص ( أن ) لا يركن إلى كل أحد ولا يعتمد على كل كتاب ولا يسلم عنانه إلى من أظهر له الموافقة.

فلقد وقفت على رسالة عملها رجل من أهل أصبهان يعرف بابن اللبان وهو حي بعد فيما بلغني وسماها ب " شرح مقالة الإمام الأوحد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل " وذكر فيها مذهب الأشعري المخالف لأحمد ( أعطى ) منها نسخا إلى جماعة يطوفون بها في البلاد ويقولون هذا إمام من ( أئمة أصحاب ) أحمد رحمة الله عليه قد شرح مقالته لكتبها العوام ويظنوا صدق الناقل فيقعوا في الضلالة وأخرج هذا الرجل من بغداد بهذا السبب وعاد إلى أصبهان وهو من أصحاب أبي بكر بن الباقلاني.

وها هنا بمكة معنا من شغله برواية الحديث أكثر وقته و( يصيح ) أنه ليس بأشعري ثم يقول ( رأيت منهم أفاضل ومن التراب تحت رجله أفضل من خلق وإذا قدم البلد رجل منهم قصده قاضيا لحقه وإذا دخله رجل من أصحابنا جانبه وحذر منه وكلما ذكر بين يديه شيخ من شيوخ الحنابلة وقع فيه وقال: أحمد نبيل لكنه بلي بمن يكذب )

وهذا مكر منه لا يحيق إلا به.

ولو جاز أن يقال: إن أصحاب أحمد كذبوا عليه في الظاهر من مذهبه والمنصوص [ عليه ] لساغ أن يقال إن أصحاب مالك والشافعي وغيرهما كذبوا عليهم فيما نقلوه عنهم وهذا لا يقوله إلا جاهل رقيق الدين قليل الحيا.

ومن الناس من يظهر الرد على الأشعرية ويقول: ما أتكلم في الحرف والصوت ومن كان هكذا لم يخل أمره من أحد وجهين: إما أن يكون غير خبير بمذهب أهل الأثر وهو يريد التظاهر به تكسبا أو تحببا.

وإما أن يكون من القوم فيتظاهر بمخالفتهم ليدلس قولهم فيما يقولونه فيقبل منه أو يحسن قبيحهم فيتابع عليه ظنا أنه مخالف لهم وكثيرا ما يتم على أهل السنة مثل هذا.

فمن رام النجاة من هؤلاء والسلامة من الأهواء فليكن ميزان الكتاب والأثر في كل ما يسمع ويرى فإن كان عالما بهما عرضه عليهما واتباعه للسلف.

ولا يقبل من أحد قولا إلا وطالبه على صحته بآية محكمة أو سنة ثابتة أو قول صحابي من طريق صحيح.

وليكثر النظر في كتب السنن لمن تقدم مثل: أبي داود السجستاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وأبي بكر الأثرم وحرب بن إسماعيل السيرجاني وخشيش بن أصرم النسائي وعروة بن مروان الرقي وعثمان بن سعيد الدارمي السجستاني.

وليحذر تصانيف من تغير حالهم فإن فيها العقارب وربما تعذر الترياقي ولقد قال بعض السلف: ( سمعت مبتدعا ) في...... قولا اجتهد في إخراجه من قلبي وسمعي ولا يتم لي ذلك.

وكان ( ابن ) طاووس يسد أذنه إذا سمع مبتدعا يتكلم ويقول: القلب ضعيف.

وليكن من قصد من تكلم في السنة اتباعها وقبولها لا مغالبة الخصوم فإنه يعان بذلك عليهم وإذا أراد المغالبة ربما غلب.

وقال الحسن: ( المؤمن ينشر حكمة الله فإن قبلت منه حمد الله وإن ردت عليه حمد الله ) وموضع الحمد في الرد أنه وفق لأداء ما عليه.

وقال الهيثم بن جميل: قلت لمالك بن أنس يا أبا عبد الله الرجل يكون عالما بالسنة يجادل عليها؟ قال: لا. يخبر بالسنة فإن قبلت منه وإلا أمسك ) .

[ وقال العباس بن غالب الهمداني الوراق قلت لأحمد بن حنبل رحمه الله: يا أبا عبد الله أكون في المجلس ليس فيه من يعرف السنة غيري فيتكلم مبتدع فيه أرد عليه؟ فقال لا تنصب نفسك لهذا، قال: أخبر بالسنة ولا تخاصم. فأعدت عليه القول فقال ما أراك إلا مخاصما.]

وروي عن النبي ﷺ أنه قال: ( إذا أراد الله بقوم شرا ألقى بينهم الجدل وخزن العمل ) وقيل للحسن بن أبي الحسن البصري نجادلك؟ فقال: لست في شك من ديني ). وقال مالك بن أنس ( أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد ﷺ لجدله ) وقال حسان بن عطية لغيلان إنك وإن أعطيت لسانا فإنا نعلم أنا علي حق وإنك على الباطل.

وقال النبي ﷺ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والمحدثات فإن كل محدثة بدعة.

وقال الأوزاعي ( عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول ).

فليحذر كل مسلم مسئول ومناظر من الدخول فيما ينكره على غيره وليجتهد في اتباع السنة واجتناب المحدثات كما أمر وليعلم أن الله سبحانه لو أراد أن يكل الأمر إلى الناس ويأمرهم بالاجتهاد فيه برأيهم لفعل لكنه أبى ذلك وأمرهم ونهاهم ثم ألزمهم الاجتهاد في القيام بما أمروا به واجتناب ما نهوا عنه.

وأنا أرجو أن من تأمل هذه الرسالة حق التأمل وجد فيها بتوفيق الله سبحانه شفاء غليله وأسأل الله تعالى أن يجعل قيامي بها لوجهه خالصا وأن ينفع بها من نظر فيها إنه ولي ذلك والقادر عليه.

(تمت الرسالة والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا وآله وسلم تسليما كثيرا ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جلباب المرأة المسلمة للشيخ الألباني

  جلباب المرأة المسلمة صفحة رقم -35-  مقدمة الطبعة الأولى :   بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم : ( يا...