Translate

Translate ترجم الصفحة لاي لغة تريد

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 27 فبراير 2024

* تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء / شرح قصة سليمان عليه السلام / شرح قصَّة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام و/ شرح قصَّة نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

* تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء / شرح قصة سليمان عليه السلام / شرح قصَّة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام و/ شرح قصَّة نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام


تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم


 حثالة الأغبياء


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم


وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله

رب يسر وَلَا تعسر

الْحَمد لله الْعلي الْعَظِيم الْعَزِيز الْحَكِيم الَّذِي فطرنا باقتداره وطورنا بِاخْتِيَارِهِ ووب صورنا فِي أحسن تَقْوِيم وَمن علينا بِالْعقلِ السَّلِيم وهدانا إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وقض لنا من السَّادة الْأَعْيَان المؤيدين بواضح الْبُرْهَان المعصومين من كل صَغِير وكبير من اللمم والعصيان سفرة من خَاصَّة الأخيار الْمُرْسلين الْأَبْرَار الْمَشْهُود لَهُم بخالصة ذكرى الدَّار ليفصلوا بَين الْحَرَام والحلال وَالتّرْك والامتثال واختصنا مِنْهُم بِخَاتم النَّبِيين وَسيد الْمُرْسلين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وعَلى آلهم الطيبين الطاهرين من عهد آدم إِلَى يَوْم الدّين

أما بعد فإنني قد استخرت الله تَعَالَى فِي إملاء شرح بعض آيَات رغب فِي إملائها بعض الطّلبَة المحتاطين على الدّين غيرَة مِنْهُم على أَعْرَاض النَّبِيين لِأَن لَاحَ فِي ضمنهَا بعض عتاب لَهُم فِي بعض فقرات لَا تغض من  أقدارهم وَلَا تنقص من كمالهم وَلَا تقدح فِي عصمتهم وكريم أَحْوَالهم بِمَا من الله بِهِ من فَضله على من يَشَاء من عباده وَذَلِكَ لما سلط الله على سَادَات الْمُرْسلين من غثاء الْفرق المضلين من أوباش المعطلة الضَّالّين وأراذل الْيَهُود وَالنَّصَارَى ومقلدة المؤرخين وَالْقصاص المجازفين الْجَاهِلين بِحَقِيقَة النُّبُوَّة وَمَا يجوز على أَنْبيَاء الله تَعَالَى وَمَا يَسْتَحِيل وَمَا يجب على الكافة من تعزيرهم وتوقيرهم وتدقيق النّظر فِي اسْتِخْرَاج مناقبهم على أتم الْكَمَال وأعمه فتراهم يتركون مَا أوجب الله عَلَيْهِم من التفقة فِي آي الْقُرْآن من تَوْحِيد بارئهم وتنزيهه عَن النقائص وَوَصفه تَعَالَى بِمَا يجب لَهُ من صِفَات الْكَمَال والجلال وَوصف أنبيائه بِالصّدقِ والعصمة والتنزيه من الْخَطَأ والخطل وَكَذَلِكَ مَا جاؤوا بِهِ من وظائف الْعِبَادَات وَمَا أخبروا بِهِ من المغيبات والمواعظ بالوعد والوعيد وَالنَّظَر فِي الْفرق بَين الْحَلَال وَالْحرَام والمشتبهات إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا تحويه الرقوم وَلَا تحيط بِهِ ثاقبات الفهوم وَمَا عَسى أَن أَقُول فِيمَا قَالَ الله تَعَالَى فِيهِ وَلَو أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر مَا نفدت كَلِمَات الله الْآيَة وَقَوله تَعَالَى وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ الأَرْض اَوْ كلم بِهِ الْمَوْتَى الْآيَة وَقَوله تَعَالَى {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل لرأيته خَاشِعًا متصدعا} الْآيَة إِلَى غير ذَلِك فترى بهائم قد صرف الله قُلُوبهم وطبع عَلَيْهَا بِطَابع النِّفَاق ينكبون عَن هَذِه الواضحات من الحكم الْبَالِغَة والبراهين الصادعة ويقصدون إِلَى أَقْوَال وأفعال لَهُم  يتخيلونها مثالب فِي حَقهم فيهلكون وَيهْلِكُونَ من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ

فلنذكر الْآن مَا نذْكر مِنْهَا لكَوْنهم يستعملون ذكرهَا لتَحْصِيل أغراض لَهُم فَاسِدَة ثمَّ نعطف على مَا بَقِي مِنْهَا فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى

فَمِنْهَا قصَّة دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ زوج أوريا وقصة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ زَوْجَة جَرَادَة وَمَا كَانَ من قصَّة الْجَسَد والكرسي وقصة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ امْرَأَة الْعَزِيز فِي الْهم والمراودة وقصة نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ زيد بن حَارِثَة وَزَيْنَب بنت جحش بن أُميَّة فيتأولونها تَأْوِيل من حل من عُنُقه ريقة الشَّرِيعَة ويئس من رَحْمَة الله ثمَّ ينسبون بعض هَذِه الْأَقْوَال إِلَى كبار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ليموهوا بهَا على الْعَوام لِئَلَّا يردوها عَلَيْهِم ويقدحوا فِيهَا ثمَّ تراهم يَتَرَدَّدُونَ فِي نقل تِلْكَ الخرافات بالتكرار على أوجه مُخْتَلفَة تورعا فِي نقل الرِّوَايَة تورع الْكَلْب الَّذِي يرفع رجله عِنْد الْبَوْل وفمه فِي أعماق الجيفة ثمَّ قد قيض الله لتِلْك الحكايات فِي هَذَا الْوَقْت المنكوب شرذمة من المقلدة المنتمين إِلَى الْإِرَادَة وَالْقصاص المدعين فِي غرائب الْعلم وبواطن الْمعَانِي المنتمين إِلَى الْوَعْظ والتذكير فتراهم ينتقلون من الْمَزَابِل إِلَى المنابر فيطرحون الْكَلَام فِي وظائف التَّوْحِيد ومزعجات الْوَعْد والوعيد وأقسام أهل الدَّاريْنِ فِي الدَّرَجَات والدركات ويخوضون فِي أَحْوَال الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ويتمندلون بأعراضهم على رُؤُوس الْعَوام والطغام وَلَا مُشفق على دين  الله تَعَالَى وَلَا محتاط على أغمار المقلدة وَلَا زاجر ذَا سُلْطَان حَتَّى كأننا مِلَّة أُخْرَى وَلَا نغار على ذمهم وَلَا نرقب فِي أعراضهم إِلَّا وَلَا ذمَّة

وغرض هَؤُلَاءِ الفسقة فِي سرد تِلْكَ الحكايات المورطة قَائِلهَا وناقلها فِي سخط الله تَعَالَى أَن يهونوا الفسوق والمعاصي على بله الْعَوام ويتسللوا إِلَى الْفُجُور بِالنسَاء بذكرها لوذا حَتَّى ترى الْمَرْأَة تخرج من مجْلِس الْوَاعِظ إِلَى منزله فتسأله على التَّفْصِيل فيزيدها أقبح مِمَّا أسمعها فِي الْجُمْهُور يَقُول لَهَا هَذَا أَمر مَا سلم مِنْهُ عُظَمَاء الْمُرْسلين فَكيف نَحن فَلَا يزَال يهون عَلَيْهَا مَا كَانَ يصعب من قبل ف {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون}

ذكر مَا اختلقوه فِي قصَّة دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام

فَمن شنيع تخرصهم فِي قصَّته عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ امْرَأَة أوريا وَقلة مُرَاعَاتهمْ مَعَ من جعله الله تَعَالَى خَليفَة فِي الأَرْض وشدد ملكه وآتاه الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب وسخر لَهُ الْجبَال يسبحْنَ مَعَه وَالطير وألان لَهُ الْحَدِيد فمما اختلقوه عَلَيْهِ أَن قَالُوا

إِنَّه أشرف يَوْمًا من كوَّة كَانَت فِي محرابه فَرَأى امْرَأَة تَغْتَسِل فِي حُجْرَتهَا فأعجبه حسنها ولين جَانبهَا ورخامة دلها فشغفه حبها فالتفتت إِلَيْهِ فأسبلت شعرهَا على جَسدهَا لتستتر مِنْهُ فزاده ذَلِك شغفا بهَا ثمَّ أرسل إِلَيْهَا يسْأَلهَا من بَعْلهَا فَأَخْبَرته أَنه أوريا فَأرْسل إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ أَن ينزل لَهُ عَنْهَا بِطَلَاقِهَا فَأبى فَأمره بِالْخرُوجِ إِلَى الْغَزْو وَأرْسل إِلَى صَاحب الْجَيْش أَن يغزيه ويقدمه لِلْقِتَالِ فِي كل مأزق فَفعل صَاحب الْجَيْش بِهِ ذَلِك مَرَّات حَتَّى قتل فَلَمَّا بلغ دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قتل أرسل إِلَيْهَا ليتزوجها فأسعفته فَتَزَوجهَا وَكَانَ لَهُ مئة امْرَأَة إِلَّا وَاحِدَة فَأَتمَّ بهَا المئة فَأرْسل الله إِلَيْهِ إِذْ ذَاك الْمَلَائِكَة فاختصموا عِنْده فأفتاهم بِمَا يؤول دركه عَلَيْهِ فخصموه ثمَّ قَالَ أَحدهمَا للْآخر قُم فقد حكم الرجل على نَفسه وصعدا إِلَى السَّمَاء وَهُوَ ينظر إِلَيْهِمَا فتفطن إِذْ ذَاك أَنهم مَلَائِكَة وَأَنه فتن وَأَخْطَأ فَاسْتَغْفر ربه وخر رَاكِعا وأناب  فَهَذِهِ من أَقْوَالهم أقل شناعة وبشاعة مِمَّا سواهَا من الْأَقْوَال فِي كتب الْقَصَص والتواريخ وَبَعض التفاسير الْفَاسِدَة

فصل

وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يعول عَلَيْهِ فِي هَذِه الْقِصَّة وَمَا يضاهيها من الْقَصَص مَا جَاءَ بِهِ الْكتاب الْعَزِيز أَو مَا صَحَّ عَن الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام من الْخَبَر وَمَا سوى ذَلِك فيطرح هُوَ ومختلقه وَرَاوِيه إِلَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم

فصل

فَأَما قصَّة دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام فَهِيَ مَذْكُورَة على الْكَمَال مفصلة فِي قَوْله تَعَالَى {وَهل أَتَاك نبأ الْخصم إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب} إِلَى قَوْله {وخر رَاكِعا وأناب}

قَالَ تَعَالَى {وَهل أَتَاك نبأ الْخصم}

اعْلَم رَحِمك الله أَن اسْتِفْهَام الله تَعَالَى لخلقه لَا يجوز الْآيَة يحمل على حَقِيقَة الِاسْتِفْهَام لوُجُوب احاطة علمه تَعَالَى بِجَمِيعِ المعلومات على أتم التَّفْصِيل فَلم يبْق إِلَّا أَن يكون الِاسْتِفْهَام هُنَا بِمَعْنى التَّقْرِير والتنبيه لنَبيه عَلَيْهِ السَّلَام ليتهيأ لقبُول الْخطاب وليتفهم مَا يلقى إِلَيْهِ من غرائب الْعلم وعجائب الكائنات وَأما إِفْرَاد الْخصم وهما خصمان فالعرب تسمي الْوَاحِد بِالْجمعِ وَالْجمع بِالْوَاحِدِ على وَجه مَا فَنَقُول  خصما للْوَاحِد وَالْجمع كَمَا تَقول ضيفا للْوَاحِد وَالْجمع وَقَالَ الله تَعَالَى {هَل أَتَاك حَدِيث ضيف إِبْرَاهِيم الْمُكرمين إِذْ دخلُوا عَلَيْهِ} فسماهم باسم الْوَاحِد ونعتهم بِالْجمعِ فِي قَوْله {الْمُكرمين} وَكَذَلِكَ {إِذْ دخلُوا عَلَيْهِ}

وَمعنى {تسوروا الْمِحْرَاب} أَتَوْهُ من أعاليه وَلم يأتوه من بَابه وَلذَلِك فزع مِنْهُم فَإِنَّهُ خَافَ أَن يَكُونُوا لصوصا أَو يكون بعض رَعيته ثَارُوا عَلَيْهِ والمحراب فِي اللِّسَان صدر الْمجْلس وَأحسن مَا فِيهِ وَلذَلِك سمي محراب الْمَسْجِد محرابا وَقبل الْمِحْرَاب الغرفة وَفِي فزعه مِنْهُم وَكَانُوا مَلَائِكَة دَلِيل على أَنه لَيْسَ من شَرط النُّبُوَّة أَن يعرف النَّبِي كل من يَأْتِيهِ من الْمَلَائِكَة حَتَّى يعرف بِهِ وَفِيه أَيْضا دَلِيل على أَن الْمَلَائِكَة يتصورون على صور الْآدَمِيّين بِأَمْر رَبهم وَقدرته لَا بقدرتهم وَفِي تصورهم كَذَلِك عريض من القَوْل لسنا الْآن لَهُ لَكِن الَّذِي يَصح مِنْهَا وَجْهَان

إِمَّا انهم ينسلخون من أبعاضهم

اَوْ تنعدم من أجسامهم بالإمساك عَن خلق الْأَعْرَاض فِيهَا مَا شَاءَ الله وَتبقى مَا شَاءَ ثمَّ يعيدهم إِلَى مقامهم كَمَا كَانُوا قيل فَإِنَّهُ لَيْسَ من شَرط الْحَيّ الْعَالم أَن تكْثر أجزاؤه وَلَا أَن تقل فَإِن الْعَالم مِنْهُ جُزْء فَرد

وَأما قَوْله {لَا تخف خصمان} وَلم يَكُونَا خصمين على الْحَقِيقَة وَلَا بغى بَعضهم على بعض وَلَا أتفق لَهما مِمَّا ذكرَاهُ شَيْء فَفِيهِ دَلِيل  على أَن الْكَذِب أَنما يقبح شرعا فَمن أمره الله تَعَالَى أَن يخبر بِمَا وَقع وَبِمَا لم يَقع فَأخْبر بِهِ فَهُوَ مُطِيع ممتثل فَاعل الْحسن وَلذَلِك جَازَ لَهُم أَن يَقُولُوا للمعصوم {فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط} والشطط الْجور مَعَ علمهمْ بِأَن الْمَعْصُوم يحكم بِالْحَقِّ وَلَا يجور فِي الحكم فَتخرج لَهُم هَذِه الْأَقْوَال إِذْ هم مَلَائِكَة وسفرة معصومون مخرج أَقْوَال يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِذْ أَمر مناديه فَنَادَى {أيتها العير إِنَّكُم لسارقون} وَمَا كَانُوا بسارقين وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام لإخوته {أَنْتُم شَرّ مَكَانا} وَلم يَكُونُوا كَذَلِك وَأخذ أَخَاهُم على حكمهم لَا على حكم الْملك وَمَا كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذهُ فِي دين الْملك فَإِن الْملك كَانَ يقتل السَّارِق وَلَا فِي دين إخْوَته فِي شريعتهم فَإِنَّهُم كَانُوا يستعبدون السَّارِق وَأَخُوهُ لم يكن سَارِقا

وَجَاء فِي الْأَخْبَار أَنه كَانَ ينقر فِي الصواع وَيَقُول إِن صواعي هَذَا يُخْبِرنِي بِكَذَا وَكَذَا والصواع لَا يخبر حَتَّى قَالَ لَهُ بنيامين أَخُوهُ أَيهَا الْملك سل صواعك يُخْبِرك أَحَي أخي يُوسُف أم ميت

فَنقرَ فِي الصواع فَقَالَ هُوَ حَيّ وَإنَّك لتراه وتلقاه إِلَى غير ذَلِك فَأَقَامَ الله تَعَالَى عذره فِي كل مَا أخبر عَنهُ وَفعله بقوله كَذَلِك كدنا

(1/30)

ليوسف) وَمَعْنَاهُ بذلك أمرناه وأردنا مِنْهُ

وارتفع الِاعْتِرَاض على أَنه مَا أخبر الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام لداوود عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا كَانَ على جِهَة التَّجَوُّز وَضرب الْمِثَال بأخوة الْإِيمَان إِذْ لَيْسَ فِي الْمَلَائِكَة ولادَة وَإِذا لم يكن ولادَة فَلَا أخوة نسب

وَتَسْمِيَة النِّسَاء نعاجا لتأنيثهن وضعفهن و {أكفلنيها} كِنَايَة عَن نِكَاحهَا {وعزني فِي الْخطاب} بِمَعْنى غلبني وَهَذَا آخر خطاب الْخصم فَقَالَ لَهُ دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام {لقد ظلمك} ثمَّ قيد الظُّلم بسؤال النعجة إِذْ قَالَ لَهُم {إِن كثيرا من الخلطاء ليبغي بَعضهم على بعض إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَقَلِيل مَا هم} وَهَذَا آخر خطابه للخصم

فصل

اعلموا أحسن الله إرشادنا وَإِيَّاكُم أَن كل من تكلم فِي هَذِه الْقِصَّة بِمَا صَحَّ فِي حق دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام وَبِمَا لم يَصح إِنَّمَا بنوه على أس هَذِه الْخمس كَلِمَات الَّتِي هِيَ {أكفلنيها} {وعزني فِي الْخطاب} و {لقد ظلمك} و {ليبغي بَعضهم على بعض} {وَقَلِيل مَا هم} وَهِي بِحَمْد

(1/31)

الله تخرج لَهُ على مَذْهَب أهل الْحق بأجمل مَا يَنْبَغِي لَهُ وأكمله وَالله الْمُسْتَعَان

فَأول مَا يَنْبَغِي أَن نقدم قبل الْخَوْض فِي هَذِه الْمسَائِل وَمَا يضاهيها ثَلَاث مُقَدمَات

إِحْدَاهَا مَا صَحَّ من إِجْمَاع الْأمة قاطبة على عصمَة الْأَنْبِيَاء من الْكَبَائِر

وَالثَّانيَِة أَن كل مَحْظُور كَبِيرَة على قَول من قَالَ بذلك من أَئِمَّة السّنة وَهُوَ الصَّحِيح لاتحاده فِي الْحَظْر وَإِنَّمَا يتَصَوَّر كَبِير وأكبر بالتحريض على تَركهَا وتأكيد الْوَعيد على فعل بَعْضهَا دون بعض

وَالثَّالِثَة شرح هَذِه الْأَقْوَال وَمَا يضاهيها من الْقَصَص الْمَوْعُود بهَا على مَذْهَب من قَالَ بتنزيه الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام عَن الصَّغَائِر وَأَنَّهُمْ لَا يواقعون صَغِيرَة من الذُّنُوب وَلَا كَبِيرَة وَأَن غَايَة أَقْوَالهم وأفعالهم الَّتِي وَقع فِيهَا العتاب من الله تَعَالَى لمن عاتبه مِنْهُم أَن يكون على فعل مُبَاح كَانَ غَيره من الْمُبَاحَات أولى مِنْهُ فِي حق مناصبهم السّنيَّة

وسنبين ذَلِك فِي سِيَاق الْكَلَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى

فصل

فَأَما قولة دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام {أكفلنيها} فَهَذَا بِمَعْنى أنزل لي عَنْهَا بِطَلَاق وأتزوجها بعْدك وَهَذَا من القَوْل الْمَأْذُون فِي فعله وَتَركه ومباح أَن يَقُول الرجل لِأَخِيهِ أَو صديقه انْزِلْ لي عَن زَوجك بإضمار إِن شِئْت وَهَذَا بِمَثَابَة من يَقُول لصَاحبه أَو أَخِيه بِعْ مني أمتك إِن شِئْت وَهَذَا قَول مُبَاح لَيْسَ بمحظور فِي الشَّرْع وَلَا مَكْرُوه وَمن ادّعى حظره أَو كَرَاهَته فِي الشَّرْع فَعَلَيهِ الدَّلِيل وَلَا دَلِيل لَهُ عَلَيْهِ كَيفَ وَقد جَاءَ فِي

(1/32)

الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما واخى بَين سعد بن الرّبيع وَبَين عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ لَهُ الْأنْصَارِيّ لي كَذَا وَكَذَا من المَال أشاطرك فِيهِ ولي زوجان أنزل لَك عَن إِحْدَاهمَا فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بَارك الله لَك فِي أهلك وَمَالك أَرِنِي طَرِيق السُّوق

وَوجه الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث قَوْله بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنزل لَك عَن إِحْدَاهمَا فأقره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذَا القَوْل وَلم يُنكره عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يقر على مُنكر وَهُوَ الْمعلم الْأَكْبَر صلوَات الله عَلَيْهِ وتسليمه فَلم يبْق إِلَّا الْإِبَاحَة لَكِن تَركهَا بِمَعْنى الأولى والأحرى فِي كَمَال منصب النُّبُوَّة كَانَ أولى وَأتم

وَأما قَوْله {وعزني فِي الْخطاب} أَي غلبني فَنزلت لَهُ عَنْهَا فَهُوَ غلب الحشمة لَا غلب الْقَهْر لعظم منزلَة السَّائِل فِي قلب المسؤول وَلَا غلب الْحس بالقهر الْمنْهِي عَنهُ فَإِنَّهُ ظلم مَنْهِيّ عَنهُ شرعا تتحاشى عَنهُ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام كَمَا تقدم

فَإِن قيل كَانَ دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام خَليفَة وَصَاحب سيف وَالْمَطْلُوب مِنْهُ رعية وَمن شَأْن الرّعية هَيْبَة الْمُلُوك والمبادرة لقَضَاء حوائجهم لكَوْنهم قاهرين لَهُم فيقضون حوائجهم باللين خوفًا من العنف وَالْإِكْرَاه وَفِي سُؤال دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام حمل على المسؤول من هَذَا الْبَاب

قُلْنَا صَحِيح مَا اعترضت بِهِ إِلَّا أَن هَذَا الْحمل على المسؤول لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِيمَن عهد مِنْهُ الظُّلم وَالْغَصْب من الْأُمَرَاء وَأما من عهد نه الْعدْل وَالْإِحْسَان كخلفاء الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان فَلَا يتَصَوَّر ذَلِك فِي حَقهم إِذا منعُوا الْمُبَاحَات وَإِذا لم يتَصَوَّر ذَلِك فِي حَقهم مَعَ عدم الْعِصْمَة فَمَا ظَنك بالمعصومين المنزهين عَن الْخَطَايَا تَنْزِيه الْوُجُوب كَمَا تقدم فَبَطل اعْتِرَاض هَذِه القولة فِي حق دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام فِي هَذَا الْبَاب

(1/33)

وَأما قَوْله للخصم {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه} فَفِيهِ اعْتِرَاض من وَجه آخر نتخلص مِنْهُ وَنَرْجِع إِلَى مَا نَحن بسبيله

قَالُوا كَيفَ يكون دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام من خلف الله فِي أرضه وَيقطع على الظُّلم بقول الْوَاحِد قبل أَن يسمع قَول الآخر

فَالْجَوَاب عَن هَذَا يتَصَوَّر من وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَنه سمع من الآخر حجَّة لَا تخلصه فَقَالَ للْأولِ {لقد ظلمك} أَو صدقه الآخر فِي قَوْله فَقَالَ للْأولِ {لقد ظلمك}

وَالثَّانِي أَن يَقُول {لقد ظلمك} بإضمار إِن كَانَ حَقًا مَا تَقول وَهَذَا سَائِغ وَأما أَن يَقُول لَهُ {لقد ظلمك} من غير أَن يسمع حجَّة الآخر فَهَذَا لَا نسوغه فِي حق عَاقل منصف فَكيف فِي حق من آتَاهُ الله الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب

أَلا ترى موقف يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لما جَاءَهُ بنوه عشيا يَبْكُونَ وهم جمَاعَة فَقَالُوا مَا قَالُوا فَقَالَ {بل سَوَّلت لكم أَنفسكُم أمرا} وَلم يقبل أَقْوَالهم وَلَا دموعهم بِغَيْر دَلِيل فَكيف يقبل دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام قَول الْخصم من غير حجَّة حَتَّى يَقُول لَهُ {لقد ظلمك} هَذَا لَا يَصح فِي حَقه وَأما قَوْله للخصم {لقد ظلمك} فعنى بِهِ بخسك وغبنك فِي قَول كَانَ غَيره من الْمُبَاحَات أولى بك مِنْهُ وحد الظُّلم فِي اللِّسَان وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَقد قدمنَا أَن قَول قَائِل لغيره أكفلني زَوجك لَيْسَ بظُلْم مَنْهِيّ عَنهُ شرعا فَلم يبْق إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ فِي حَقه

وَأما قَوْله {وَإِن كثيرا من الخلطاء ليبغي بَعضهم على بعض}

(1/34)

فَيخرج الْبَغي مخرج الظُّلم حرفا بِحرف فَإِنَّهُ إِذا سَاغَ فِي اللِّسَان والمعتاد أَن يُسمى مَالك الْكثير إِذا طلب من الْمقل قَلِيله ظَالِما فَلَا غرو أَن يُسمى بَاغِيا

وَلَو أَن رجلا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ مطيعان لَهُ مستقيمان غَايَة مَا يمكنهما من وُجُوه الاسْتقَامَة فَأحْسن إِلَى أَحدهمَا وَأَعْطَاهُ ووسع عَلَيْهِ ورفه معيشته وَلم يحسن للْآخر بِعَين مَا ألزمهُ الله مِمَّا يتَعَيَّن للعبيد على السَّادة لسمى الْعُقَلَاء هَذَا السَّيِّد ظَالِما بَاغِيا من حَيْثُ إِنَّه أحسن لأَحَدهمَا وَلم يحسن مَعَ الآخر مَعَ تساويهما فِي الطَّاعَة والنصيحة وَالسَّيِّد مَعَ هَذَا التَّخْصِيص بِالْإِحْسَانِ لأَحَدهمَا لم يَأْتِ فِي الشَّرْع بمحظور وَلَا بمكروه بل كل مَا فعل مَعَهُمَا مُبَاح لَهُ

فَهَذَا وَجه من وُجُوه التَّخَلُّص من هَذِه الْأَقْوَال وَأَنَّهَا مُبَاحَة لقائلها وفاعل مَا وَقع مِنْهَا من غير أَن يلْحقهُ ذمّ من الشَّرْع وَلَا ثلب

وَأما قَوْله {وَقَلِيل مَا هم} فمقصوده الأكابر الْأَفْرَاد من الْمُحْسِنِينَ المؤثرين فَإِنَّهُم يحسنون فِي الْمُبَاحَات كإحسانهم فِي المشروعات فيتعاونون فِي الْعشْرَة ويتناصفون فِي الْخلطَة كَمَا قَالَ تَعَالَى {ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة}

ثمَّ قَالَ {وَقَلِيل مَا هم} فَإِنَّهُم الكبريت الْأَحْمَر وَهَذَا آخر خطابه للْمَلَائكَة

فصل

وَالَّذِي يكمل بِهِ هَذَا التَّفْسِير ويعضده نُكْتَة شريفة وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أخبر بِمَا وَقع بَين دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام وَبَين الْخصم من محاورة ومراجعة

(1/35)

وَأَن ذكر التكفل والعزة فِي الْخطاب كَلَامهمَا وَمَا أخبر بِهِ تَعَالَى عَن قَول قَائِل فَلَيْسَ هُوَ فِي الْإِلْزَام كَالَّذي يخبر بِهِ عَن نَفسه وَحكمه فَمن أخبر تَعَالَى أَنه ظلم وَغلب وبغى فِي المشروعات فَهُوَ ظَالِم غَالب بَاغ شرعا وَمن أخبر تَعَالَى أَنه قَالَ ظلمت وبغيت أَو قَالَ ظلم زيد وَغلب وبغى فقد يخبر عَن حَقِيقَة شَرْعِيَّة وَعَن مجازية عَادِية كَمَا تقدم فِي مِثَال السَّيِّد وَالْعَبْد

وَقد ثَبت أَن هَذِه الْأَقْوَال الَّتِي وَقعت بَين دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام وَبَين خَصمه من المجازية العادية وَإِذا كَانَ ذَلِك لم يثبت بهَا حكم شَرْعِي وَإِذا لم يثبت حكم لم تثبت طَاعَة وَلَا مَعْصِيّة

قَالَ تَعَالَى {وَظن دَاوُد أَنما فتناه فَاسْتَغْفر ربه وخر رَاكِعا وأناب فغفرنا لَهُ ذَلِك وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب}

هَذَا الظَّن مِنْهُ يحْتَمل أَن يكون علما وَيحْتَمل أَن يكون ظنا على معنى الظَّن الَّذِي هُوَ التَّرَدُّد فِي الشَّك مَعَ الْميل إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ

فَإِن كَانَ بِمَعْنى الْعلم فَهُوَ أَنه لما علم أَن الْخَصْمَيْنِ ملكان وَأَنه الْمَقْصُود بالمثال وَأَنه فتن أَي اختبر وامتحن بِبَعْض الْمُبَاحَات فعوتب إِذْ لم يصبر فِيهَا صَبر المؤثرين حَتَّى قَالَ مَا قَالَ وَفعل مَا فعل فَخر رَاكِعا يَعْنِي سَاجِدا فَإِن الرُّكُوع وَالسُّجُود يُسمى كل وَاحِد مِنْهُمَا باسم الثَّانِي {وأناب} أَي تَابَ من ذَلِك ظَاهرا وَبَاطنا فَأخْبر تَعَالَى أَنه غفر لَهُ ذَلِك أَي دَرأ عَنهُ الطّلب فِيمَا رأى هُوَ أَنه ذَنْب فِي حَقه فَترك الأولى كَمَا تقدم

وَإِن كَانَ حكمه على حكم الظَّن فَيكون أَنه غلب ظَنّه على أَن الَّذِي وَقع مِنْهُ فتْنَة يتَعَلَّق فِيهَا طلب إِذْ لله تَعَالَى فِي صَرِيح الْعقل أَن يطْلب مَا شَاءَ وَيتْرك مَا شَاءَ فَأخْبر تَعَالَى أَنه لَا طلب عَلَيْهِ فِي ذَلِك

(1/36)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء

شرح قصَّة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام

فِي آيَة الْفِتْنَة الْكُرْسِيّ والجسد

قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسدا ثمَّ أناب} ذكر أَصْحَاب المقالات فِي أشبه أَقْوَالهم فِي هَذِه الْقِصَّة أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَت لَهُ امْرَأَة من كرائمه اسْمهَا جَرَادَة وَكَانَ أَبوهَا ملكا من مُلُوك الجزائر البحرية وَكَانَ كَافِرًا فَمنهمْ من قَالَ إِنَّه خطبهَا إِلَيْهِ وَتَزَوجهَا وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه سباها عنفا وَكَانَ لَهَا جمال بارع فَكَانَ يُحِبهَا ويقدمها على جَمِيع نِسَائِهِ وَكَانَت عِنْد أَبِيهَا تعبد صنما فَلَمَّا فقدت ذَلِك عِنْده اكترثت وحزنت وَتغَير حسنها فَسَأَلَهَا عَن حَالهَا فَأَخْبَرته أَن ذَلِك من وحشتها

(1/37)

لأَبِيهَا ورغبت إِلَيْهِ أَن يصنع لَهَا الْجِنّ تِمْثَال أَبِيهَا حَتَّى تنظر إِلَيْهِ وتتشفى بعض الشِّفَاء مِمَّا تَجِد من وحشتها لأَبِيهَا فَفعل ذَلِك لَهَا فَكَانَت تدخل هِيَ وجواريها فِي بَيت التمثال وتسجد لَهُ وتعبده هِيَ وجواريها خُفْيَة من سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَفعلت ذَلِك أَرْبَعِينَ يَوْمًا فسلبه الله ملكه أَرْبَعِينَ يَوْمًا

وَقيل أَيْضا إِنَّه كَانَ لَهَا أَخ وَكَانَ بَينه وَبَين رجل من بني إِسْرَائِيل خُصُومَة فَسَأَلته أَن يحكم لأَخِيهَا على خَصمه فأنعم لَهَا بذلك

وَهَاتَانِ القصتان على خلل فيهمَا أسلم من سواهُمَا فِي حق سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ يتَصَوَّر الْحق فيهمَا على وُجُوه سنذكرها فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى

قَالُوا وَكَانَ عُقبى أمره مَعهَا فِي هَذِه الْقِصَّة أَنه كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع عِنْدهَا الْخَاتم تَنْزِيها لَهُ أَن يدْخل بِهِ الْخَلَاء لما تضمن من أَسمَاء الله تَعَالَى فَلَمَّا أَرَادَ الله تَعَالَى سلب ملكه تمثل لَهَا على صُورَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام شَيْطَان يُسمى صخرا وأراها أَنه خَارج من الْخَلَاء فَأَعْطَتْهُ الْخَاتم فطار بِهِ ورماه فِي الْبَحْر فَخرج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَطلب مِنْهَا الْخَاتم فَأَخْبَرته بِمَا كَانَ من أمره فَعلم أَنه قد فتن من أجلهَا فَخرج على وَجهه إِلَى الصَّحرَاء يبكي ويرغب وينيب

ثمَّ إِن الشَّيْطَان تصور على صُورَة جَسَد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَقعد على كرسيه الَّذِي كَانَ يقْعد عَلَيْهِ لفصل الْقَضَاء بَين النَّاس وَهُوَ معنى قَوْله {وألقينا على كرسيه جسدا} أَي جسدا مثل جَسَد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَبَقِي يخلفه على كرسيه ويعبث ببني إِسْرَائِيل غَايَة الْعَبَث بِأَحْكَام فَاسِدَة وأوامر جائرة أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى وجد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام خَاتمه فِي

(1/38)

بطن حوت كَانَ قد التقمه حِين أَلْقَاهُ صَخْر فِي الْبَحْر فَلَمَّا فطن الشَّيْطَان بذلك فر على وَجهه فجَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فأخبروه بِمَا فعل الشَّيْطَان بعده فَأمر الْجِنّ بِطَلَبِهِ فجاؤوا بِهِ فَأمر أَن يعْمل لَهُ بَيت منقوب فِي حجر صلد وَجعله فِيهِ وأطبق عَلَيْهِ بِحجر آخر وألقاه فِي الْبَحْر فَبَقيَ فِيهِ إِلَى يَوْم الْبَعْث

وَهَذَا أسلم مَا قَالُوهُ فِي قصَّته عَلَيْهِ السَّلَام وَزَاد فِيهَا الفجرة أَن الشَّيْطَان كَانَ يَقع على نسَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَهن حيض وَلذَا تفطنوا أَنه لم يكن سُلَيْمَان وحاشى وكلا من هَذِه الوصمة الخسيسة أَن يَفْعَلهَا الله تَعَالَى مَعَ أنبيائه عَلَيْهِم السَّلَام وَكَيف وَالْأمة مجمعة على أَنه مَا زنت امْرَأَة نَبِي قطّ كَانَت مُؤمنَة اَوْ كَافِرَة وخيانة امْرَأَة نوح وَامْرَأَة لوط عَلَيْهِمَا السَّلَام إِنَّمَا كَانَت فِي إظهارهما الْإِيمَان وإخفائهما الْكفْر لَا غير وكل مَا ذَكرُوهُ فِي هَذِه الْقِصَّة تجوز لَهُ على أوجه سنذكرها بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى سوى هَذِه القولة الخبيثة

وَأما قصَّة التمثال الَّذِي صنع لَهَا وَمَا قيل أَنه حكم لأَخِيهَا فيتصور فِيهَا الْجَوَاز من وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَن يكون صنع التمثال مُبَاحا لَهُ كَمَا كَانَ مُبَاحا لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ تَعَالَى {وَإِذ تخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير بإذني فتنفخ فِيهَا فَتكون طيرا بإذني} فصح من هَذِه الْآيَة أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يصور التماثيل بِإِذن الله وَكَذَلِكَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا صَحَّ أَنه لم يحرم عَلَيْهِ فعله فِي شَرعه وَالْأَظْهَر فِيهِ أَنه لم يحرم بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى

(1/39)

{يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل} والتماثيل قد تكون على صور الأناسي قَالَ امْرُؤ الْقَيْس

(وَيَا رب يَوْم قد لهوت وَلَيْلَة ... بآنسة كَأَنَّهَا خطّ تِمْثَال)

وَأما إِن عبدت هِيَ صنما من غير أَن يشْعر بِهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَلَا بَأْس عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَإِن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام عنوا بالظواهر وَأمر البواطن إِلَى الله تَعَالَى وَقد كَانَ المُنَافِقُونَ يصلونَ خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويعبدون الْأَصْنَام فِي بُيُوتهم خُفْيَة مِنْهُ جَاءَ فِي الصَّحِيح عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله) الحَدِيث ... ... ... إِلَى قَوْله (وحسابهم على الله) يَعْنِي فِيمَا أبطنوه

وَأما قَوْلهم إِنَّهَا طلبت مِنْهُ أَن يحكم لأَخِيهَا على خَصمه فَقَالَ لَهَا نعم فَيجوز لَهُ أَن يَقُولهَا وَهُوَ يضمر فِي نَفسه إِذا كَانَ الْحق لَهُ لَا عَلَيْهِ ثمَّ طيب نَفسهَا ب نعم لكَون النِّسَاء تطيب أَنْفسهنَّ بِمثل هَذِه المشتبهات لضعف عقولهن وجهلهن بالحقائق وَلَا يجوز فِي حَقه سوى هَذَا بِدَلِيل أَنه لَو أضمر فِي نَفسه أَن يحكم لَهُ وَالْحكم عَلَيْهِ لوقع فِي كَبِيرَة مُحرمَة وَهِي أَن يَنْوِي أَن يحكم بالجور وحاشاه من ذَلِك وَهُوَ لَا يجوز عَلَيْهِ ذَلِك كَمَا تقدم

وَأما كَون الشَّيْطَان يخلفه على كرسيه وَيحكم بِالْبَاطِلِ فَلَيْسَ على نَبِي

(1/40)

الله عَلَيْهِ السَّلَام لَو صَحَّ فِي ذَلِك دَقِيق وَلَا جليل من الْإِثْم وَهَذَا بمثاب عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين عبد من دون الله كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيح عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فَيَأْتُونَ عِيسَى وَلم يذكر ذَنبا فَيَقُول لست هُنَاكُم وَقد عبدت أَنا وَأمي من دون الله فَامْتنعَ عَنْهَا حَيَاء من الله

وَمَعَ ذَلِك فَالْخَبَر بَاطِل من وَجه آخر وَهُوَ أَنه لَو جَازَ أَن يخلف النَّبِي شَيْطَان على صورته ويستنبط فِي شَرِيعَته أحكاما فَاسِدَة لَكَانَ ذَلِك إخلالا بِالنُّبُوَّةِ إِذْ كَانَ يتخيل النَّاس ذَلِك فِي سَائِر أَحْكَام الْأَنْبِيَاء حَتَّى لَا يتَمَيَّز حكم النَّبِي من حكم الشَّيْطَان فيشكل الْأَمر على الْمُكَلّفين وَلَا يَتَّقُونَ أَمر بعد وَهَذَا بِمَثَابَة تَقْدِير خرق الْعَادة على أَيدي الْكَذَّابين فِي ادِّعَاء النُّبُوَّة وَهَذِه الألقية فِي هَذِه الْقِصَّة من دسائس البراهمة فِي إبِْطَال النبوات وَالله أعلم

وَأما مَا يَلِيق بِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي بَاب الأولى والمباح فِي هَذِه الْقِصَّة فَهُوَ أَنه مَا كَانَ يَقُول لامْرَأَته فِي طلب الْحُكُومَة لأَخِيهَا نعم حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ الْحق أَو يتَبَيَّن لَهَا مَا أضمر فَيَقُول لَهَا نعم إِذا وَجب لَهُ الْحق فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يحكم بجور وَلَا يجوز عَلَيْهِ ذَلِك

وَأما صنعه لَهَا التمثال على الْوَجْه الَّذِي تقدم فَمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِك ذَنْب وَلَا عتب وَلَو كَانَ أَيْضا صنعه محرما لما صنعه لَهَا أصلا فَإِن صنع التمثال

(1/41)

من الْكَبَائِر الَّتِي أَتَى فِيهَا الْوَعيد الْكثير فِي الحَدِيث الْمَشْهُور فِي الثَّلَاثَة الْأَصْنَاف الَّذين تلتقطهم أَعْنَاق النَّار فِي الْمَحْشَر

وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّمَا وَقع العتاب عَلَيْهِ من جِهَة اشْتِغَاله بِعرْض الْخَيل عَلَيْهِ حَتَّى غربت الشَّمْس وفاتته صَلَاة الْعشَاء وَهَذَا أَيْضا إِذا صَحَّ فَلَيْسَ لَهُ فِي تَركهَا كسب وَلَا علقَة طلب فَإِنَّهُ نَاس وَالنَّاسِي لَا طلب عَلَيْهِ فِيمَا نَسيَه بِالْإِجْمَاع قَالَ تَعَالَى مخبرا عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ {لَا تؤاخذني بِمَا نسيت} وَجَاء عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِنَّمَا أَنا بشر كَمَا تنسون

وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّمَا كَانَت وهلته لما ورد بِهِ الْخَبَر فِي قَوْله لأطيفن اللَّيْلَة بمئة امْرَأَة تَلد كل امْرَأَة غُلَاما يُقَاتل فِي سَبِيل الله فَقَالَ لَهُ صَاحبه قل إِن شَاءَ الله فَلم يقل وَنسي فأطاف بِهن وَلم تَلد مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَة نصف إِنْسَان قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لَو قَالَ إِن شَاءَ الله لم يَحْنَث وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ

(1/42)

قَالُوا وَهُوَ الْجَسَد الَّذِي ألقِي على كرسيه وَهَذَا يعضده الْخَبَر الصَّحِيح وَيتَصَوَّر العتاب فِيهِ من ترك الِاسْتِثْنَاء فَإِنَّهُ أولى فَإِن كَانَ تَركه بَعْدَمَا أَمر بِهِ فَتَركه نَاسِيا

وَقد ذكر الْمُفَسِّرُونَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما طلب مِنْهُ الْيَهُود أَن يُخْبِرهُمْ عَن قصَّة أَصْحَاب الْكَهْف فَقَالَ غَدا أخْبركُم بهَا وَنسي الِاسْتِثْنَاء أَبْطَأَ الْوَحْي عَنهُ أَيَّامًا حَتَّى نزلت عَلَيْهِ الْقِصَّة وَقيل لَهُ مَعَ ذَلِك وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت مَعْنَاهُ إِذا نسيت الِاسْتِثْنَاء ثمَّ تذكرت فَاسْتَثْنِ بِالْمَشِيئَةِ وَفِي هَذَا أَن الِاسْتِثْنَاء بعد مُدَّة يرفع الْحَرج وَلَا يرفع الْكَفَّارَة وَلذَا أجَازه ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بعد سنة

فَخرج من عُمُوم مَا ذَكرْنَاهُ فِي جَمِيع الْقِصَّة أَن العتاب من الله تَعَالَى لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا صَحَّ إِنَّمَا كَانَ على تَركه الأولى من الْمُبَاحَات

وَالْأَظْهَر فِي هَذَا الحَدِيث أَنه ترك مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وَمن ترك الْمَنْدُوب فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَثَابَة ترك الْمُبَاح فِي نفي الذَّنب كَمَا تقدم وَالله الْمُوفق للصَّوَاب

(1/43)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء

شرح قصَّة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام

فِي إِضَافَة الله تَعَالَى لَهُ الْهم عِنْد مراودة امْرَأَة الْعَزِيز لَهُ عَن نَفسه وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن نقدم أَولا الْإِعْلَام بِأَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ نَبيا قبل المراودة والهم وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه لَو لم تثبت نبوته قبل ذَلِك لم تهتم الْأمة بِذكر همه لِأَن الْعِصْمَة الْمجمع عَلَيْهَا لَا تشْتَرط للنَّبِي إِلَّا بعد ثُبُوت نبوته لَا قبلهَا وَمَعَ ذَلِك فَإِن النَّبِي لَا تثبت لَهُ مَعْصِيّة مَشْرُوع تَركهَا قبل النُّبُوَّة وَلَا بعْدهَا وسنشبع القَوْل فِي ذَلِك فِي قصَّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَأما إِثْبَات نبوته قبل همه من الْكتاب فَمن قَوْله تَعَالَى {وَلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما}

وَأَجْمعُوا على أَن هَذَا الحكم وَالْعلم فِي حق يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُمَا النُّبُوَّة ثمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَمَا ذكر الحكم وَالْعلم وراودته الَّتِي

(1/44)

هُوَ فِي بَيتهَا عَن نَفسه) الْآيَة

وَأما همه فَأول مَا يَنْبَغِي أَن نقدم أَن الْهم فِي اللِّسَان الْإِرَادَة لَا غير فَإِن سمي الْفِعْل هما فمجاز من بَاب تَسْمِيَة الشَّيْء باسم الشَّيْء إِذا قاربه أَو كَانَ مِنْهُ بِسَبَب فَلَمَّا كَانَت الْأَفْعَال مرتبطة بالإرادة الَّتِي هِيَ الْهم سميت هما فَيُقَال لمن نصب أواني الْخمر وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ شرابها هم وَكَذَلِكَ يُقَال لمن خلا بِامْرَأَة فلاعبها وَذَلِكَ لِأَن الْهم الْحَقِيقِيّ مَحَله الْقلب وَهُوَ غير محسوس فَلَمَّا لم ندركه بالحواس لم نعلمهُ فَإِذا أدركنا أَسبَابه الدَّالَّة عَلَيْهِ بالحواس قُلْنَا هم أَي فعل أفعالا دلّت على همه بهَا فِي بَاطِنه فَثَبت أَن الْهم الْحَقِيقِيّ هُوَ الْإِرَادَة لَا الْفِعْل

جَاءَ فِي الصَّحِيح عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من هم بحسنة فَلم يعملها كتبت لَهُ حَسَنَة فَإِن عَملهَا كتبت لَهُ عشرا وَمن هم بسيئة فَلم يعملها لم تكْتب شَيْئا فَإِن عَملهَا كتبت سَيِّئَة وَاحِدَة الحَدِيث

فَهَذَا أدل على أَن الْهم غير الْفِعْل قَالَ الشَّاعِر

(هَمَمْت وَلم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عُثْمَان تبْكي حلائله)

فَأخْبر أَنه هم وَلم يفعل وَإِذا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَمَا بَال الجهلة بِاللِّسَانِ المقلدين المجازفين فِي الْحَقَائِق يَقُولُونَ قعد مِنْهَا مقْعد الرجل من الْمَرْأَة وَحل عقد نطاقها وَهُوَ ينظر إِلَى أَبِيه تَارَة والى الْملك أُخْرَى ثمَّ يعود لحل العقد

(1/45)

وَنحن مَعَ ذَلِك نعلم قطعا أَن أَحَدنَا على جهلنا وَعدم عصمتنا وَسُوء أدبنا لَو كَانَ على تِلْكَ الْحَالة وكشفت عَلَيْهِ أمته لانقبض وَتغَير عَلَيْهِ حَاله فَكيف بِنَا إِذا كشف علينا آبَاؤُنَا وكبراؤنا فَكيف الْمَلَائِكَة

فَانْظُر إِلَى مقت هَذِه القولة وماذا جمعت من الاجتراء والافتراء على أَنْبيَاء الله تَعَالَى مَعَ صفاقة الْوُجُوه وَعدم الْحيَاء والتهاون بِذكر المصطفين الأخيار وَقد ذكرهَا الْهَمدَانِي وَغَيره فِي شرح قصَّة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ أَن الْهم فِي اللِّسَان هُوَ الخاطر الأول فَإِذا تَمَادى سمي إِرَادَة وعزما فَإِن لم يَعْتَرِضهُ نقيض سمي نِيَّة ثمَّ إِن الله تَعَالَى وَصفه بالخاطر الأول فَقَالَ {هم} وهم يَقُولُونَ فعل وصنع لَا لعا لعثرتهم وَلَا سَلامَة

فصل

فَإِن قيل فَمَا الْحق الَّذِي يعول عَلَيْهِ فِي هَذَا الْهم

فَنَقُول أَولا إِن بعض الْأَئِمَّة ذكرُوا أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على عصمَة بواطنهم من كل خاطر وَقع فِيهِ النَّهْي وللمحققين أَقْوَال فِي هَذَا الْهم نذْكر الْمُخْتَار مِنْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى

فَمنهمْ من قَالَ إِن فِي الْكَلَام تَقْدِيمًا وتأخيرا وترتيبه أَن يكون وَلَقَد هَمت بِهِ وَلَوْلَا أَن رأى برهَان ربه لَهُم بهَا وَيكون الْبُرْهَان هُنَا النُّبُوَّة والعصمة وَمَا كاشف من الْآيَات وخوارق الْعَادَات والتقديم وَالتَّأْخِير فِي لِسَان الْعَرَب سَائِغ

(1/46)

وَمِنْهُم من قَالَ هم بِحكم البشرية مَعَ الْغَفْلَة عَن ارْتِكَاب النَّهْي ثمَّ ذكره الله تَعَالَى الْإِيمَان وَتَحْرِيم الْمعْصِيَة وشؤمها والوعيد عَلَيْهَا وَهُوَ الْبُرْهَان الْأَعْظَم فصرف عَنهُ السوء والفحشاء وَلذَا قَالَ بَعضهم هم وَمَا تمّ لِأَن الْعِنَايَة من ثمَّ

وَمِنْهُم من قَالَ كَاد أَن يهم لَوْلَا الْعِصْمَة السَّابِقَة فَيكون الْهم هُنَا مجَازًا

وَمِنْهُم من قَالَ هم هم الفحولية وَذَلِكَ أَنه كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام فحلا شَابًّا خلت بِهِ امْرَأَة ذَات جمال وغنج وطالبته تِلْكَ الْمُطَالبَة فاهتز هزة الْفَحْل بهز ضَرُورِيّ غير مكتسب فَسُمي ذَلِك الاهتزاز هما لكَونه من أَسبَاب الْهم كَمَا تقدم وَيكون الْهم على هَذَا التَّفْسِير ضَرُورِيًّا وَلَا طلب فِي الضروريات وَأَقُول إِنَّه إِن كَانَ هم مكتسبا لهمه وَلم يفعل فَلَا لوم وَلَا ذَنْب بِدَلِيل الحَدِيث الْمُتَقَدّم الَّذِي مِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام وَمن هم بسيئة فَلم يعملها لم تكْتب شَيْئا مَعْنَاهُ لم يكْتب لَهُ صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة وَجَاء فِي حَدِيث آخر أَن تَارِك الْخَطِيئَة من أجل الله تكْتب لَهُ حَسَنَة بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى للْمَلَائكَة اكتبوها لَهُ حَسَنَة فَإِنَّمَا تَركهَا من جراي أَي من أَجلي وَهَذَا ينظر إِلَى قَول الله تَعَالَى {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} وَإِذا كَانَ هَذَا فِي حق الرّعية

(1/47)

فالأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام أولى بِهَذَا التّرْك لَا محَالة كَيفَ وَقد أثنى الله تَعَالَى عَلَيْهِ ونزهه بقوله عِنْدَمَا قَالَت {هيت لَك قَالَ معَاذ الله إِنَّه رَبِّي أحسن مثواي إِنَّه لَا يفلح الظَّالِمُونَ} فَهَذَا مِمَّا يدل على أَنه تَركهَا من أجل الله وَأَنه مأجور فِي تَركهَا

وَإِذا كَانَ هَذَا فَلَا ذَنْب وَلَا عتب يلْحق يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام صَغِيرا وَلَا كَبِيرا بل يكون مأجورا فِي التّرْك

فَهَذِهِ أَقْوَال تشاكه الصَّوَاب وتليق بالأكابر

وَالْأَظْهَر القَوْل الْأَخير من هَذِه الْأَقْوَال لكَونه معضودا بالْخبر وَالْآيَة

وَالله أعلم

فَإِن قيل فَإِذا لم يتَصَوَّر فِي حق يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ذَنْب وَلَا عتب فلأي شَيْء قَالَ بَعْدَمَا أنصفته امْرَأَة الْعَزِيز وأقرت بِفِعْلِهَا {وَمَا أبرئ نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء إِلَّا مَا رحم رَبِّي}

قُلْنَا وَمن أَيْن لَك أَن تَقول إِنَّه قَالَهَا وَالْآيَة تَقْتَضِي أَنَّهَا من قَول امْرَأَة الْعَزِيز وَذَلِكَ أَنه لما تأدب مَعهَا بآداب الْأَحْرَار حَيْثُ قَالَ لرَسُول الْملك {ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ} فخلطها مَعَهُنَّ وَذكر فعلهن وأضرب عَن ذكر فعلهَا تناصفت هِيَ وأقرت بِأَنَّهَا راودته فَقَالَت {وَمَا أبرئ نَفسِي}

على أَنه لَو ثَبت أَنه قَالَهَا لَخَرَجت لَهُ أحسن مخرج وَذَلِكَ أَنه لما

(1/48)

أنصفته بإقرارها وتبرئته قَالَ هُوَ {وَمَا أبرئ نَفسِي} على أصل الحوار لَا على نفس الْوُقُوع كَمَا قَالَ الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام {واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} وَهُوَ قد أَمن بالعصمة من عبادتها وَقَالَ تَعَالَى لنبينا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك} وَهُوَ تَعَالَى قد شَاءَ أَلا يذهبه والعصمة والنزاهة لَهُ على كمالها

فليت شعري إِذا كَانَ للتأويل فِي هَذِه الْقِصَّة وأمثالها مجْرى سحب ومجال للسلامة رحب فَمَا بالهم يضيقون هَذَا الْوَاسِع لَوْلَا الفضول

(1/49)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء

شرح قصَّة نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

مَعَ زيد وَزَيْنَب فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ أمسك عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه وتخشى النَّاس وَالله أَحَق أَن تخشاه} إِلَى قَوْله {وَكَانَ أَمر الله مَفْعُولا}

هَذِه من الْقَصَص الَّتِي امتحن بهَا عوام هَذِه الْأمة ومقلدوهم المجازفون المقتفون مَا لَيْسَ لَهُم بِهِ علم

والقصة بِحَمْد الله أشهر وَأظْهر من أَن يتقول فِيهَا بزور أَو يدلى بغرور وَالْأولَى أَن نقدم مَا صَحَّ من الْقِصَّة ثمَّ نرْجِع إِلَى شرح الْآيَة

وَالَّذِي صَحَّ مِنْهَا أَن الْمَرْأَة هِيَ زَيْنَب بنت جحش بن أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب جد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما بَعْلهَا فَهُوَ زيد بن حَارِثَة مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعتقه وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رباه وتبناه وَكَانَ يُسمى ابْن رَسُول الله حَتَّى أنزل الله تَعَالَى {وَمَا جعل أدعياءكم أبناءكم ذَلِكُم قَوْلكُم بأفواهكم} فنفى الْبُنُوَّة بِالدَّعْوَى وَقَالَ {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله} الْآيَة فَلَمَّا أدْرك زوجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب الْمَذْكُورَة وَبَقِي مَعهَا حَتَّى أَمر الله تَعَالَى نبيه عَلَيْهِ السَّلَام أَن يَتَزَوَّجهَا أَو أخبرهُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي شرح الْآيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(1/50)

وَمَا تَقوله المُنَافِقُونَ والجهلة المجازفون من أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَآهَا وأحبها وشغف بحبها حَتَّى كَانَ يضع يَده على قلبه وَيَقُول يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلب نبيك وَيدخل عَلَيْهِ زيد الْمَسْجِد وَيَقُول (ادن مني يَا زيد) شوقا إِلَيْهَا إِلَى غير ذَلِك من هذيانات لَا يرضاها صلحاء الْمُسلمين لأَنْفُسِهِمْ فَكيف سيد الْمُرْسلين فَكل ذَلِك بَاطِل متقول

وَكَذَلِكَ قَوْلهم إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام رَآهَا فأحبها تخرص وزور وَكَيف وَقد تربت فِي حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى زَوجهَا لزيد على أَنه لَو أحبها كَمَا اختلقوه لم يُدْرِكهُ فِي ذَلِك الْيَوْم لوم فَإِن الْحبّ أَمر ضَرُورِيّ لَا يدْخل تَحت الْكسْب جَاءَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عدلت فِيمَا أملك فَاغْفِر لي مَا لَا أملك) يَعْنِي عدلت فِيمَا أكسب فَاغْفِر لي مَا لَا أكسب فَلم يكره الْعُقَلَاء الْحبّ إِلَّا لما يكون مَعَه للمحبين من الطيش والميل وَالذكر بِمَا لَا يَنْبَغِي وَطلب الظفر بالمحبوب على الْوُجُوه الْفَاسِدَة

وَهَذِه الْأُمُور كلهَا لَا تلِيق بصلحاء الْمُسلمين فَكيف بسادات الْمُرْسلين المعصومين مِمَّا دون ذَلِك كَمَا تقدم

جَاءَ فِي الْأَثر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِرَجُل ينشد

(أَقبلت فلاح لَهَا ... عارضان كالسبج)

(1/51)

(أَدْبَرت فَقلت لَهَا ... والفؤاد فِي وهج)

(هَل عَليّ ويحكما ... إِن عشقت من حرج)

فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا حرج إِن شَاءَ الله مَعْنَاهُ لَا حرج عَلَيْك إِن كنت تكْتم وتصبر وَلَا تؤذي محبوبك بقول وَلَا بِفعل وَلَا يشغلك حبه وَذكره عَمَّا فرض عَلَيْك

ومصداق هَذَا الشَّرْح مَا جَاءَ عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من عشق وكتم وعف وَمَات مَاتَ شَهِيدا وَسبب شَهَادَته أَن النَّفس الأمار ة بالسوء تحب الشَّهْوَة والتشفي بِالْفِعْلِ فيحاربها الورعون المتقون بِالْكِتْمَانِ والعفاف حَتَّى يقتلهُمْ

وعَلى هَذَا مَضَت الْعَادَات وتناظرت الحكايات وَلَوْلَا قصد الِاخْتِصَار لأسمعتك فِي هَذَا الشَّأْن أَخْبَارًا وأشعارا عَن ظرفاء المحبين المتدينين وَأهل الهمم من فتيَان الْعَرَب فقد قيل إِن قيس بن عَامر تعرضته ليلى بِأَرْض فلاة فَقَالَت لَهُ هَا أَنا بغيتك ومثار فتنتك ليلى جئْتُك وَلَا رَقِيب وَلَا وَاسِطَة فَاقْض مَا أَنْت قَاض

فَقَالَ لَهَا بِي مِنْك مَا شغلني عَنْك ثمَّ سَار وَتركهَا فَهَذَا من ظرفاء المحبين

وَآخر رأى غُبَار ذيل محبوبه فَغشيَ عَلَيْهِ فَهَذَا أظرف مِنْهُ إِلَى غير

(1/52)

ذَلِك وَجَاء فِي الْأَثر أَن عليا كرم الله وَجهه كَانَت لَهُ جَارِيَة تتصرف فِي أشغاله وَكَانَ بإزائه مَسْجِد فِيهِ قيم فَكَانَت مَتى مرت بِهِ تِلْكَ الْجَارِيَة قَالَ لَهَا أما إِنِّي أحبك فشق عَلَيْهَا ذَلِك فَأخْبرت عليا رَضِي الله عَنهُ بذلك فَقَالَ لَهَا إِذا قَالَ لَك ذَلِك فَقولِي لَهُ وَأَنا أحبك فأيش تُرِيدُ بعد هَذَا

فَلَمَّا مرت بِهِ قَالَت لَهُ ذَلِك فَقَالَ نصبر حَتَّى يحكم الله بَيْننَا فَلَمَّا أخْبرت عليا عَلَيْهِ السَّلَام بِمَا قَالَ لَهَا دَعَا بِهِ وَقَالَ لَهُ خُذْهَا إِلَيْك فقد حكم الله بَيْنكُمَا فَهَذَا شَأْن الظرفاء والمتدينين من المحبين

وَمَعَ هَذَا فالرسول عَلَيْهِ السَّلَام أشرف وأسنى من أَن يمْتَحن بِمثل هَذِه النقيصة وَمَعَ ذَلِك فَمَا صَحَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحبها وَلَا شغف بهَا فِي كتاب وَلَا سنة سوى مَا تخيله الجهلة وكل مَا رَوَوْهُ فِي ذَلِك عَن الصَّحَابَة فكذب وزور وَجَهل بِمُقْتَضى الْآيَة ومنصب النُّبُوَّة وتخرص من أهل النِّفَاق وَهَا أبين لَك ذَلِك فِي سِيَاق الْآيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى

فصل

قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ أمسك عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله}

ذكر بعض الْمُفَسّرين فِي أشبه الْأَقْوَال أَن قَوْله تَعَالَى {وَإِذ تَقول} تَنْبِيه من الله تَعَالَى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على وَجه العتاب فِي قَوْله لزيد {أمسك عَلَيْك زَوجك} وَأَقُول إِنَّه تَنْبِيه لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليتهيأ لفهم الْخطاب من غير عتاب وَهُوَ الْأَظْهر وَالْأولَى

(1/53)

وبذا تناصرت الْآيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {إِذْ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات} وَقَوله {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم} إِلَى غير ذَلِك من الْآي

وَأما قَوْله تَعَالَى {أنعم الله عَلَيْهِ} فَفِي هَذَا الْخَبَر معْجزَة للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكرامة لزيد لَكِنَّهَا من أعز الكرامات وَأَشْرَفهَا

فَأَما المعجزة فَهِيَ من بَاب إخْبَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالغيوب فَتَقَع كَمَا أخبر عَنْهَا وَذَلِكَ أَن الإنعام هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ فِي أَن وهبه الله تَعَالَى إِيمَانًا لَا يُفَارِقهُ إِلَى الْمَمَات إِذْ لَو كَانَ فِي مَعْلُوم الله تَعَالَى أَن يسلبه إِيَّاه عِنْد الْوَفَاة لم يسمه نعْمَة فَإِن ثَمَرَة الْإِيمَان إِنَّمَا تجتنى فِي الْآخِرَة وإيمان زائل لَا ثَمَرَة لَهُ فِي الْآخِرَة وَلَا يُسمى نعْمَة بل هُوَ نقمة كَإِيمَانِ بلعم بن باعورا وَغَيره من المخذولين المبدلين نَعُوذ بِاللَّه من بغتات سخطه

فَخرج من فحوى ذكر هَذِه النِّعْمَة أَن زيدا يَمُوت مُؤمنا فَكَانَ ذَلِك وَزِيَادَة أَنه مَاتَ أَمِيرا شَهِيدا مقدما بَين الصفين فِي يَوْم مُؤْتَة كَانَ قد قدمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْجَيْش فِي حَدِيث يطول ذكره ثمَّ قتل شَهِيدا فَنزل الْوَحْي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَعدَ الْمِنْبَر

(1/54)

فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ (أَخذ الرَّايَة زيد فأصيب) إِلَى قَوْله لقد رفعوا لي فِي الْجنَّة على أسرة من ذهب الحَدِيث

فَهَذِهِ معْجزَة صحت لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَاب الْإِخْبَار بالغيوب فَوَقَعت بِمحضر الأشهاد كَمَا أخبر عَنْهَا وكما وَقع نقيضها فِي قصَّة أبي لَهب حَيْثُ أخبرهُ ربه فِي قُرْآن يُتْلَى أَنه من أهل النَّار وَمَات كَافِرًا فَكَانَ ذَلِك

وَأما كَرَامَة زيد فبإعلام الله لَهُ فِي ضمن الْآيَة بسلامة الْعَاقِبَة كَمَا ذَكرْنَاهُ

وَأما تصور العتاب إِن صَحَّ فِي قَوْله {أمسك عَلَيْك زَوجك} فقد يَقع من بَاب ترك الأولى من الْمُبَاحَات كَمَا تقدم وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أمره بزواجها أَو أخبرهُ بِهِ حَيْثُ قَالَ لَهُ فِي آخر الْآيَة {وَكَانَ أَمر الله مَفْعُولا} وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك الْأَمر عِنْد فراغنا من شرح الْآيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَأما سَبَب قَوْله لَهُ أمْسكهَا فَهُوَ أَن زيدا جَاءَهُ يتشكى لَهُ بهَا فَقَالَ يَا رَسُول الله زَيْنَب تسبني وتستعلي عَليّ وتعيرني وتفخر عَليّ بِشَرَفِهَا إِلَى غير ذَلِك وَأُرِيد أَن أطلقها

فقد رُبمَا كَانَ الأولى أَن يَقُول لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثلا أَنْت وشأنك أَو مَا يقرب من هَذَا من الْأَقْوَال أَو يسكت عَنهُ فَلَا يَأْمُرهُ وَلَا ينهاه لكَونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أمره الله تَعَالَى بتزويجها أَو أخبر بذلك فَقَالَ لَهُ أمْسكهَا وَالْأَظْهَر أَنه قصد عَلَيْهِ السَّلَام بِهَذِهِ القولة خوف القالة من السُّفَهَاء أَن يَقُولُوا

(1/55)

مَا قَالُوهُ فيهلكوا بأذيته فَتَصِح عَلَيْهِم اللَّعْنَة فِي الدَّاريْنِ وَالْعَذَاب الْأَلِيم بِدَلِيل الْكتاب قَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله لعنهم الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأعد لَهُم عذَابا مهينا}

وَأَيْضًا أَنه لما سمع أَن الله تَعَالَى عَاتب دَاوُود صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {أكفلنيها} قَالَ هُوَ أمْسكهَا وَسقط العتاب

وَأما قَوْله {وَاتَّقِ الله} يَعْنِي فِي ذكرهَا بالقبح لغيبها فِي قَوْله تَقول لي كَذَا وَتفعل بِي كَذَا وَهِي غَائِبَة فَنَهَاهُ عَن الْغَيْبَة الْمنْهِي عَنْهَا شرعا بِدَلِيل أَن قَول زيد أطلقها كَلَام مُبَاح لَيْسَ فِيهِ حظر وَلَا كَرَاهَة فِي الشَّرْع

وَأما قَول الله عز وَجل لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه} يَعْنِي من تَزْوِيجهَا الَّذِي أَمرتك بِهِ أَو أعلمتك بِهِ

وَأما قَوْله تَعَالَى {وتخشى النَّاس} أَي تخشى من قَول النَّاس على حذف حرف الْجَرّ كَأَنَّهُ يَقُول تخشى من النَّاس أَن يَقُولُوا فِيك فيأثموا ويهلكوا وَالله أَحَق أَن تخشاه

أَي تخشى مِنْهُ على النَّاس وَلِلنَّاسِ حَتَّى يَقع مرادي فِيك وَفِي النَّاس إِذْ لَيْسَ احتياطك يُغني عَنْهُم من الله شَيْئا فَلَا عَلَيْك مِمَّن قَالَ وَلَا مِمَّن أَثم فَأَنا أعلم بِمَا يَقُولُونَ وَبِمَا أجازيهم كَمَا قَالَ تَعَالَى لَهُ لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء و (لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم) و {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} إِلَى غير ذَلِك

(1/56)

وَأما أَن يكون الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْشَى النَّاس من غير مُرَاعَاة لهَذَا الْقدر وَمَا أشبهه فحاشا وكلا وَكَيف وَقد قَالَ تَعَالَى بعد هَذِه الْآيَة {الَّذين يبلغون رسالات الله ويخشونه وَلَا يَخْشونَ أحدا إِلَّا الله} فقد زكى الله تَعَالَى أنبياؤه بإنهم أفردوه بالخشية فَلَو كَانَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْشَى النَّاس لأجل النَّاس لتناقض الْخَبَر والتناقض فِي خبر الله وَرَسُوله محَال

وَأما مَا خَافَ أَن يَقُوله النَّاس فيهلكوا فَهُوَ على خَمْسَة أوجه

أَحدهَا مَا جرت بِهِ عادات الجهلة المتكبرين على الموَالِي فَيَقُولُونَ كَيفَ يسوغ لَهُ أَن يعمد إِلَى كَرِيمَة من كرائمه وَأقرب النَّاس إِلَيْهِ نسبا فيزوجها لعَبْدِهِ

وَالثَّانِي وَهُوَ أَشد عَلَيْهِم فِي الْإِنْكَار أَن يَقُولُوا كَيفَ رَضِي أَن يَتَزَوَّجهَا بعد عَبده

الثَّالِث أَن يَقُولُوا إِنَّمَا حمله على ذَلِك حبه لَهَا وشغفه بهَا

الرَّابِع قلَّة المراعاة لأمر الله وَعدم التَّسْلِيم لحكمه إِذْ لَو كَانُوا يذعنون لأحكام الله تَعَالَى ويسلمون لَهُ لم ينكروا شَيْئا مِمَّا فعله نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الْخَامِس وَهُوَ أصل لكل رذيلة وَهُوَ مُرَاعَاة التحسين والتقبيح وردهما إِلَى الْعُقُول القاصرة وَمَا جرت بِهِ الْعَادَات وَهُوَ دَاء عضال نغلت بِهِ قُلُوب الجهلة الضَّالّين ففندوا حكم الله تَعَالَى واعترضوا لفعاله فِي خلقه

(1/57)

وَكَانَ أول من سنّ هَذِه الداهية الدهياء إِبْلِيس حَيْثُ قَالَ {أأسجد لمن خلقت طينا} و {قَالَ لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون} و {أَنا خير مِنْهُ} و {أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ} إِلَى غير ذَلِك من أَقْوَاله السخيفة فَانْظُر رَحِمك الله إِلَى أهل هَذِه الْمذَاهب الخسيسة بِمن اقتدوا فِيهَا وعَلى من عولوا فِي اقتدائهم قَاتلهم الله أَنى يؤفكون

وَمِمَّا قيل فِي معنى قَوْله {وتخشى النَّاس} أَنه يخْشَى النَّاس أَن يَقُولُوا كَيفَ يحرم علينا أَزوَاج الْبَنِينَ وَهُوَ مَعَ ذَلِك يتَزَوَّج زوج ابْنه فلأجل هَذِه الْأَقْوَال كَانَت خَشيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النَّاس إِذْ لَيْسَ مِنْهَا وَاحِدَة إِلَّا وَهِي تحمل إِلَى سِجِّين فَإِنَّهَا كلهَا مُعَارضَة لقَوْله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا}

وَقَوله تَعَالَى {من يطع الرَّسُول فقد أطَاع الله}

وَقَوله تَعَالَى {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله}

وَقَوله تَعَالَى حَيْثُ أقسم بِذَاتِهِ المعظمة فَقَالَ {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا}

فَمن أجل هَذِه الْآي وأمثالها خشِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/58)

أَن يَقع فِيهِ النَّاس وَقد وَقَعُوا فِيمَا ذَكرْنَاهُ وَفِيمَا هُوَ أَشد مِنْهُ

قَالَ تَعَالَى {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} الوطر هُنَا النِّكَاح

وَاعْلَم رَحِمك الله أَن فِي هَذِه الْآيَة فَوَائِد جمة مِنْهَا أَن الله تَعَالَى جعل فِيهَا لزيد صيتًا وشرفا خصّه بِهِ عَن جملَة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَذَلِكَ أَنه لم يذكر فِي الْكتاب مِنْهُم أحدا باسمه الْعلم إِلَّا زيدا وَسبب ذَلِك وَالله أعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قد تبناه قبل ذَلِك فَكَانَ يدعى بِابْن رَسُول الله حَتَّى نزل عَلَيْهِ {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله}

فَسُمي بعد ذَلِك زيد بن حَارِثَة فَعوضهُ الله تَعَالَى بِأَن سَمَّاهُ فِي كِتَابه باسمه الْعلم

وَهَذِه القولة لَيست لي وَلَا يبلغ نَظَرِي إِلَى هَذَا الْقدر وَإِنَّمَا ذكرهَا الإِمَام أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي بعض تواليفه وَلَا أعلم هَل هِيَ لَهُ أَو لغيره وَلِأَن من غاص عَلَيْهَا لغواص من بَاب الْإِشَارَة

وَقد يحْتَمل أَن تخرج من بَاب الْفِقْه وَهُوَ أَن يكون تَسْمِيَة زيد بالعلمية ليتبين فِي الْآيَة ثُبُوت هَذَا الحكم ووقوعه فِي أَبنَاء التبني إِذْ لَو قَالَ تَعَالَى فَلَمَّا قضى بَعْلهَا لم يعلم من البعل من مُقْتَضى الْآيَة

وَمِنْهَا أَن الله تَعَالَى سنّ لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه السّنة على

(1/59)

رغم أنف المتكبرين فَمن لَام بعد هَذِه السّنة أحدا فِي أَن يُزَوّج مثلا بنته لعَبْدِهِ أَو يتَزَوَّج امْرَأَة عَبده من بعده فليفغر فوه بفهر يكسر قواضمه وخواضمه ويطرح فِي أمه الهاوية إِذْ لَيْسَ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَارِع وَلَا فَوق شرفه شرف

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {زَوَّجْنَاكهَا}

فأضاف تَعَالَى تَزْوِيجهَا لنَبيه إِلَى نَفسه وَمَا أضَاف الله تَعَالَى لنَفسِهِ شَيْئا إِلَّا وَشرف ذَلِك الشَّيْء كَمَا قَالَ تَعَالَى {روحي} و {بَيْتِي} و {جنتي} و {عَذَابي} و {نَاقَة الله} و {نَار الله} وَالْكل مَخْلُوق ومربوب وَلَكِن الله اخْتصَّ بالشرف الإضافي هَذِه الْمَخْلُوقَات

وَفِي هَذَا التَّزْوِيج شرف لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَون تَزْوِيج النَّاس أجمع من عِنْدهم وباختيارهم واجتهادهم وَهَذَا التَّزْوِيج بِأَمْر الله على الْخُصُوص واختياره وإكرامه لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَمِنْهَا تشريف لِزَيْنَب زوجه وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى مَا اخْتَارَهَا لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى علم حصانتها ودينها وورعها وَحفظ أدبها لمراعاة خلْطَة سيد الْمُرْسلين وَلها أَيْضا على سَائِر نِسَائِهِ فِي هَذَا التَّزْوِيج مزية وَإِن كن كُلهنَّ

(1/60)

مطهرات محفوظات وَقد ذكرت هِيَ ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت لَهُ يَا رَسُول الله أما إِنِّي لأدل عَلَيْك بِثَلَاث لَا يدل بهَا عَلَيْك وَاحِدَة من نِسَائِك

فَقَالَ وَمَا هِيَ

فَقَالَت إِحْدَاهَا أَنِّي أقرب إِلَيْك نسبا من جَمِيع نِسَائِك لِأَن جدي وَجدك وَاحِد

وَالثَّانيَِة أَن الله تَعَالَى زَوجنِي إياك

وَالثَّالِثَة أَن كَانَ السفير بيني وَبَيْنك جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام

فيا لَهَا من حرَّة فَلَقَد فخرت وصدقت مَعَ أَنَّهَا أغفلت رَابِعا يُؤَكد ثُبُوت هَذِه الثَّلَاثَة وَهُوَ كَون قصَّتهَا مسطرة فِي قُرْآن يُتْلَى إِلَى الْأَبَد

إِذْ لَو كَانَت من خبر الْوَاحِد لاختلجتها الظنون

ثمَّ قَالَ تَعَالَى لكيلا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج فِي أَزوَاج أدعيائهم إِذا قضوا مِنْهُنَّ وطرا وَكَانَ أَمر الله مَفْعُولا

علل الله عز وَجل هَذَا التَّزْوِيج ليعلم النَّاس أَن من تبنى أحدا ثمَّ تزوج امْرَأَته من بعده فَلَا حرج عَلَيْهِ فَإِن من تبناه لَيْسَ كابنه الَّذِي لصلبه

قَالَ تَعَالَى فِي تَحْرِيم أَزوَاج الْأَبْنَاء للصلب {وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم} وَقَالَ {وَمَا جعل أدعياءكم أبناءكم} فَرفع الْحَرج بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي التبني ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَكَانَ أَمر الله مَفْعُولا}

(1/61)

الْأَمر هُنَا يحْتَمل الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فَإِن كَانَ الله أمره بتزويجها فَيكون وَكَأن الْمَأْمُور بِهِ مَفْعُولا أَي وَاقعا فِي مَعْلُوم الله تَعَالَى وَيُسمى الْمَأْمُور بِهِ أَمر الْمُنَاسبَة بَين الْأَمر والمأمور فَإِن الْأَمر من الله تَعَالَى يَسْتَحِيل أَن يكون مَفْعُولا لكَونه يرجع لكَلَامه الأزلي وَإِن كَانَ أَمر بِمَعْنى المُرَاد على سَبِيل الْمجَاز فَيكون وَكَأن مَا أخْبرك الله تَعَالَى بِهِ من المُرَاد وَاقعا إِذْ مَا أَرَادَ الله تَعَالَى وُقُوعه فَلَا بُد من وُقُوعه فَتَأمل رَحِمك الله هَذِه الْقِصَّة العجيبة فَإِنَّهَا تَتَضَمَّن خمس عشرَة فَائِدَة مِنْهَا فِي جَانب الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة

إِحْدَاهمَا المعجزة فِي إخْبَاره بالغيوب فَوَقَعت كَمَا أخبر عَنْهَا

الثَّانِيَة تواضعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن زوج كريمته بِعَبْدِهِ

الثَّالِثَة انقياده لأمر الله فِي تَزْوِيجهَا بِعَبْدِهِ

الرَّابِعَة إِثْبَات هَذَا التَّزْوِيج سنة

الْخَامِسَة قمع المتكبرين وإرغام أنوفهم فِي هَذِه السّنة

السَّادِسَة فِي الرَّد على من قَالَ بتحسين الْعقل وتقبيحه

وَالَّتِي من جَانب زيد أَربع

إِحْدَاهَا بِشَارَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ بسلامة عاقبته

الثَّانِيَة مَوته شَهِيدا بَين الصفين

الثَّالِثَة مَا أخبر عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه فِي الْجنَّة

الرَّابِعَة تَسْمِيَته فِي الْكتاب بالعلمية على الْخُصُوص

وَالَّتِي فِي حق زَيْنَب رَضِي الله عَنْهَا خمس

(1/62)

إِحْدَاهَا أَن الله تَعَالَى رضيها لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَهلا

الثَّانِيَة أَن صيرها أم الْمُؤمنِينَ

الثَّالِثَة أَن كَانَ خطيبها جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام

الرَّابِعَة أَن كَانَ وَليهَا رب الْعَالمين

الْخَامِسَة أَن كَانَت قصَّتهَا قُرْآنًا يُتْلَى

فَهَذِهِ خمس عشر فَائِدَة صحت فِي هَذِه الْقِصَّة شَامِلَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأمته سوى مَا أغفله الخاطر

والجهلة يخبطون عشواء الدجون

فَهَذَا مَا من الله تَعَالَى بِهِ من ثَمَرَات النّظر فِي هَذِه الْقَصَص الْأَرْبَع فِي حق السَّادة القادة صلوَات الله عَلَيْهِم

ونسأل الله تَعَالَى مَعَ هَذَا التحفظ على مناصبهم السّنيَّة ومناقبهم الرضية الْعَفو عَمَّا وَقع فِيهَا من الْخَطَأ والخطل بحوله وَطوله

(1/63)

فصل

ولنذكر الْآن مَا وَقع من بعض قصَص الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي الْقُرْآن وَهِي الْقَصَص الَّتِي اعترضها أهل الزيغ والإلحاد فِي أَقْوَال الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وأفعالهم بِمَا من الله بِهِ وَالله الْمُسْتَعَان

وَقد كُنَّا نرتب الْكَلَام فِيهَا على تَرْتِيب الزَّمَان فنبدأ بِقصَّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام ونختم بِقصَّة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكنا قدمنَا هَذِه الْقَصَص لتأكيد اعْتِرَاض السفلة عَلَيْهَا وشناعة طبعهم فِيهَا كَمَا تقدم

فَنَذْكُر قصَّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام فِي أكله من الشَّجَرَة الْمنْهِي عَنْهَا

وقصة نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله {إِن ابْني من أَهلِي} وَفِي دُعَائِهِ على قومه

وقصة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الثَّلَاثَة الْأَقْوَال الَّتِي عدهَا هُوَ كذبات وَفِي الثَّلَاثَة الْكَوَاكِب والأنوار وقصته عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله {رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى}

وقصة عُزَيْر عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله {أَنى يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا}

وقصة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام فِي محنته

وقصة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام ومغاضبته لِقَوْمِهِ وفراره مِنْهُم ولومه وتوبته وَقبُول تَوْبَته

وقصة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قتل الْكَافِر

ثمَّ نختم هَذِه الْقَصَص بِقصَّة مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام فِي هزها الْجذع وَغلط من حط من مقَامهَا من الْجمع إِلَى الْفرق فِي ذَلِك الْوَقْت إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَكَذَلِكَ قصَّة إخْوَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَالرَّدّ على من اعْترض علينا فَقَالَ إِنَّهُم عِنْدَمَا واقعوا مَا واقعوا مَعَ أخيهم وأبيهم كَانُوا أَنْبيَاء وَالله الْمُسْتَعَان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جلباب المرأة المسلمة للشيخ الألباني

  جلباب المرأة المسلمة صفحة رقم -35-  مقدمة الطبعة الأولى :   بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم : ( يا...